الطائرات المسيرة أجنبية الصنع صارت اللاعب الأبرز في الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ غيرت مسار الحرب على الأرض منذ ظهورها أواخر العام الماضي.

يوثق تحقيق لبي بي سي نيوز عربي امتلاك الجيش السوداني نوعين على الأقل من المسيرات الإيرانية، فضلا عن مسيرات انتحارية، استخدمها خلال الحرب.

في المقابل، حصلت قوات الدعم السريع على مسيرات تجارية معدلة لتتمكن من إلقاء القذائف. واتهم خبراء تحدثوا لبي بي سي دولة الإمارات بإمداد الدعم السريع بهده المسيرات عبر جسر جوي مخصص لنقل السلاح.

صباح 12 مارس عام 2024، كان جنود الجيش السوداني يحتفلون بتقدم عسكري غير مسبوق. لقد سيطروا على مبنى الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الخرطوم، للمرة الأولى، بعد 10 أشهر من الحرب.

قبلها بعشرة أشهر، سيطر جنود قوات الدعم السريع شبه الرسمية على المكان نفسه. وقتها، بدأت الحرب بين الطرفين، وسقطت معظم المدينة في قبضة الدعم السريع.

لم يكن الجيش ليستعيد السيطرة على الإذاعة من دون المسيرات الجديدة المستوردة من الخارج.

في هذا التحقيق، حللت بي بي سي نيوز عربي عشرات المقاطع المصورة، ووثقت الأسلحة والمسيرات الجديدة التي حصل عليها طرفا الصراع منذ بداية الحرب، وكيفية وصولها إلى السودان، وكيفية تغييرها لمسار الحرب.

حرب السماء والأرض

"اعتمد الجيش في المراحل الأولى من الحرب على سلاح الطيران. سلاح الجو لا يمكن أن يحدث تفوقا عسكريا لا سيما ضد قوة أرضية خفيفة في تسليحها وسريعة في حركتها"، يقول سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات لبي بي سي.

ويضيف "يجب أن نتذكر أن قوات الدعم السريع كانت بمثابة القوات الأرضية للجيش. بعد الحرب، وجدت القوات المسلحة كل قواتها التفضيلية محاصرة، مثل سلاح المدرعات والقاعدة الجوية في وادي سيدنا، ولم تكن لديها قوات مقاتلة على الأرض، وهذا كان سببا رئيسيا في أنها كانت في موقف الدفاع لعدة شهور".

رسمت هذه الظروف خريطة السيطرة على الأرض، إذ احتفظ الجيش بالسيطرة على مواقع محدودة في الخرطوم، وبقي محاصرا في قواعده لأشهر عدة، لكنه ظل محتفظا بانتشاره في السماء.

أما قوات الدعم السريع فكانت تسيطر على معظم أراضي العاصمة، وكذلك على معظم إقليم دافور غربي البلاد.

ثم تسابق الطرفان على بسط النفوذ على الأرض والجو، بعدما حصلا على أسلحة جديدة.

"المسيرات الإيرانية قلبت الموازين"

وثقَّت بي بي سي نيوز عربي استخدام الجيش السوداني لنوعين من المُسيَّرات الإيرانية في حربه ضد قوات الدعم السريع.

النوع الأول هو مسيرة مهاجر 6. يبلغ طولها 6 أمتار ونصف، وعرض جناحيها 10 أمتار. تستطيع التحليق حتى نطاق 200 كيلومتر، على ارتفاع 10 آلاف قدم، ويمكنها شن هجمات جوية بذخائر موجهة ذات سقوط حر.

في السابع من يناير/كانون الثاني 2024، أسقطت قوات الدعم السريع مسيرة شرقي الخرطوم، وظهر حطامها في مقطع مصور. كان الحطام ومحرك المسيرة والذيل يتطابقون مع مواصفات مهاجر 6، وفقا لتحليل قام به فيم زوينينبيرج، وهو خبير مختص بالطائرات المسيرة، ورئيس مشروع نزع السلاح الإنساني في مؤسسة PAX For Peace.

تعرف فيم أيضا على نسخة أخرى من المسيرة في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش، كانت على مدرج الطائرات بعد حادثة التحطم بيومين، حسبما تظهر صورة الأقمار الصناعية.

