إيلاف من بيروت: عُرف الرئيس السوري بشار الأسد لفترة طويلة مجرمًا دولياً بسبب وحشية نظامه، لكنه أصبح حديث الساعة مؤخراً بعد استضافته مسؤولين عرب، تشير زياراتهم دمشق إلى أن عزلة الأسد الإقليمية التي استمرت 12 عامًا قد تنتهي، من دون أي محاسبة لانتهاكات قواته في قمع الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في عام 2011 وتحولت إلى حرب أهلية.

بحسب مقالة نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز"، يقول محللون إن النقاش في المنطقة يتحول من مدى إمكانية إعادة إدماج الأسد إلى التنازلات التي ستُطلب من دمشق كي تعود إلى الصف العربي. تقود هذا الجهد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من تردد بعض الدول العربية في إعادة الاعتراف بالأسد، إلا أن كبار المسؤولين من عدة دول عربية، بما في ذلك السعودية والأردن والعراق ومصر، بدأوا يعملون على القضايا المرتبطة بسوريا. ويعتقد جوزيف ضاهر، الخبير السوري في معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، أن التطبيع مع الأسد يبدو بشكل متزايد أمرًا لا مفر منه.

تحولات مع إيران

التقى وزير الخارجية السعودي الأسد في دمشق في أبريل، وهي أول زيارة علنية لمسؤول سعودي منذ عام 2011. بعد ذلك، زار نظيره الرياض لمناقشة "عودة سوريا" إلى محيطها العربي. في غضون ذلك، يشعر الأسد بالثقة، وفي اجتماع لوزراء الخارجية أخيرًا يناقش إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، قال المسؤولون إنه لم يُظهر أي اهتمام بالتسوية. ما زال بعض الدول العربية، بما فها قطر والكويت، مترددة في القبول بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن كبار المسؤولين من العديد من الدول العربية الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والعراق ومصر، بدأوا العمل على قضايا لإثارتها مع سوريا.

تعود أسباب هذا التحول إلى تغير المواقف تجاه إيران، حيث وجدت الإمارات والسعودية صعوبة في تقبل تمددها في الشرق الأوسط. بعد أن كانت تركيا من مؤيدي المعارضة المسلحة ضد الأسد، تغيّرت مواقفها بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير.

قطعت معظم الدول العربية العلاقات مع الأسد في عام 2011 عندما بدأ في قصف وتعذيب وقتل السوريين بالغاز لهزيمة التمرد الناشئ. مع ذلك، بدعم عسكري من روسيا وإيران، استعاد الأسد السيطرة على معظم البلاد في نهاية المطاف. ومهد هذا الطريق للضغط لإعادة التواصل معه بفضل تغير المواقف تجاه طهران، وغياب اتجاه واضح من الولايات المتحدة. وقال أندرو تابلر، المسؤول الأميركي السابق، إن الولايات المتحدة خففت مؤقتًا قيود العقوبات لتسهيل تدفق المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال، فاستفاد القادة العرب من هذه الثغرة، وهذا أثار دهشة المسؤولين الأميركيين. وقال محمد علاء غانم، رئيس السياسة في المجلس السوري الأميركي المعارض للأسد: "لم تكن سوريا على رأس أولويات إدارة بايدن. والولايات المتحدة انتقلت من منطق ’ لا تجرؤ على التطبيع مع الأسد‘ إلى ’إذا طبعتم مع الأسد، تأكدوا من الحصول على شيء منه‘".

جهد سوري

مع ذلك، حتى الرياض، التي قادت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة لدمشق ، لم تلتزم بعد بالتطبيع الكامل مع الأسد من دون مقابل يقدمه الجانب السوري. وقال دبلوماسي عربي إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية "يجب أن تكون نتيجة جهد سوري". بعد اجتماع الرياض لوزراء الخارجية، قال الدبلوماسي إن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن ومصر والعراق اجتمعت للعمل على الخطوات التالية.

إلى ذلك، يمثل ملايين اللاجئين في الخارج، الذين يخشون أن يجبرهم التقارب مع الأسد على العودة إلى سوريا، هي أيضًا مشكلة مستعصية. لا يزال كثيرون خائفين من العودة، لذا تحول التركيز إلى الكبتاغون الذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لدمشق.

في غضون ذلك، ليس واضحاً ما ستعنيه إعادة تأهيل الأسد بالنسبة إلى المناطق السورية التي ما زالت خارج سيطرة النظام، بما فيها الشمال الغربي الذي يخضع لسيطرة المعارضة أو تركيا، والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. تعتقد دارين خليفة، وهي محللة الشؤون السورية في Crisis Group ، أن "استعادة العلاقات السياسية مع الأسد تترك الأسئلة الرئيسية من دون إجابات. أثبتت دمشق مرارًا أنها غير مستعدة للانخراط في حل سياسي. فهذه ليست الطريقة التي يعمل بها الأسد."

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها رايا جلبي وأندرو إنغلاند وسامر الأطرش، ونشرتها صحيفة فايننشال تايمز