بين 40 إلى 45 في المئة من الغارات الجوية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر استخدمت قنابل غير موجهة أو ما يسمى "قنابل غبية"، بدلاً من الصواريخ الموجهة بدقة أو "الذكية"، وهذا يفسر عدد الضحايا المدنيين. فلماذا؟
إيلاف من بيروت: في 12 ديسمبر الجاري، وبخ الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل علناً بسبب حربها الجوية في غزة. قال: "بدأوا يفقدون الدعم العالمي بسبب القصف العشوائي"، ما يعكس نفاد صبره المتزايد. تشير تقديرات وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن ما بين 40 إلى 45 في المئة من الغارات الجوية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر استخدمت قنابل غير موجهة أو ما يسمى "قنابل غبية"، بدلاً من الصواريخ الموجهة بدقة أو "الذكية"، وفقاً لتقارير نشرتها شبكة سي إن إن.
لا تزال روسيا تستخدم الكثير من هذه القنابل "الغبية": يُعتقد أن نحو 95 في المئة من الصواريخ التي أسقطتها على شمال سوريا في عام 2015 كانت غير موجهة. لكن أميركا وحلفائها نادراً ما يستخدمونها الآن. كانت جميع القنابل التي أسقطها الناتو على ليبيا في عام 2011 تقريبًا دقيقة التوجيه، وكذلك كان الأمر بالنسبة لنحو 90 في المئة من تلك التي استخدمتها إسرائيل في الأسبوعين الأولين من الحرب الحالية.
يقول تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية إن استخدام إسرائيل هذا العدد الكبير من القنابل الغبية "يثير الدهشة". وينسب إلى مارك جارلاسكو، خبير الأسلحة السابق في البنتاغون، قوله إن الرقم الإسرائيلي "صادم". ربما كانت المرة الأخيرة التي ألقت فيها أميركا قنابل غير موجهة على مناطق مأهولة بالسكان هي استخدامها القنابل العنقودية على مشارف بغداد قبل أكثر من عشرين عاما. يضيف جارلاسكو: "انخفاض دقة القنابل غير الموجهة وتأثيرها على منطقة واسعة يفسر سبب ارتفاع عدد القتلى في غزة".
السبب الأول
ثمة سببان وراء استخدام إسرائيل القنابل الغبية: أولاً، تعني ظروف القتال في غزة أنها قد تكون قادرة على ضرب أهداف معينة باستخدام ذخائر غير موجهة بشكل فعال. وقال مسؤول أميركي لشبكة "سي أن أن" إن القوات الجوية الإسرائيلية كانت تستخدم مبدأ الإطلاق بعد هبوط حاد ما يجعل هجماتها أكثر دقة، ويقول إدوارد سترينغر، المارشال الجوي المتقاعد في سلاح الجو الملكي، إن هذا كان في السابق تكتيكًا روتينيًا استخدمته طائرات جاكوار البريطانية للهجوم الأرضي في حرب الخليج الأولى، ويشبه إسقاط قنبلة موجهة بالليزر.
يقول تقرير "إيكونوميست" إن القنابل الذكية تكون أكثر دقة عندما يتم إسقاطها من ارتفاع 15.000 إلى 23.000 قدم، ما يمنح زعانف التوجيه الخاصة بها وقتًا كافيًا لتصحيح هدفها، كما يشير فيليب ميلينجر، العميد السابق لكلية دراسات القوة الجوية المتقدمة في الجامعة الجوية التابعة للقوات الجوية الأميركية، أما القنابل الغبية فيجب إسقاطها من ارتفاع أقل كثيرًا، من نحو 5000 قدم، وهذا من شأنه أن يضع الطائرات في نطاق صواريخ أرض جو. لكن حماس لا تملك قدرة كبيرة في الدفاع الجوي، وسبق أن استخدم مقاتلوها صواريخ ستريلا-2 أو سام-7 السوفياتية التي تطلق من الكتف، لكن سقفها منخفض نسبيًا. علاوة على ذلك، بما أن عرض قطاع غزة لا يكاد يصل إلى بضعة أميال، فإن الطائرات الإسرائيلية لا تنكشف إلا لثوان محدودة، وهذا غير كافٍ لملسحي حماس لتحديد الهدف وإطلاق الصواريخ نحوه، ولذلك يشعر الطيارون الإسرائيليون بالأمان عند قصف القنابل.
يرجح التقرير أن إسرائيل تضرب الأهداف التي تريد ضربها بالقنابل الدقيقة التوجيه، لكنها تقبل بمستوى عالٍ من الأذى الذي يلحق بالمدنيين، غير أن استخدام القنابل غير الموجهة قد يكون عاملًا مساهمًا. تقول إميلي تريب، مديرة شركة "إيروارز" التي تتعقب الضرر الذي يلحق بالمدنيين في الحرب: "الفرق بين 20 و30 قدمًا كبير عندما يتعلق الأمر بالمدنيين الذين يعيشون في المنطقة". وبحسب بحث أجرته مجلة "إيكونوميست"، يخلص أحدث تحليل عبر الأقمار الصناعية إلى أن نحو 43 ألف مبنى في غزة (16في المئة من المجموع) قد تضررت، وما لا يقل عن 450 ألف شخص (20 في المئة من السكان) أصبحوا الآن بلا مأوى.
السبب الثاني
أما السبب الثاني المحتمل لاختيار إسرائيل القنبال "الغبية" فهو "المخزون". في الحرب الليبية، استنفدت العديد من دول الناتو بسرعة مخزونها الصغير واضطرت إلى اللجوء إلى أميركا. وفي عام 2015، بعد مرور 15 شهرًا وإلقاء 20 ألف قنبلة على الحملة ضد داعش، اعترف قائد القوات الجوية الأميركية بأن الصواريخ "تنفذ بشكل أسرع مما يمكننا تجديده".
نظريًا، يجب أن يكون لدى إسرائيل الكثير من الاحتياطيات. وقد اشترت بنحو 1.9 مليار دولار من الصواريخ الموجهة من شركات أميركية منذ عام 2015. ومنذ 7 أكتوبر الماضي، أرسلت أميركا ما لا يقل عن 15.000 قنبلة إلى إسرائيل. وفي نوفمبر المنصرم، أخبر بايدن الكونغرس أنه يعتزم إرسال ذخائر بقيمة 320 مليون دولار إلى تل أبيب. لكن الحملة الجوية الإسرائيلية كانت شرسة على نحو غير عادي. وتفيد التقارير أنه تم إسقاط 29000 قنبلة على القطاع، "ويعادل هذا تقريباً العدد الذي ألقته أميركا وبريطانيا على العراق بأكمله في الشهر الأول من الحرب في عام 2003، أي أقل من 500 قنبلة يومياً"، بحسب "إيكونوميست". تقول تريب: "هذا أعلى كثيرًا مما رأيناه في أي صراع آخر في العشرين عامًا الماضية، حتى في الحرب الجوية الروسية في شمال سوريا منذ عام 2015".
تختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول: "اليوم، يشعر العديد من المسؤولين الإسرائيليين بالقلق من أن حرباً أكبر تلوح في الأفق مع حزب الله في لبنان، كما هددت إسرائيل بضرب الحوثيين في اليمن. ويملك حزب الله والحوثيون أنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً مما تمتلكه حماس، قادرة على ضرب أهداف أبعد وأعلى. ربما تريد القوات الجوية الإسرائيلية الحفاظ على مخزونها من القنابل الذكية لهؤلاء!".
المصدر: "إيكونوميست"
التعليقات