يتطابق طول المسيرة، وعرض الجناحين، والذيل المزدوج، ووحدة التحكم مع المواصفات المعروفة لمهاجر 6.

تمنح هذه المسيرات أفضلية للجيش السوداني وفقا لفيم، إذ يقول لبي بي سي: "يملك الجيش السوداني عددا أكبر من المسيرات لأنه يحصل على دعم من إيران. لذلك هو في وضع أفضل الآن، ونرى تأثير ذلك بالفعل في عملياته العسكرية".

كما أن مسيرات مهاجر 6 أكثر فاعلية من الطائرات الحربية التقليدية، بحسب فيم "هذه المسيرات فعالة للغاية لأنها تستطيع تحديد الأهداف بدقة ولا تتطلب إلا أسبوعين من التدريب، بعكس طائرات حربية أخرى تحتاج إلى خطوط إمداد وصيانة وتدريب أكبر".

بعد ثلاثة أسابيع من إسقاط مهاجر 6، أُسقطت مسيرة أخرى تابعة للجيش، على أيدي قوات الدعم السريع، تسمى زاجل 3، وهي نسخة مصنعة محليا في السودان، من المسيرة الإيرانية أبابيل 3.

يتطابق حطامها أيضا مع مواصفات المسيرة التي يبلغ طولها 4.5 أمتار، وعرضها 6.5 أمتار.

مسيرة زاجل 3 في قاعدة وادي سيدنا العسكرية
Getty Images
المصدر: Maxar- Getty Images

تعرف فيم على نسخة أخرى من زاجل 3، التقطت الأقمار الصناعية صورة لها في الخامس من مارس/آذار 2024، في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش، وتقع في مدينة أم درمان غربي العاصمة.

تتطابق مواصفاتها أيضا مع زاجل 3، من حيث الطول، وعرض الأجنحة وشكل الذيل.

كانت مسيرات زاجل 3 تستخدم في السودان منذ سنوات. لكن أول استخدام لها في إطار الحرب كان في يناير/ كانون الثاني الماضي، أي بعد نحو 8 أشهر على بدايتها.

من وجهة نظر فيم، يعد استخدام المسيرة في الآونة الأخيرة "مؤشرا على دعم إيراني نشط للجيش السوداني، من خلال توفير الصيانة لتلك المسيرات" ويقول: "إذا كانت تلك المسيرات مزودة بقذائف موجهة، فهذا يعني أن مصدرها إيران لأن تلك القذائف لا تُنتج في السودان".

مسيرات انتحارية

المسيرات الإيرانية لا تحلق وحدها في سماء السودان. فقبل أسابيع من استخدامها، كان الجيش السوداني يطلق مسيرات انتحارية، تعمل بتقنية FPV أو ما يعرف بطائرات "رؤية الشخص الأول".

يتم التحكم فيها عبر نظارات خاصة تشبه نظارات الواقع الافتراضي، وجهاز تحكم صغير محمول في اليد.

يبلغ وزنها نحو كيلوغرام واحد، ولديها القدرة على الطيران لمسافات قصيرة وارتفاعات منخفضة، وهي قادرة على تتبع الهدف، والارتطام به مباشرة.

يظهر مقطع مصور تحققنا من صحته إحدى هذه الطائرات تحلق فوق نهر النيل، وتستهدف سيارة لقوات الدعم السريع.

مسيرات انتحارية بيد "الدعم السريع"

في الأسابيع الأخيرة، ظهرت أدلة على استخدام الدعم السريع مسيرة انتحارية مصنوعة من مكونات تجارية، أي أنها ليست مسيرات عسكرية.

استخدمت المسيرة ضد أهداف تابعة للجيش شرقي وشمالي السودان، كما تظهر صور على مواقع التواصل الاجتماعي.

حسب فيم زوينينبيرج، تعد هذه المسيرات "بعيدة المدى، رُصد استخدامها ضد أهداف تابعة للجيش السوداني خلف الخطوط الأمامية بمسافة بعيدة عن مناطق القتال الأساسية".

بالنسبة لزوينينبيرج، يعد التزود بمسيرات مصنوعة من مكونات تجارية مؤشرا على محاولة إخفاء الطرف الذي يدعم قوات الدعم السريع بالسلاح، كما يعد محاولة للتهرب من المساءلة.

