إيلاف من الرباط: كشفت دراسة حول ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون (شمال المغرب) أن هذه الظاهرة تبقى مركبة، ويتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو نفسي، وما هو بيولوجي بما هو سوسيو-اقتصادي، الأمر الذي يؤكد تعقيداتها.

وأظهرت الدراسة، التي أنجزتها جمعية أصدقاء السوسيولوجيا حول ظاهرة الانتحار، بدعم من وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، أن العوامل النفسية تبقى ضمن أبرز العوامل المسببة لهذه الظاهرة، التي تتمثل في مجموعة من الاضطرابات النفسية المعقدة، أبرزها الاكتئاب الحاد واضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الولادة والإجهاض.

وأشارت الدراسة إلى أن العوالم الاجتماعية تمثل إحدى المسببات الرئيسية للظاهرة، والتي يبقى من أهمها العنف المنزلي الذي يخلف آثار نفسية خطيرة خصوصا على المرأة.

وجاءت الدراسة، وفق مدخلها، في سياق "الوعي المتنامي بخطورة" ظاهرة الانتحار، التي "تعبر عن وضع خطر وتثير قلقا متزايدا"، في وقت كشفت فيه تقارير وطنية أن السنوات العشر الأخيرة عرفت "زيادة مطردة" في حالات الانتحار، وخصوصا بإقليم شفشاون (شمال المغرب).

واعتبرت الدراسة أن مشكلة الانتحار "ظاهرة يمكن قراءتها في ضوء التحولات الاجتماعية المختلفة التي يعرفها المجتمع المغربي اليوم".

وأشارت إلى أن منطقة شفشاون شهدت، على مدى السنوات السبع الماضية، ارتفاعا في حالات الانتحار مقارنة بمناطق أخرى في المغرب، حيث ناهز عدد الحالات المبلغ عنها 270، بحسب تقرير نشر في 2021؛ مع الإشارة إلى أن الأرقام تظل غير رسمية وغير دقيقة، فيما لا توجد إحصائيات رسمية متاحة توضح المعدل الدقيق لحالات الانتحار في المغرب، لتبقى البيانات الوحيدة التي يمكن الرجوع إليها هي البنك الدولي، والتي تظهر انخفاضا في معدل الانتحار من 9.9 في 2000 إلى 7.2 في 2019.

وخلصت الدراسة إلى أن الهشاشة الاقتصادية تبقى من العوامل المسؤولة عن ظاهرة الانتحار، مشيرة إلى أن الحالة المدروسة، في هذا الصدد، ارتبطت بتحول مس طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يزاوله سكان المنطقة (زراعة القنب الهندي )، والذي عرف تدهورا وتراجعا كبيرا تفاقم مع مرور الوقت وأصبح يشكل ثقلا نفسيا للأفراد.

ورأت الدراسة أن غياب الوعي بأهمية الصحة النفسية يعتبر عاملا مساهما في بروز وتفاقم ظاهرة الانتحار، حيث أن العديد من الأفراد ممن يعانون اضطرابات نفسية غير واعون بها، كما أنهم غير واعون بأهمية التدخل الطبي النفسي والعلاج السيكولوجي.

وأوصت الدراسة بـضرورة تعميق الدراسة والبحث حول الظاهرة، وذلك بانخراط مجموعة من الهيئات العلمية والمؤسسات الحكومية، بشكل يمكن من ضبط هذه الظاهرة والتحكم فيها بوصفها معضلة اجتماعية.

كما أوصت الدراسة بإحداث خلايا للدعم النفسي والاجتماعي بالمستوصفات الجماعاتية بتراب إقليم شفشاون، باعتباره أكثر إقليم يشهد ظاهرة الانتحار. كما أوصت بحملات للتوعية والتحسيس بأهمية الصحة النفسية في أوساط الشباب والمراهقين بالمؤسسات التعليمية والنساء بالمراكز النسوية بالإقليم.

ودعت الدراسة إلى تظافر جهود الإعلام الوطني والمجتمع المدني والهيئات المنتخبة في التوعية بمخاطر الاضطرابات النفسية ودورها في الظاهرة، مع ضرورة إيجاد بديل اقتصادي بالمنطقة، يضمن العيش الكريم للأفراد ويحد من الهشاشة الاقتصادية؛ فضلا عن إحداث خلايا للإنصات للنساء ضحايا العنف المنزلي والتوعية بضرورة التبليغ عن الحالات التي تعانيه.