إيلاف من بيروت: كيف تسلط الضوء على أمة بأكملها من خلال حرب ضروس، ثم تحاول أن تفعل الشيء نفسه مع قوة عظمى هي حليفتك في الأصل؟ وكيف يمكن تحويل حرب عادلة إلى عزلة عالمية تثير إدانة واسعة النطاق؟ اسأل بنيامين نتنياهو، فعنده الخبر اليقين.
هكذا صدّر ألون بنكاس، القنصل العام لإسرائيل في نيويورك بين عامي 2000 و2004، مقالته في صحيفة "غارديان" البريطانية، وقد ترجمتها "إيلاف" كاملةً.
يضيف بنكاس، وهو الآن كاتب عمود في صحيفة "هآرتس" العبرية: "يتعمد نتنياهو مواجهة مع الولايات المتحدة منذ أواخر أكتوبر. وليس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728 ، والذي يطالب بـوقف فوري لإطلاق النار في غزة، إلا الذريعة الأدث لاستمرار هذه المواجهة المتعمدة. قد يبدو هذا غير بديهي وغير حكيم بالنسبة للقارئ، بالنظر إلى أن البلدين حليفان وثيقان، وبالنظر إلى اعتماد إسرائيل الكبير على المساعدات العسكرية الأميركية ومظلتها الدبلوماسية، وخصوصًا بالنظر إلى دعم الرئيس الأميركي جو بايدن الثابت لإسرائيل منذ كارثة 7 أكتوبر".
لكن، بحسب بنكاس، لدى نتنياهو سببان للتحريض على مثل هذه المواجهة: الأول، اختلاق رواية مفترض أنها تعفيه من المسؤولية والمساءلة التي يرفض باستمرار تحملها، وتصرف الانتباه عن سياسته المتمثلة في مطالبة قطر بتحويل المزيد من الأموال إلى غزة لتعزيز حماس، من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية وجعل أي مفاوضات سياسية مستحيلة. يقول: "وفقاً لهذه الرواية، كان يوم 7 أكتوبر كارثة كان يمكن تجنبها لو لم تفشل القوات الإسرائيلية واستخبارات الشاباك. والمشكلة الأكبر الآن، بحسب نتنياهو، هي إمكانية قيام دولة فلسطينية يحاول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، فرضها على إسرائيل. وفقاً لهذه الرواية، نتنياهو هو البطل القادر على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وتحدي رئيس أميركي، ومنع هذه المهزلة".
يضيف: "بالطبع، مستحيل فرض دولة فلسطينية من الخارج. لكن هذا التأطير يسمح لنتنياهو باسترضاء ائتلافه اليميني المتطرف وشركائه، الذين عارضوا منذ فترة طويلة أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. ويسمح له بجعل الصراع مع الولايات المتحدة نقطة محورية، بدلا من أن تكون إخفاقاته هي مدار البحث".
بايدن كبش فداء
أما السبب الثاني فهو الآتي، ودائمًا بحسب بنكاس: "تدور المواجهة حول جعل بايدن كبش فداء لفشل نتنياهو في تحقيق النصر الكامل أو القضاء على حماس". فقرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، والذي تبنته 14 دولة مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، يضع إسرائيل على مسار تصادم مزدوج: مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن بشكل أكثر أهمية، مع الولايات المتحدة. يقول بنكاس: "إن نوبات الغضب التي يعاني منها نتنياهو بشأن دهشته من امتناع الولايات المتحدة عن التصويت الذي يشكل خروجاً عن السياسة التي من شأنها أن تمنع النصر، هي مجرد كذبة. حذرته إدارة بايدن مرارًا من أن هذه ستكون نتيجة حتمية إذا استمر في تعنته وتحديه ورفضه الفعلي للتعامل مع الولايات المتحدة، الحليف القوي والحامي لإسرائيل ظاهريًا".
فعندما تتجاهل طلبات الولايات المتحدة، وترفض نصيحة الرئيس حسنة النية، وتغمر وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالخداع المزدوج، وتسخر بشكل عرضي من خطط وأفكار الولايات المتحدة بشأن إعادة تشكيل المنطقة، وتظهر عنادًا فجًا برفض تقديم رؤية موثوقة ومتماسكة بالنسبة لغزة ما بعد الحرب، هناك ثمن يجب دفعه. وفي الآونة الأخيرة، حذرت وزارة الخارجية الأميركية إسرائيل من أنها أصبحت معزولة بشكل متزايد وأنها معرضة لخطر إلحاق "ضرر كبير" بسمعتها وصورتها.
بحسب بنكاس، لو تعاملت إسرائيل بجدية مع الولايات المتحدة بشأن القضايا المذكورة أعلاه، من دون الموافقة بالضرورة على كل شيء، لمنعت هذا الصدع. لدى الولايات المتحدة خلاف أساسي طويل الأمد مع إسرائيل: الافتقار إلى هدف سياسي متماسك للحرب، والذي يجب أن تتماشى معه الوسائل العسكرية. واستفسرت الولايات المتحدة مراراً عن أهداف إسرائيل، ولم تحصل إلا على شعار "إسقاط حماس"، وهو هدف جدير بالاهتمام، لكنه لا يعالج مسألة "اليوم التالي".
ليس حليفًا
منذ يناير تقريبًا، قامت الولايات المتحدة بمراجعة تقييمها لإسرائيل بشكل سلبي في عهد نتنياهو. فهو لا يتصرف بوصفه حليفًا، وقد تراكم لديه عجز مدمر في الصدقية على مر السنين في العديد من القضايا، وقد فشل عمداً في التوصل إلى خطة لغزة ما بعد الحرب - إلى درجة أنه الآن موضع شك جدي في واشنطن التي تتتهمه بإطالة أمد الحرب من أجل بقاءه السياسي.
يقول بنكاس في "غارديان": "في الوقت الحالي، هناك ثلاث نقاط خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يتعلق بتفاصيل مواصلة الحرب: فكرة أن إسرائيل تعرقل المساعدات الإنسانية؛ وعدد القتلى من المدنيين؛ وغزو عسكري محتمل لرفح. كان يمكن حل هذه الخلافات لو كانت بين نتنياهو وبايدن علاقة عمل صادقة وحسنة النية. في الواقع، لدى نتنياهو سجل حافل بالمواجهات والمشاحنات المتكررة مع الإدارات الأميركية، من جورج بوش الأب إلى بيل كلينتون وباراك أوباما، والآن بايدن. ويجب أن نضيف أن تدخله - غير الناجح - في السياسة الأميركية هو أيضًا سمة مألوفة منذ التسعينيات".
يختم بنكاس: "يمكن العلاقات الثنائية أن تسير في أحد اتجاهين: إما إطاحة نتنياهو أو تركه أو خسارته في الانتخابات، أو تقتنع الولايات المتحدة بأن النظام الثنائي تعثر ويستدعي إعادة تقييم كبيرة للعلاقات بين البلدين. ففي عهد نتنياهو، وصلت إسرائيل إلى النقطة التي أصبحت عندها قيمتها كحليف موضع شك. تأخرت الولايات المتحدة لتدرك حقيقة بسيطة: ربما تكون إسرائيل حليفة، لكن المؤكد أن نتنياهو ليس حليفًا".
التعليقات