"مسيرات إماراتية"

بالإضافة إلى المسيرات الانتحارية، امتلكت قوات الدعم السريع في وقت مبكر من الحرب مسيرة من طراز كواد كابتر مصنوعة أيضا من مكونات تجارية، وبإمكانها إلقاء قذائف هاون من عيار 120 ملم.

أسقط الجيش العديد من هذه المسيرات وعثر على صناديق تحتوي قذائف مخصصة لها، وفقا لصور ومقاطع مصورة نشرت على مواقع التواصل.

يتهم بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية، دولة الإمارات بأنها وراء تزويد الدعم السريع بهذه المسيرات. ويقول إن "الإمارات زودت حلفائها بالمسيرة نفسها في مناطق صراع أخرى مثل إثيوبيا واليمن. وكانت تلقي هذه المسيرات قذائف 120 ملم معدلة تحمل علامات من صربيا".

ويضيف كاستنر: "وجدنا صناديق من هذه القذائف الصربية في مناطق مختلفة في السودان، عليها ما يفيد بأنها مستوردة بواسطة الإمارات. كما وجدنا أن هذه القذائف حديثة الصنع ودخلت السودان قبل فترة قصيرة".

مضادات الطيران

إلى جانب المسيرات، حاولت قوات الدعم السريع ترجيح كفتها في الحرب، وتحييد سلاح الطيران الذي يمتلكه الجيش، باستخدام دفاعات جوية.

يظهر مقطع مصور نُشر في مارس/ آذار 2024، استخدام قوات الدعم السريع منظومة دفاع جوي محمول على الكتف ذات قدرات متطورة، تسمى FN-16.

استخدام هذا السلاح فاجأ خبراء الأسلحة في منظمة Small Arms المتخصصة في تتبع استخدام الأسلحة بشكل غير مشروع.

يقول مات شرودر الباحث المتخصص بالمضادات الجوية المحمولة على الكتف بمؤسسة Small Arms إن "هذه المرة الأولى التي نرى فيها هذه المنظومة في يد مجموعة مسلحة. تكتيكيا، هذا السلاح مهم للغاية لأنه يوفر للقوات على الأرض مدى قصير فعال للغاية. منظومات الدفاع الجوي ذات الارتفاع المنخفض تقوض قدرة الطيران على العمل، خاصة خلال ساعات النهار".

تعرفت المنظمة أيضا على 4 منظومات دفاع جوي أخرى في يد قوات الدعم السريع.

بالنسبة إلى شرودر، يعد هذا التنوع الكبير في الأسلحة "غير معتاد، حتى بالنسبة لأفضل الجماعات تسليحا. لذا نشعر بقلق بالغ عندما نرى هذه المنظومات خارج سيطرة الحكومات. السيناريو الأسوأ هو استخدام جماعات إرهابية لتلك المنظومات ضد الطائرات التجارية، وإذا نجحت جماعة إرهابية في إسقاط طائرة تجارية باستخدام تلك المنظومة فسأشعر بأنني مدمَّر".

ووفقا لقاعدة بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، لم يشتر الجيش السوداني إلا واحدة من هذه المنظومات، وهيFN-6 .

ويعتقد الخبراء الذين تحدثنا إليهم أن قوات الدعم السريع استولت على هذه المنظومة، بينما جاءت البقية من خارج البلاد.

جسر جوي إيراني

في السابع من ديسمبر / كانون الأول 2023، أقلعت طائرة ركاب من طراز بوينج 747 تابعة لخطوط Qeshm Fars Air من مطار بندر عباس الإيراني متجهة نحو البحر الأحمر، قبل أن تختفي عن أجهزة الرادار عند الخامسة صباحا.

بعدها بساعات، التقطت الأقمار الصناعية صورة لطائرة من النوع نفسه، في مطار بورتسودان شرقي البلاد، حيث يقيم قادة الجيش السوداني ووزراء الحكومة.

ثم انتشرت على موقع إكس (تويتر سابقا) صورة للطائرة ذاتها على مدرج الطائرات.

تكررت هذه الرحلة 5 مرات، حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024، الشهر نفسه الذي وثقت فيه استخدام المسيرات الإيرانية.

