أدى التصعيد المستمر بين إسرائيل وحزب الله إلى تعرض مستشفيات ومراكز صحية غير عسكرية وفرق البحث والإنقاذ في لبنان إلى أضرار بالغة جراء القصف الإسرائيلي الذي طال عدة مناطق في عموم لبنان منذ الشهر الماضي.
تسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل وإصابة عشرات المسعفين والعاملين في فرق الطوارئ، كما قطعت الخدمات الصحية وخدمات الطوارئ عن أجزاء شاسعة من الجنوب اللبناني.
وتلقت الهيئة الصحية الإسلامية، التي يمولها حزب الله والتي تدير فرق إنقاذ ومستشفيات ومراكز صحية في أنحاء مختلقة من البلاد، العدد الأكبر من الضربات الإسرائيلية.
فقد قتلت إسرائيل حتى يوم الجمعة الماضي "ما لا يقل عن 85 من العاملين" لدى الهيئة وأصابت "ما لا يقل عن 150"، وفقا لبلال عساف رئيس العلاقات الإعلامية في الدفاع المدني التابع للهيئة.
أما وزارة الصحة اللبنانية فأعلنت في منتصف ليل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، قصف إسرائيل مركز طوارئ برعشيت في قضاء بنت جبيل جنوبي لبنان، "وقتلت ما لا يقل عن عشرة رجال إطفاء".
قبيل الهجوم، كان هؤلاء الرجال، الذين يعملون في الدفاع المدني التابع للهيئة الإسلامية، يواجهون "خيارا صعبا". فمنطقة بنت جبيل لم تكن قد خلت بعد من المدنيين الذين كان بعضهم يرفض المغادرة حتى تلك اللحظة. "لكن القوات الإسرائيلية كانت تمنع فريق الدفاع المدني من أداء مهامه".
- كيف يواجه لبنان أزمة النازحين المتفاقمة بسبب الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟
- غارة إسرائيلية على الشمال اللبناني تخلّف عشرات القتلى والجرحى، وواشنطن تدعو رعاياها لمغادرة لبنان "حالاً"
- بين غزة ولبنان، إسرائيل تواجه عدواً مسلحاً وغاضباً
وأضاف بلال عساف، "في كل مرة كانوا يخرجون كان الإسرائيليون يضربون قرب سيارتهم".
"فاتخذوا قرارا بأن يتوجه بعضهم شمالا إلى النبطية، ويبقى البعض الآخر مرحلياً، ويعيد تقييم قراره صباح اليوم التالي".
وقال بلال: "لسوء الحظ لم يطلع عليهم الصباح التالي." ففي الساعات الأولى من يوم الإثنين، دمرت غارة إسرائيلية المبنى الذي كانوا فيه.
وزارة الصحة اللبنانية وصفت الهجوم الإسرائيلي بـ "المجزرة". وقالت في بيان: "يضيف العدو الإسرائيلي إلى السجل الحافل لإجرامه المتمادي جريمة حرب إضافية ضد رجال الإطفاء والاسعاف في جنوب لبنان، ويُظهر عنفاً ولا إنسانية لا مثيل لهما، من خلال استهدافه أشخاصا يقومون بمهمات إنسانية و إنقاذية صرفة بعيدة كل البعد عما تتطلبه ميادين القتال."
بعد ساعات قليلة ذهب فريق من الصليب الأحمر اللبناني إلى موقع الغارة وانتشل "ثماني جثث"، لكنه لم يتمكن من انتشال الجثث المتبقية لأن فرق البحث لم تتمكن من الوصول إلى المكان.
وبعد مرور أيام على الهجوم، قال بلال إن "بقايا عدد من رجال الإطفاء لا تزال تحت الأنقاض".
فيما يجاهد لبنان للتعامل مع أزمة نزوح هائلة تسببت بها الضربات الإسرائيلية في مناطق شاسعة من البلاد، تقدم الهيئة الصحية الإسلامية دعماً للنازحين، جنباً إلى جنب مع الحكومة ومنظمات أخرى.
في إحدى مدارس بيروت، التي تحولت مركزا للإيواء، يستقر مئات ممن فروا من قصف الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. البعض يطل من نوافذ فصول الدراسة، التي تحولت إلى غرف نوم، يراقب بمزيج من الضجر والفضول المشهد في باحة المدرسة، حيث يركض الأطفال ويلعبون.
