يخاطر العديد من المهاجرين للوصول إلى جنوب أفريقيا، ويقطعون رحلة خطيرة للغاية عبر حدود زيمبابوي، فراراً من الفقر واليأس في أماكن أخرى في أفريقيا، حيث لم يعد أمامهم خيار آخر.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتزايد مشاعر معاداة الأجانب، وتتعرض حكومة جنوب أفريقيا لضغوط لتشديد الرقابة على الحدود أمام المهاجرين.
من بين هؤلاء بورتي مورفيسي التي تعرضت للاغتصاب في رحلتها الشاقة عبر الحدود، دون أن يعبأ من اغتصبوها بأنها حامل.
قالت لنا الرجال هاجموها بالزجاجات أيضاً، مشيرةً إلى ندبة كبيرة خشنة على ساعدها.
والآن، وبعد اكتمال فترة حملها تقريباً، تتعافى في ملجأ تديره الكنيسة في بلدة موسينا الحدودية بجنوب أفريقيا.
وقالت لبي بي سي: "عندما أحاول النوم أحياناً، أرى [في الكوابيس] ما فعله بي هؤلاء الرجال".
تعد موسينا ملجأً للمهاجرين المتسللين عبر الحدود دون أن يلاحظهم أحد، مثل مورفيسي.
والمهاجر الذي ينجح في اجتيازها، ينجو من رحلة صعبة عبر الأدغال؛ فهي منطقة خارج القانون لا تعرف الرحمة، وتشكل الحيوانات البرية وعصابات المجرمين فيها تهديداً مستمراً للمهاجرين.
وتنتشر في تلك المنطقة قصص السرقة والضرب والاغتصاب، بل والقتل.
التقينا رجلاً من زيمبابوي، أخبرنا أن اسمه جورج، ووصف الأمر بأنه "في غاية الخطورة".
وقال عن رحلة عبوره: "قد تمر بهياكل عظمية، أو بأحدهم قُتل بالفعل قبل شهرين أو ثلاثة أشهر".
التقينا به مع حلول الليل في موسينا، مع إياب مجموعات من الرجال إلى مجمع قذر من الأكواخ المسقوفة بالصفيح.
المحظوظون في تلك المدينة هم من يجدون بعض الأعمال غير الرسمية، ويكسبون القليل من المال لإرساله إلى عائلاتهم في البلدان المجاورة.
وأوضح أحدهم: "لا يمكننا العودة إلى زيمبابوي لأنه لا يوجد شيء هناك. نحن نتضور جوعاً، ولا يوجد طعام".
لا يُعرَف على وجه اليقين عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون بعيداً عن أعين السلطات في جنوب أفريقيا، الدولة صاحبة الاقتصاد الأكثر تقدماً في القارة.
وقد رصد التعداد السكاني الأخير وجود أكثر من 2.4 مليون أجنبي يعيشون في البلاد، نصفهم تقريباً من الزيمبابويين، وهو ما يمثل ما يزيد قليلاً عن 3 في المئة من السكان.
ومع ذلك، لا توجد تقديرات رسمية لعدد من دخلوا بطرقٍ غير شرعية.
ومع الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في نهاية شهر مايو/أيار، أصبحت الهجرة غير الشرعية قضية سياسية ملتهبة.
لماذا يعيش الأجانب في جنوب أفريقيا في "خوف"؟
جنوب أفريقيا: نهب متاجر لأجانب الافارقة في جوهانسبرغ
وتقول سلطات جنوب أفريقيا إنها تشدد إجراءات الأمن على الحدود، ولقد رأينا بأنفسنا ضخامة المهمة.
فعلى طول الطريق من موسينا باتجاه نهر ليمبوبو، الذي يفصل بين جنوب أفريقيا وزيمبابوي، تتلألأ لفائف معدنية بين الشجيرات.
إنها بقايا سياج حدودي مُهترئ مقطوع وطأته الأقدام.
لقد جف النهر ذاته، وفي ظل الحر الشديد، يتنقل العشرات ذهاباً وإياباً عبر حدود غير مرئية.
تجر الحمير عربات محملة بالبضائع تمر عبر ما تبقى مياه النهر الضحلة المتقطعة.
أما النساء، فيوازنَّ أكواماً من العبوّات التي يحملنها على رؤوسهن، بخطى حثيثة متوازية.
أوضحن لنا أن الأمر يستغرق نحو خمس دقائق سيراً على الأقدام من أقرب قرية زيمبابوية إلى جنوب أفريقيا.
ماذا تغرق الكثير من قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط ؟
الهجرة غير الشرعية: مهاجرون أفارقة يتوهون منهكين في الصحراء بين تونس وليبيا
ما من شيء يوقف أحداً طوال الطريق في ذلك المكان، لا سياج ولا حراس.