تلاحق شركة Qeshm Fars Air تهم عديدة بنقل السلاح والمقاتلين في الشرق الأوسط، خصوصا إلى سوريا، أحد أبرز حلفاء إيران في المنطقة التي شهدت حربا لأكثر من عقد من الزمان. وتواجه الشركة عقوبات أمريكية بسبب هذه المزاعم.

وحتى سنوات قليلة مضت، كان للسودان تاريخ طويل من التعاون العسكري مع إيران، قبل أن تتوقف العلاقات بين الطرفين عام 2016 بسبب خلاف بين السعودية وإيران، انحاز فيه السودان إلى السعودية.

"تاريخيا هناك علاقة تعاون بين إيران والسودان، لا سيما في الصناعات العسكرية. أسلحة سودانية عدة تُصنع محليا من نسخ إيرانية"، يقول سليمان بلدو مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات.

أعادت الحكومة السودانية العلاقات مع طهران في خضم الحرب. ولكل طرف منهما أهدافه كما يقول بلدو: "إيران تبحث عن موطئ قدم في المنطقة، وسوف توفر مسيرات أكثر تطورا وبأعداد كبيرة إذا وجدت بتنازلات جيوستراتيجية".

حاولنا الحصول على تعليق من الجيش السوداني لكننا لم نتلق ردا حتى موعد نشر هذا التقرير.

لكن مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يحكم البلاد، نفى في حوار مع بي بي سي أن يكون السودان تلقى أسلحة من إيران أو أي دولة أخرى بشكل مباشر.

وقال لبي بي سي "لا نتلقى أي أسلحة من أي جهة، والحكومة السودانية تخضع لحظر التسليح. لن نناقش في الإعلام من أين نأتي بالسلاح. السلاح موجود في السوق السوداء، والسوق السوداء باتت رمادية. ليست معضلة أن تجد السلاح ”.

طرق أخرى لإمداد الدعم السريع

في المقابل، كانت هنالك 3 طرق لإمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة، من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وفقا لتقرير للأمم المتحدة.

إلا أن هناك طرفا رابعا متهما بالمشاركة في هذه الإمدادات، دولة الإمارات.

وذلك عبر جسر جوي مكون من نحو عشر طائرات بين أبو ظبي وتشاد.

وفقا لتقرير الأمم المتحدة الذي قُدم لمجلس الأمن مطلع العام الحالي، رصد خبراء في تتبع الملاحة الجوية، جسرا جويا تتناوب عليه طائرات مدنية، على نقل أسلحة لقوات الدعم السريع.

يبدأ المسار من مطار أبو ظبي في الإمارات، ويمر بمطاري نيروبي وكامبالا، قبل أن ينتهي في مطار أم جرس في تشاد، على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الغربية للسودان، حيث مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

يقول تقرير الأمم المتحدة إن لهذه الادعاءات ما يدعمها.

كما نقل عن مصادر محلية وجماعات عسكرية وجود سيارات تنقل حمولات من الأسلحة - فرغتها طائرات - عدة مرات أسبوعيا في مطار أم جرس في تشاد، وتنقلها إلى دافور، ثم إلى باقي السودان.

لكن الإمارات تنفي أن تكون هذه الرحلات تنقل الأسلحة، وتقول إنها مخصصة لتوصيل مساعدات إنسانية.

ظل الجسر الجوي نشطا حتى نهاية 2023، بحسب التقرير.

خلال الربع الأول من عام 2024، تتبعنا الطائرة Ilyushin 76 EX-76003، ورصدنا 7 رحلات جوية على الأقل للطائرة من أبوظبي أقلعت نحو تشاد.

"لدى الإمارات مصالح اقتصادية في السودان أيضا وتبحث عن موطأ قدم على البحر الأحمر"، يقول سليمان بلدو.

ويضيف: كل الدول التي تدعم الحرب تسعى لمصالحها الشخصية وليس لمصلحة الطرف الذي تزوده بالسلاح. هو دعم من النوع الطفيلي، يحاول جني الأرباح دون دفع ثمن مباشر.

حاولنا الحصول على رد من وزارة الخارجية الإماراتية، ولم نتلق ردا حتى موعد نشر هذا التقرير.

كل هذه الأسلحة التي نقلت إلى الجانبين، تنتهك قرار مجلس الأمن، الذي يحظر توريد السلاح إلى الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في دارفور.

