إيلاف من بغداد: لطالما انتظر العراقيون نبأ سارًا كالذي زفه اليهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بأن البلاد ستتخلص من ممارسة حرق الغاز البغيضة في ثلاث إلى خمس سنوات.
الثقة التي كان يتحدث بها رئيس الوزراء خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة الأولى العراقية تستند إلى رؤية شاملة لمستقبل قطاع الطاقة في العراق والى خطة واضحة تسير وفقا لجدول زمني محدد بدأ تنفيذه مع تسلمه مهام منصبه في أكتوبر تشرين الأول الماضي.
هذه الخطة لا تتعلق بوقف حرق الغاز فحسب، انما ايضًا لحماية العراقيين من التلوث البيئي الذي تتسبب فيه هذه العملية، التي يعتبر العراق بسببها واحدا من بين تسع دول مسؤولة عن غالبية عمليات حرق الغاز، وهو ثاني أكثر دولة في العالم تستخدم هذه الممارسة بعد روسيا وقبل إيران والولايات المتحدة.
ولا يفوت رئيس الوزراء مناسبة او حوار من دون الحديث عن ملف الطاقة باعتباره حجر الزاوية في تنمية طال انتظارها ولم تستطع الحكومات المتعاقبة من حسم ملف الغاز فيها لاسباب كثيرة. يقول: "وجدت بعد تسلم المسؤولية ملفات معطلة بجهل، أو سوء نية، وفساد، وغياب رؤية، واضطررت للعمل بسرعة من دون تضييع الوقت، والعمل بوتيرة متصاعدة لتلبية احتياجات العراقيين وتطلعاتهم".
لتحقيق هذه الطفرة، بدا السوداني بالعمل على تطوير حقول النفط والغاز في البلاد، فضلا عن تشييد مصاف جديدة آخرها مصفاة كربلاء التي تفي بأكثر من نصف كمية الوقود الذي يحتاجه العراق.
مشروعات آنية
يدلل على جدية تلك الخطة الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة العراقية في الاستثمار في مجال الطاقة ومن بينها إتمام صفقة توتال إنرجيز الفرنسية في مشروع "نمو الغاز المتكامل" بعد سنتين من التوقف.
كذلك، سارعت الحكومة العراقية برئاسة السوداني إلى توقيع الجولة الخامسة لتطوير الحقول الحدودية بعد تأخر بلغ خمسة أعوام، في محاولة منها للحد من الخسائر الناجمة عن حرق الغاز واستيراده والتي تبلغ وفقا لرئيس الوزراء ١٢ مليار دولا سنويًا. وهي تأمل في استغلال الغاز المستخرج من هذه الحقول بعد ثلاث سنوات وفقا لتصريحات المتحدث باسم وزارة النفط عصام جهاد وهي ذات المدة الزمنية التي حددها السوداني في حديثه لقناة الأولى العراقية.
مشروعات في الطريق
يطمح السوداني أيضا إلى إتمام تراخيص الجولة السادسة الخاصة بالحدود الغربية مع سوريا والأردن والسعودية وصولا إلى محافظة السماوة، فضلا عن اعلان وشيك عن استثمارات جديدة في سبعة مصافي في انحاء البلاد وتحديدا في الموصل وحديثة والسماوة وميسان وذي قار وواسط.
وكي يحتل العراق مكانته المنطقية مصدرًا للغاز، تعمل الحكومة على تطوير مشاريع الهيدروكربونات والبتروكيماويات مثل مشروع نبراس العملاق الذي طال تاجيله أيضا للأسباب التي ذكرها السوداني، وهو ما سيمكن العراق من انتاج نحو 2 مليون طن متري سنويا من مشتقات البترول.
وسيستخدم الغاز الفائض أيضا في تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل شركة سيمنز الألمانية على انشائها وتطويرها حتى تنتهي مشكلة انقطاع الكهرباء والتي تصل إلى عشرين ساعة يوميا في بعض المناطق. وهذه كانت احدى اهم اهداف السوداني من زيارته المانيا والتي اعقبها تخفيض سيمنز لنحو 30 في المئة من عقود صيانة المحطات لما لمسته الشركة من جدية من الجانب العراقي.
ووفقا للدكتور مظهر صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، فإن الخطة الحكومية التي تهدف إلى تصفير حرق الغاز في العراق خلال السنتين او الثلاث المقبلة تمثل عملية اقتصادية وفنية تتعلق بالازدهار الاقتصادي وحصانة البيئة، خصوصا مع اهتمام الحكومة بمواجهة الجفاف والتصحر وهو ما يتماشى مع تصريحات السوداني بان الغاز المنتج من هذه المشروعات سيتم استخدامه في تطوير قطاع صناعة الأسمدة والزراعة حتى تكتمل صورة التنمية.
كل هذه المشاريع يلزمها ارادة وهمة يتمتع بهما السوداني في ظل استقرار سياسي وانخفاض قياسي في هجمات الإرهابيين وعلاقات إقليمية مزدهرة، هي الأفضل منذ سنوات، وكذلك استثمارات في البنية التحتية والطرق والمرافئ الضرورية لنقل النفط والغاز، وهي مشاريع يجري العمل على اتمامها لتكتمل الصورة خلال ثلاث إلى خمس سنوات كما قال السوداني.
تلك السنوات القلائل لا تعدو ان تكون خطوة واحدة في طريق العراق نحو تحقيق حلم لطالما تأخر بسبب سنوات من الحرب والعنف والفساد، لكنه اصبح الان أقرب إلى التحقق بسواعد أبنائه وعزم السوداني.
التعليقات