يتجمع شبان حول الكاميرا، يشتكون من نقص المياه، فيما يمضي آخرون الوقت بتدخين الشيشة، كل ذلك والمسيّرة الإسرائيلية تحوم في السماء، وقد أصبح صوتها جزءا مألوفا من حياة اللبنانيين، بعد أن كان مقتصرا لأشهر على سكان الجنوب فقط.
التقيت في المدرسة علي فريدي، المسؤول عن المراكز الصحية في الهيئة الصحية الإسلامية، فقال إن الهيئة نشرت أطباء وممرضين ومعالجين لمساعدة النازحين وكذلك لإحالتهم إلى المراكز التي يمكنها تقديم المساعدة الصحية، بما في ذلك العلاج النفسي. وتحدث عن ضغط هائل يشعر به العاملون في الهيئة، ليس فقط بسبب ازدياد أعداد النازحين وحاجاتهم، وإنما أيضا بسبب ضربات إسرائيل على زملائهم في الدفاع المدني.
وأضاف فريدي، "نحن جزء من نسيج هذا المجتمع، كل واحد بيننا يعرف أناسا استشهدوا."
وقالت بتول حمود، معلمة لغة فرنسية في إحدى المدارس والمتطوعة مع الدفاع المدني في الهيئة، إنها تجول مع غيرها من المتطوعين على النازحين في المدارس لمساعدتهم، بما في ذلك من خلال مراقبة ضغط الدم لكبار السن.
وأضافت بتول، "الحاجة الأكبر هي للدواء، فقد نزح كثيرون دون أدويتهم."
وقالت: "أنا كمعلمة يمكنني أيضا أن أسهم في بعض الدعم النفسي للأطفال، من خلال تنظيم بعض الأنشطة أو الحديث إليهم والتخفيف عنهم."
نشأت الهيئة الصحية الإسلامية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وسط حرب أهلية واحتلال إسرائيلي للجنوب وتفكك الدولة. فيما بعد، تم تسجيلها لدى الدولة، وهي تعمل الآن بتنسيق مع وزارة الصحة، كما تدير بالاتفاق مع البلديات في عدة مراكز صحية وخدمات الطوارئ.
ومنذ تكثيف إسرائيل هجماتها على أنحاء مختلفة من لبنان، أفاد مراقبون وتقارير إعلامية أن الهيئة الصحية الإسلامية كانت الأكثر تضررا بين سائر المنظمات الإسعافية والإغاثية.
في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول، ضربت إسرائيل مركزا للهيئة في قلب العاصمة بيروت، فقتلت تسعة أشخاص وأصابت 14 بجروح.
معظم الذين قتلوا من المسعفين كانوا قد عادوا للتو من مهمة في الضاحية، التي كانت تتعرض لقصف إسرائيلي مكثف.
وفي اليوم التالي قتل سبعة مسعفين بغارة إسرائيلية على سيارتي إسعاف تابعتين للهيئة قرب مدخل مستشفى "مرجعيون" في الجنوب، فعلّق المستشفى خدماته. وفي نفس اليوم ضربت إسرائيل مستشفى صلاح غندور التابع للهيئة في بنت جبيل، فعلّق كذلك خدماته.
وقال مدير المستشفى محمد سليمان، إن المستشفى كان يعمل بشكل عادي ولا ينقصه شيء حتى اليوم الأخير، رغم الحرب التي تحيط به.
وأضاف، "كان لدينا دواء ومعدات، والخطة الحكومية كانت تعمل بشكل جيد، ولم يكن لدينا نقص بشيء، كل ما نحتاجه هو الأمان."
أصدر الجيش الإسرائيلي عدة بيانات اتهم فيها حزب الله باستخدام عربات الإسعاف لنقل المقاتلين والسلاح. وقد وصف غارته على مركز طوارئ برعشيت بأنها "ضربة دقيقة مبنية على الاستخبارات، استهدفت عددا من الإرهابيين التابعين لحزب الله اللذين كانوا يستخدمون مركزا للإطفاء كموقع عسكري وسط القتال."
واتهمت إسرائيل حزب الله بما سمته "سوء استخدام ممنهج للبنى التحتية المدنية." كما وصفت هجومها على مركز الهيئة في بيروت بأنه هجوم على أهداف "إرهابية."