"يستخف الطرفان المتحاربان في السودان بحظر تصدير السلاح. على مجلس الأمن تحمل مسؤولياته والنظر لحال السودان والمجاعة التي تقترب وعدد من قتلوا وهجروا، وعليه تطبيق حظر يشمل كل السودان فورا"، يقول بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية.

كيف غيرت هذا الأسلحة مسار الحرب؟

مذ ظهرت المسيرات الانتحارية والإيرانية في سماء السودان تغير الوضع جزئيا على الأرض. كسر الجيش السوداني الحصار الذي ضُرب حول جنوده في مواقع عدة.

أما الدعم السريع، فانسحب من بعض أحياء مدينة أم درمان غربي العاصمة.

هذا التغير حدث بفضل المسيرات الإيرانية، بحسب سليمان بلدو. ويقول "سلاح الطيران عجز عن فك الحصار عن قواته وعن المدنيين في مدينة أم درمان القديمة لعام كامل تقريبا".

المدنيون يدفعون الثمن

طوال عام من الحرب، دفع المدنيون في السودان وفي العاصمة الخرطوم ثمنا غاليا للصراع.

نجا عبدالله من الموت بأعجوبة، بعدما هجمت مسيرات يقول إنها تابعة للدعم السريع على منزله جنوبي الخرطوم في يوليو/تموز الماضي.

يقول لبي بي سي، "عندما هاجمت قوات الدعم السريع معسكر الاحتياطي المركزي، وهو قوة شرطية كانت تحارب مع الجيش، ألقت مسيرات الدعم السريع قذائف عشوائية على منازل المواطنين من بينها منزلنا".

وتعرف عبدالله على طائرة كواد كابتر التي يمتلكها الدعم السريع، وقال إنه شاهد عددا كبيرا منها يحلق فوق الحي الذي يسكن فيه قبل دقائق من الهجوم.

"دخلت إلى المنزل بسرعة ولجأنا إلى غرفة مسقوفة بالخرسانة بدلا من الغرفة الأخرى المسقوفة بالخشب. اختبأنا أنا وأمي وإخوتي الأربعة تحت أَسِرَّتنا. وفجأة سمعنا صوتا عاليا جدا لدرجة أن أختي أصيبت بصمم مؤقت. كان صوت قذيفة من طائرة مسيرة قد تسببت بهدم الغرقة ذات السقف الخشبي. لو كنا في الغرفة الأخرى لقتلنا جميعا. لقد نجونا من الموت بأعجوبة".

بعد 3 أيام توقف القصف على المنطقة، فخرجت أسرة عبدالله من منزلها هربا من الحرب. "عندما خرجنا، وجدت سكان الحي كلهم في الشوارع في طريق الهروب".

فر معظم سكان الخرطوم منها بسبب الحرب. من بينهم محمد صلاح، عضو المكتب التنفيذي لمجموعة محامي الطوارئ، الذي التقيناه في القاهرة.

يقول لبي بي سي: "الخرطوم صارت مدينة أشباح. المدنيون يموتون في منازلهم ويدفنون. الكلاب تلتهم الجثث في الخرطوم".

"المدنيون بين نارين، الدعم السريع يحتل مناطقهم المدنية، والجيش يقصف الدعم السريع بالطيران من السماء، ويدفع مدنيون الثمن في أحيان كثيرة".

يضيف صلاح: "من المؤكد أن ثمة مدنيين قتلوا في معارك بين الدعم السريع والجيش، استخدمت فيها المسيرات".

مع بداية 2024، توسعت الحرب إلى مناطق جديدة خارج العاصمة. كما وثق مقتل مدنيين بهجمات المسيرات لأول مرة في شمالي وشرقي ووسط السودان.

"خطورة المسيرات أنها تصل لمناطق في الأساس كانت مناطق آمنة" يقول صلاح.

قبل مغادرته إلى مصر ترك عبدالله أسرته في مدينة بورتسودان شرقي السودان، باعتبارها مكانا آمنا، لكنه الآن يخشى أن تلاحق المسيرات عائلته هناك.

"السودانيون تعبوا من الحرب، كل ما نريده هو أن تقف الحرب. ليت الدول الخارجية توقف دعم الطرفين بالسلاح، لتنتهي هذا المأساة".