جون، الذي طلب تغيير اسمه حفاظاً على هويته، جلس على عربته، ملوّحاً بالسوط في بعض الأحيان على ظهر الحمير المرتبكة، التي تجر عربة تكدس فيها البطيخ.
أخبرنا أن لديه أسرة تعيش في منزله في زيمبابوي، لكن ما مِن وظائف هناك، أو ما يكفي من الطعام. والآن، يقوم بزراعة البطيخ هناك ويبيعه في جنوب أفريقيا، حيث يحصل على سعر أعلى بكثير.
يقول: "أفعل هذا من أجل البقاء".
لماذا تتجاوز السفن التي غيرت مسارها إلى رأس الرجاء الصالح موانئ جنوب أفريقيا؟
وتعد هذه المنطقة سوقاً مزدهرة غير مشروعة عبر الحدود، وبينما يواجه المهاجرون الذين يعبرون المنطقة هنا رحلة شاقة إلى موسينا، تُنقَل معظم البضائع ذهاباً وإياباً بواسطة العربات أو السيارات.
أخبرنا جون أنه في بعض الأحيان يصل الجنود إلى هذه المنطقة الحدودية ويلقون القبض على البعض، لكنه يضيف أنه عادة ما يكون هناك تحذير مسبق، يُسهّل الاختفاء بين الأدغال، وإن كان ذلك محفوفاً بالمخاطر.
ومع ذلك، تسعى حكومة جنوب أفريقيا إلى استعادة السيطرة. ففي العام الماضي، أعلن الرئيس سيريل رامافوسا بشكل رسمي عن قوة حدودية جديدة.
أخبرنا مايك ماسياباتو، مفوض هيئة إدارة الحدود، بأنه سيرسل 400 ضابط مدرب حديثاً إلى الحدود وسيشتري طائرات مُسيرة وكاميرات ودراجات نارية لتحسين المراقبة.
"أستطيع أن أؤكد لكم الآن أن القيادة الحالية للبلاد تدرك أهمية هذا العمل".
لكن في الوقت نفسه، يعترف ماسياباتو بأن تأمين حدود البلاد سيستغرق بعض الوقت.
"لقد بدأنا في تحصين البيئة المحيطة. ونأمل أن نتمكن في السنوات القليلة المقبلة من تحقيق النجاح".
ومع ذلك، ربما لا يكون أمام الحزب الحاكم في البلاد، المؤتمر الوطني الأفريقي، تلك السنوات لتحقيق ذلك.
فقد أمضى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ثلاثة عقود، في حكم دولة تعاني انقطاع إمدادات الطاقة والمياه، ويعاني مواطنوها مستويات قياسية من البطالة والجرائم العنيفة.
وفي الوقت الذي تتجه فيه جنوب أفريقيا نحو ما تتوقع استطلاعات الرأي أن تكون انتخابات مؤلمة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، قد لا يثير الاستغراب أن يلقي بعض المعارضين السياسيين اللوم علناً على المهاجرين في المشكلات التي تعيشها البلاد، ومن بين أولئك المعارضين "عملية دودولا" الحركة المناهضة للمهاجرين.
ويحظى الخطاب المعادي للأجانب بانتشار واسع، ملقياً باللوم أيضاً على المهاجرين في اقتناص الوظائف من السكان المحليين.
بل إن الرئيس رامافوزا نفسه قال إن الرعايا الأجانب غير المسجلين، يؤدون إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في جنوب أفريقيا.
استهداف مهاجرين قرب جوهانسبرغ يتهمهم السكان المحليون بارتكاب جريمة اغتصاب جماعي
وتطالب أحزاب معارضة أخرى بفرض ضوابط أقوى على الحدود، من بينها منظمة "أكشن جنوب أفريقيا" التي تأسست قبل أربع سنوات على يد هيرمان ماشابا، وهو سياسي جريء وعمدة جوهانسبرغ السابق.
وتقول ماليبو كوبي، المتحدثة الإقليمية باسم "أكشن": "لقد خذلت حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي شعبنا بشكل رهيب".
أخبرتنا كوبي، التي التقينا بها على حدود زيمبابوي، بأن الهجرة غير الشرعية تتصدر قائمة اهتمامات الناخبين في هذه المنطقة.
ولفتت الانتباه إلى أن المستشفيات المحلية وغيرها من الخدمات، قد اكتظت بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون إلى هنا للحصول على الرعاية الصحية أو غيرها من المزايا.
"سيكون من العيب عدم الحديث حتى عن حقيقة ما يحدث لأنظمتنا العامة عندما لا يدفع الناس الضرائب، لكنهم يتوقعون العيش والاستفادة من السلع والخدمات التي تقدمها حكومتنا".
وفي الوقت الذي تستعد فيه جنوب أفريقيا، ربما حتى لإعادة رسم خريطتها السياسية، فإن العوز واليأس لا يزالان يرسمان حدود هذا البلد.
التعليقات