أمزميز (المغرب): لا يكاد يفرغ سرير من مصاب حتى يشغله جريح آخر كان ينتظر دوره لتلقي الإسعافات في خيمة كبيرة نصبت قبالة مستشفى بلدة أمزميز المحاطة بجبال الأطلس وسط المغرب حيث ضرب زلزال مدمر.

نصبت هذه الخيمة خارج مبنى المستشفى الذي يبدو غير آمن تماما في حال حدوث هزات ارتدادية، والغاية منها استقبال الجرحى القادمين من القرى الجبلية المعزولة. وفيها تحاول فرق الإنقاذ تنظيم عمليات الإسعاف بعد ثلاثة أيام على الكارثة.

تواصل الاثنين توافد الجرحى مثل رجل مسن وصل في سيارة إسعاف برجل مكسورة، ملقيا نظرات في الفراغ من هول الصدمة.

ولم يتلق الرجل الذي يدعى الحسين (81 عاما) علاجا ولا أدوية مهدئة منذ الكارثة، باستثناء اسعاف قام به معالج كسور تقليدي، وفق ما أفاد أقاربه.

وقالت ابنته حبيبة "أخرجناه بأنفسنا من البيت وحملناه ملفوفا في بطانية لعدة كيلومترات".

واضافت "انتظرنا في أحد الحقول وصول رجال الإنقاذ إلى قرية آيت مبارك".

وقد أدى انقطاع الطرق بسبب سقوط الصخور إلى تأخر الوصول للقرى المعزولة المتناثرة على قمم الجبال أو بين حقول أشجار الزيتون، وهو ما تسبب في تأخر التكفل بالجرحى الذين فاق عددهم 2500 مصاب، حتى مساء الاثنين.

إصاباتٌ مختلفة
وبلغ عدد القتلى 2862 على الأقل وفق آخر حصيلة لوزارة الداخلية، دفن معظمهم.

وكانت علامات الإنهاك والضياع بادية على الجرحى الذين يتوافدون على المستشفى، كما هو الحال بالنسبة لطفلة جاء بها والدها محتضنا إياها بين ذراعيه.

وتختلف الإصابات بين كدمات أو كسور أو جروح بعضها عميق وبعضها سطحي. لكن الطاقم الطبي "لا يمكنه معالجة كل الحالات في هذا المستوصف الصغير"، كما اوضحت طبيبة العيون ضحى حمد الله.

واضافت الثلاثينية التي تركت عيادتها الخاصة في الدار البيضاء لتقدم يد العون هنا "نتكفل فقط بالعلاجات الأولية مثل الغرز بينما الكسور أو الحالات الخطيرة ننقلها إلى المستشفى الجامعي بمراكش"، الواقع على بعد حوالى 50 كيلومترا.

إسعافات ميدانية
مثلها، جاء "عشرات من الأطباء الآخرين من كل الاختصاصات ومن كل مكان" في المملكة لتقديم المساعدة. وهم يعملون ضمن فرق تتناوب بانتظام للاهتمام بالمصابين.

يتحرك فريق من الممرضين والأطباء ببزاتهم الزرقاء في كل اتجاه تحت ضغط العمل، فيما لا تتوقف حركة سيارات الإسعاف في الخارج، سواء التابعة للسلطات أو تلك الخاصة. كما تحلق مروحيات في الأجواء.

ويعمل أفراد آخرون من الأطقم العلاجية على توزيع الأدوية لأن هناك أيضا "مرضى لم يصابوا في الزلزال لكنهم يحتاجون للعلاج بسبب عدم تمكنهم من أخذ أدويتهم"، كما اوضح كريستوف المتطوع في الهلال الأحمر المغربي.

وكانت الساعات الأولى بعد هذا الزلزال الأعنف من نوعه الذي يضرب المغرب عصيبة في هذا المستشفى الصغير كما اوضح العاملون فيه.

لكن "التنسيق يتم تدريجيا" على قول الدكتورة حمد الله، قبل أن ترفع صوتها منادية وسط الضوضاء "نحتاج الى شخص من المنطقة يعرفها جيدا. من يأتي؟"

القرى المعزولة
وبعد دقائق تشكل فريق طبي ليتجه نحو بيوت يصعب الوصول إليها في قرية أنوكال.

واضاف المتطوع في الهلال الأحمر "ننشر وحدات متنقلة تضم أطباء في القرى المعزولة".

غير بعيد من المكان نصبت القوات المسلحة مستشفى ميدانيا.

وعلى بعد نحو 35 كيلومترا شرقا تعمل السلطات على إقامة مصحة متنقلة، وضعت قطعها القابلة للتركيب في فضاء يغمر الغبار أجواءه بقرية ويركان التي دمرها الزلزال جزئيا.

صباح الاثنين أقيم مستشفى ميداني عسكري آخر في قرية آسني، الواقعة ايضا في إقليم الحوز الأكثر تضررا من الكارثة.

وقد استقبل هذا المستشفى أكثر من 300 مصاب بحسب الطبيب الكولونيل يوسف قموس الذي تحدث لفرانس برس.

إذا كان تنظيم عمليات العلاج صعبا في البداية كما أوضح أفراد من الأطقم الطبية، فإنهم واجهوا أيضا تحدي توفير مخزونات الادوية.

من جهته، رأى منسق منظمة أطباء بلا حدود في فرنسا جان جونسون أن "الأمور تبدو على ما يرام بخصوص كمية المعدات الطبية، والمغاربة يعرفون ما ينبغي القيام به"، في انتظار أن يحصل على ضوء أخضر من السلطات للتدخل.

واضاف "يملكون كل ما يلزم للعلاجات الأولية، لكن هناك نقص في ما يخص مسلتزمات علاج الصدمات (مثل لقاحات مضادة للتيتانوس أو مضادات الآلم...)".

ونبه جونسون إلى جانب آخر ضروري يتعلق بالصحة النفسية خلال الأيام والأشهر المقبلة، موضحا "ثمة حاجة لرعاية نفسية، فقد رأينا الكثير من حالات الهستيريا".

على بعد بضعة أزقة من مستشفى أمزميز، اكتفى أحد السكان بالوقوف مكتوف اليدين، مركزا نظره على حطام البناية التي كانت بيته.