وقال ناطق عسكري إسرائيلي يوم الأحد، إن إسرائيل قد كشفت مؤخرا أن "عناصر من حزب الله يستخدمون سيارات الإسعاف لنقل مخربين وأسلحة"، وهدد بأن إسرائيل سوف تتخذ "الإجراءات اللازمة ضد أي مركبة تنقل مسلحين، بغض النظر عن نوعها."
بعد الغارة الإسرائيلية على المركز الصحي في بيروت، قال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل: "لم يكن المدنيون ضحايا للهجمات فحسب، بما في ذلك في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، إنما حرموا أيضا من خدمات الطوارئ. أدين هذا الانتهاك للقانون الإنساني الدولي."
وشدد بلال عساف، على أن الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله، ليس لها أي دور عسكري على الإطلاق، واتهم إسرائيل بأنها "تقصف" فرق الطوارئ في المناطق التي تريد إخلاءها من المدنيين.
وقال عساف، "قبل حوالي أسبوعين كان لا يزال هناك بعض الناس في بنت جبيل، وكان وجودنا يطمئنهم إلى حد ما. كان شبابنا يهتمون بهم، ويزودونهم بالطعام."
وأضاف: "فلنفترض جدلا أن الإسرائيليين تمكنوا من رصد سلاح معنا، لماذا إذا يقصفون فرق الإسعاف الأخرى؟"
وقالت الأمم المتحدة يوم الجمعة، "إن ما يزيد عن 100 من المسعفين وعاملي الطوارئ قد قتلوا في لبنان منذ بدء النزاع بين حزب الله وإسرائيل قبل عام".
وقالت منظمة الصحة العالمية إنه منذ 17 سبتمبر/ أيلول وقع "18 اعتداء" على المراكز الصحية في لبنان ما أدى إلى مقتل "72 من العاملين في القطاع الصحي".
وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن من بين المنظمات التي أصيبت، فرق تابعة لكشافة الرسالة الإسلامية، المرتبطة بحركة أمل، إضافة إلى الصليب الأحمر اللبناني، والدفاع المدني اللبناني التابع لوزارة الداخلية.
ومع تصاعد الهجمات على فرق الطوارئ والأبنية التي تؤوي النازحين والأحياء المكتظة بالسكان في بيروت، يرى كثيرون أوجه شبه بين القصف الإسرائيلي على لبنان والهجوم الإسرائيلي المستمر منذ عام على قطاع غزة.
وقبل أسبوع اتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إسرائيل بأنها تتبع "سياسة ممنهجة للقضاء على النظام الصحي في غزة."
كما اتهمتها أيضا بارتكاب "جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية تتمثل بالإبادة الجماعية من خلال شن هجمات مستمرة ومتعمدة على العاملين في المجال الطبي والمنشآت الطبية."
وقد رفضت إسرائيل استنتاجات اللجنة.
ومع أن القتل والدمار في لبنان مازال أبعد ما يكون عما تحمّله الفلسطينيون طوال عام مضى، يخشى كثيرون أنها مجرد بداية.
أما بين العاملين والمتطوعين في الهيئة الصحية الإسلامية، فالشعور هو مزيج من الألم والتحدي فيما يستمرون في القيام بعملهم، "أحيانا تحت النار".
وقال عساف: "حين نجتمع على طاولة العشاء ليلا، ننظر في وجوه البعض ونتساءل: من منا لن يكون هنا غدا."
سألته ما إذا كان ممكنا أن تتوقف الهيئة عن العمل في حال استمرار الهجمات الإسرائيلية، فقال: "هم سيستمرون بضربنا حتماً، أما أن نوقف العمل، فهذا مستحيل."
وقال علي فريدي: "لن نترك الناس، هؤلاء أناسنا الذين هُجّروا قسرا من أرضهم، سوف نخدمهم حتى الرمق الأخير."
أما بتول حمود، فقالت: "من الصعب جدا أن نرى هؤلاء الذين يساعدون الناس وهم يُستهدفون. لا يجب استهداف هؤلاء الناس."
وأضافت مبتسمة: "ما كتبه الله سيحدث، إذا رزقنا الله الشهادة، فالحمد لله، سنموت كشهداء الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية."
التعليقات