تعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي لها تأثير حقيقي على إسرائيل. ومع ذلك، تعمدت إسرائيل تجاهل أغلب نصائح حليفتها المقربة، طوال الحرب في غزة.
وتقول الإدارة الأميركية إن دعمها للحرب على حماس "لا يتزعزع"، لكنها عبرت مرارا عن قلقها من إخلال الجيش الإسرائيلي بمسؤولية حماية المدنيين، وعدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى سكان غزة.
وكانت الولايات المتحدة منذ 7 أشهر تزيد من ضغطها على إسرائيل. فقد أسدت لها النصيحة في المحادثات الخاصة، وحذرتها في العلن. وتوقفت عن استعمال حق النقض ضد قرارات الإدانة في الأمم المتحدة. وفرضت عقوبات على مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة.
وفي مكالمة هاتفية حادة الشهر الماضي، أخطر الرئيس جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بأنه سيخفض الدعم الأميركي، إذا لم تسمح إسرائيل بعبور قوافل المساعدات الإنسانية للحدود إلى غزة.
لكن كل هذه النصائح وكل هذا الترغيب لم يجد آذانا مصغية. ولذلك، فإن الولايات المتحدة بدأت تشهر عصاها الغليظة.
فالولايات المتحدة هي أكبر مصدر للأسلحة والذخيرة لإسرائيل. وهي ملزمة بالقانون بأن توفر لإسرائيل ما قيمته 3.8 مليار دولار من الأسلحة سنويا، بهدف أن يمنحها هذا الأفضلية على الدول المجاروة. وصدق الكونغرس الأميركي الشهر الماضي على قانون يمنح إسرائيل 14 مليار دولار إصافية من المساعدات العسكرية.
وعطلت إدارة بايدن لأول مرة شحنة من الذخيرة متوجهة لإسرائيل. فقد أكد مسؤول حكومي كبير لبي بي سي تعليق شحنة من آلاف القنابل.
وقال المسؤول إنهم يراجعون بيع أسلحة أخرى أيضا، من بينها تجهيزات تحويل القنابل الحرة إلى قنابل موجهة.
فما الذي جعل واشنطن تلجأ أخيرا إلى أدوات التأثير التي تملكها على إسرائيل؟ الجواب الأول هو العملية العسكرية المطروحة على رفح. فالولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تخشى أن تؤدي العملية إلى خسائر بشرية كبيرة، وإلى كارثة إنسانية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن القنابل التي توقف شحنها هي من النوع الذي يمكن أن يستعمل في رفح. وستحدث خسائر فادحة في المناطق ذات الكثافة السكانة العالية. فالولايات المتحدة لا تريد من إسرائيل أن تهاجم رفح. وهذا ما أرادت تبليغه لها بتعليق الشحنة.
وقال مسؤول أميركي لصحيفة واشنطن بوست إن هذه "طلقة تحذيرية" لإسرائيل حتى تعرف مدى جدية القلق الأميركي.
والجواب الثاني هو رغبة الإدارة الأميركية في مواصلة الضغط على الحكومة الإسرائيلية حتى تدعم صفقة وقف إطلاق النار مع حماس. فالمفاوضات مستمرة في القاهرة، وربما تريد واشنطن أن ترفع التكلفة التي قد تتحملها إسرائيل إن هي لم تقبل التوافق.
والسبب الثالث يتعلق حتما بالسياسة الداخلية. فالرئيس بايدن يواجه ضغطا رهيبا من أنصار الديمقراطيين للتقليل من دعمه لإسرائيل.
فالولايات المتحدة مقبلة على انتخابات هذا العام. واستطلاعات الرأي تتوقع أن يحجم بعض الديمقراطيين، خاصة الشباب منهم، عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع، والتصويت لبايدن في كانون الأول (ديسمبر)، بسبب دور أميركا في حرب غزة.
وسيكون لنسبة المشاركة المنخفضة تأثير سلبي على حظوظ بايدن أمام دونالد ترامب.
وتتحمل الولايات المتحدة جملة من المخاطر عندما تمنع الدعم العسكري عن إسرائيل، لأن إسرائيل قد تتجاهل، بكل بساطة، ما يقوله وما يفعله حلفاؤها. فقد تعتبر تحذيرات واشنطن، "كلاما فارغا"، معتقدة أن الدعم العسكري الأميركي سيأتي على المدى الطويل.
وسيكون ذلك دليلا علنيا على تراجع التأثير الأميركي في العالم. لكن إسرائيل قد تخاطر بإحداث شقاق تاريخي مع أكبر حلفائها، وهي الحليفة التي اعتمدت عليها لحماية نفسها من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، منذ أسابيع قليلة.
وسيكون الامتحان الأكبر عندما تقرر وزارة الخارجية الأميركية ما إذا كان الجيش الإسرائيلي استعمل الأسلحة الأميركية في انتهاكات حقوق الإنسان. ويتوقع أن يصدر بيان بشأن التحقيق في هذه المسألة قريبا.
والختام، أن الولايات المتحدة ليس الحليفة الوحيدة لإسرائيل. وإذا أخرت واشنطن بيع الأسلحة لإسرائيل، فإن الضغط سيتزايد على دول أخرى لتحذو حذوها، من بينها بريطانيا. وهذه القيود ستكون رمزية أكثر مما هي فعلية. لكنها تساهم في عزل إسرائيل دبلوماسيا.
التعليقات