اسطنبول: أعلنت أنقرة صباح الأحد شن عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا والعراق أسفرت عن مقتل نحو 30 شخصًا، بعد أسبوع على اعتداء دام في اسطنبول اتهمت كلا من حزب العمال الكردستاني والقوات الكردية في سوريا بالوقوف خلفه.

وفي ردّ محتمل على هذه الضربات، أصاب قصف صاروخي من الأراضي السورية نقطة حدودية تركية الأحد، مما أدى إلى إصابة ثلاثة عناصر من قوات الأمن على الأقل، بحسب وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.

ومنتصف ليل السبت الأحد، نفذت طائرات حربية تركية عشرات الضربات الجوية مستهدفة مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، في شمال سوريا، فضلاً عن مناطق تواجد حزب العمال الكردستاني في العراق.

واستمرت الغارات حتى ساعات الفجر الأولى من دون أن تتجدد لاحقاً الأحد.

وجاءت الغارات رغم نفي حزب العمال الكردستاني وقوّات سوريا الديموقراطيّة التي تدعمها واشنطن، أيّ علاقة لهما بتفجير العبوة الناسفة في اسطنبول الأحد الماضي الذي أسفر عن مقتل ستّة أشخاص وإصابة 81 آخرين بجروح.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية الأحد اطلاق عملية "المخلب-السيف" الجوية "بهدف التخلص من الهجمات الإرهابية من شمال العراق وسوريا، وضمان سلامة الحدود، والقضاء على الإرهاب في منبعه".

وليلاً، نشرت وزارة الدفاع التركية على حسابها في موقع تويتر صورة لمقاتلة تقلع لتنفيذ غارة ليلية، وأرفقت الصورة بعبارة "دقّت ساعة الحساب".

وأكّدت وزارة الدفاع التركية أنه تمّ "تدمير" 89 هدفًا بما في ذلك ملاجئ وأنفاق ومخازن للذخيرة ومراكز للقيادة ومعسكرات للتدريب، وتم "تحييد العديد من الإرهابيين".

وتصنف أنقرة حزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمرداً ضدها منذ عقود، منظمة "إرهابية"، وترى في وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً له في سوريا.

وفي سوريا، طالت الضربات التركية، مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في محافظتَي حلب (شمال) والحسكة (شمال شرق)، أبرزها مدينة كوباني (عين العرب) الحدوديّة مع تركيا. واستهدفت أيضاً صوامع حبوب ومحطة كهرباء في ريف مدينة المالكية.

واستهدف القصف أيضاً، وفق قوات سوريا الديموقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، نقاطاً ومواقع تنتشر فيها قوات النظام السوري.

وفيما أعلنت قوات سوريا الديموقراطية مقتل أحد مقاتليها و11 مدنياً و15 من قوات النظام السوري، تحدث المرصد عن مقتل 31 شخصاً هم 18 من أفراد قوات سوريا الديموقراطية وقوات الأمن الكردية ومجموعات مسلحة أخرى تابعة لها، فضلاً عن 12 من قوات النظام.

واكدت القوات الكردية والمرصد السوري مقتل مراسل وكالة هاوار التابعة للإدارة الذاتية الكردية.

وفي أول تعليق من دمشق على الغارات أعلنت وزارة الدفاع السورية "ارتقاء عدد من الشهداء العسكريين نتيجة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية في ريف حلب الشمالي وريف الحسكة فجر هذا اليوم"، من دون تحديد عدد القتلى.

وتسبب القصف التركي على محطة الكهرباء قرب المالكية بدمارها، وفق مصور فرانس برس الذي شاهد جثثا صباح الأحد قرب الموقع وحفرا كبيرة في الأرض.

وقال سليمان ابو هوكر، أحد سكان المنطقة، إن القصف التركي استهدف المحطة مرات عدة. وأوضح "كنا نعمل على انقاذ الجرحى وانتشال الجثث حين قصف الطائرة مرة أخرى، فما كان منا سوى أن هربنا".

وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية في بيان الأحد أنه "لن تبقى هجمات دولة الاحتلال التُّركيّ هذه دون رَدٍّ، في المكان والزَّمان المُناسبين سنرُدُّ، وبشكل قويّ ومؤثِّرٍ عليها".

وكان قائدها العام مظلوم عبدي قال فجراً إن الهجوم التركي "يهدّد المنطقة برمّتها"، وأضاف "نبذل جهودنا كي لا تحدث فاجعة كبرى، ولكن إن صارت الحرب، سيتأثّر الجميع بنتائجها".

لم تسفر الضربات التركية في العراق عن سقوط قتلى مدنيين، وفق ما أفاد مسؤول في كردستان العراق، موضحاً أن القصف طال ثماني مناطق على الأقل تتواجد فيها مواقع لحزب العمال الكردستاني في سنجار وجبال قنديل، حيث تقع أكبر قواعد حزب العمال، فضلاً عن رواندوز وأسوس وسوران ورانية وقلدز وبرادوست.

وقال متحدث باسم اتحاد مجتمعات كردستان الذي يضم حزب العمال الكردستاني إن "هذه العمليات ليست جديدة، بل إنها مستمرة منذ سبعة أشهر"، مشيراً إلى أن "القوات التركية شنت خلال تلك الفترة 3694 ضربة على كردستان العراق".

وتستهدف أنقرة مراراً مواقع لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً ضدها منذ 1984 مستخدمًا الجبال الوعرة في شمال العراق المجاور قاعدةً خلفية. وقد شنت ضده هجمات برية عدة حتى تمكنت من تثبيت نقاط دائمة لها داخل الأراضي العراقية.

وإثر نفيه أي دور له في تفجير اسطنبول، اتهم حزب العمال الكردستاني أنقرة بامتلاك "خطط غامضة" وباستهداف كوباني.

كما اعتبرت الإدارة الذاتية الكردية في سوريا أن اتهام أنقرة "يتماشى بالمطلق مع سياسات تركيا وأفعالها التي تريد من خلالها في كل مرة خلق الذرائع والحجج لتهيئة الأرضية لمهاجمتنا".

بعد وقوع الاعتداء في اسطنبول الاحد الماضي، قالت أنقرة إن القرار صدر من كوباني في سوريا.

ولمدينة كوباني رمزيّة مهمّة لدى وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت أوّل من تصدّت لتنظيم الدولة الإسلاميّة وخاضت ضدّه عام 2014 معركة للدفاع عن المدينة الحدوديّة مع تركيا، وتلقّت خلالها للمرة الأولى دعماً عسكريّاً مباشراً من واشنطن.

وكتب المتحدث باسم الوحدات الكردية نوري محمود في تغريدة أن "مدينة كوباني البطلة أوقفت تنظيم داعش الإرهابي وحمت الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يدعمها اليوم".

شنت تركيا منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنّت مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على مناطق حدودية واسعة.

وفي وقت سابق من العام الحالي، هدّدت أنقرة مراراً بشن هجوم جديد ضد المقاتلين الأكراد في سوريا، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يحصل، وفق محللين، على ضوء أخضر من إيران وروسيا اللتين تملكان نفوذا واسعا في سوريا، للقيام بذلك.