إيلاف من موسكو: يرى الكرملين أن الأمر سيحتاج إلى أكثر من الوعود الصاخبة حتى تتمكن روسيا والولايات المتحدة من العودة إلى علاقة متناغمة أو على الأقل ليست عدائية، ولم يكن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يفضل الصمت وعدم التفاعل مع عود دونالد ترامب للبيت الأبيض مفاجئاً، فهو يفكر بعقل رجل الدولة، وليس الشخص الذي يشعر بالسعادة لحديث ترامب عنه بصورة إيجابية.
وبينما بدأت تهاني فوز دونالد ترامب تتدفق من مختلف أنحاء العالم، الأربعاء، ظل بوتين صامتا بشكل واضح، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لا يخطط لإجراء أي مكالمات هاتفية مع واشنطن.
وقال بيسكوف "نحن نتحدث عن دولة غير صديقة متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا"، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة لمقاومة أوكرانيا للغزو الروسي، وقال إن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وصلت بالفعل إلى "أدنى مستوى تاريخي غير مسبوق". ولا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك.
صفعة على الوجه
ووفقاً لتحليل "بوليتيكو" تأتي هذه الخطوة التي اتخذها بوتن ــ والتي تعادل دبلوماسيا الصفعة على الوجه ــ في أعقاب حملة أثنى فيها ترامب مرارا وتكرارا على الزعيم الروسي ووعد بالتفاوض على نهاية سريعة للحرب، على أساس ما يتوقع على نطاق واسع أن تكون شروطا مواتية لموسكو.
ولم يكن رفض ترامب فرصة لبوتن للتعبير مرة أخرى عن استيائه من واشنطن فحسب، بل إنه قدم أيضاً لمحة عن الكيفية التي يخطط بها الكرملين لوضع نفسه في موقف محاولاً تحقيق أقصى استفادة من الولاية الثانية للرئيس الجمهوري المنتخب.
قبل ثماني سنوات، في عام 2016، استقبلت موسكو فوز ترامب بالبيت الأبيض بحفاوة بالغة. ولكن في الآونة الأخيرة، كانت النبرة التي استخدمها كبار المسؤولين ووسائل الإعلام الحكومية في روسيا أشبه بنبرة عاشق مهجور يستمر في إعادة سرد خطايا الماضي ــ ربما بهدف تأمين بعض المنافع في المستقبل.
وقال ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي، لوكالة أنباء تاس الرسمية يوم الأربعاء: "انتهت فترة ولاية ترامب السابقة بكمية قياسية من العقوبات ضد روسيا، وحوار شبه صفري". وأضاف: "ولم يكن ذلك بسبب خطأ منا".
لا للوعود الغامضة والمزاعم الصاخبة
أشار الكرملين إلى ترامب بأن تحقيق التفاهم بين البلدين يتطلب أكثر من مجرد الوعود الغامضة والمزاعم الصاخبة. ولخصت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بث مباشر لقناة روسيا 24 التلفزيونية الحكومية صباح الأربعاء أن كلمات ترامب "يجب أن تتبعها أفعال ملموسة".
وقد أبدى حشد مؤثر من المدونين العسكريين في روسيا قلقهم الشديد. فقد كتب ألكسندر كوتس، وهو مدون متخصص في شؤون الدفاع، على تطبيق تيليغرام: "من المؤكد أن الأمور لن تصبح أسهل مع فوز ترامب، فهو ذكي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وهذا أمر خطير".
"إن التعبير عن السعادة العلنية برئاسة ترامب لا يستحق كل هذا العناء"، هكذا كتبت قناة Voenny Osvedomitel الشهيرة. "في ذهن دونالد ترامب، قد تعني عبارة "نهاية الصراع" شيئًا مختلفًا تمامًا عما يراه الروس العاديون أو القيادة".
لكن وراء هذه النزعة العدائية المبنية على عدم الثقة يكمن الأمل في روسيا بأن فوز ترامب قد يحوّل مجرى الحرب التي يشنها الكرملين، والتي تلقي موسكو باللوم فيها على سياسة الحزب الديمقراطي الداعمة لكييف.
الجمهوريون أقل حماساً لمساعدة كييف
وقال سلوتسكي إن التصريحات التي أدلى بها الجمهوريون والتي انتقدوا فيها المساعدات الأميركية لكييف قدمت "فرصة لنهج أكثر بناءً"، مضيفًا أن نتيجة الانتخابات أظهرت أن الأميركيين يريدون من قادتهم إعطاء الأولوية للمشاكل المحلية على "الحروب العالمية".
وقال كيريل دميترييف، الحليف المقرب من بوتن ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني، إن فوز ترامب يوفر فرصة "لإعادة ضبط العلاقات".
وقال دميترييف "لقد سئم المواطنون الأميركيون العاديون من الأكاذيب غير المسبوقة وعدم الكفاءة والحقد الذي تتسم به إدارة بايدن. وهذا يفتح فرصا جديدة لإعادة ضبط العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة".
ميدفيديف: ترامب رجل أعمال وهذا في صالحنا
كتب دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، على وسائل التواصل الاجتماعي: "يتمتع ترامب بصفة مفيدة بالنسبة لنا. إنه رجل أعمال حتى النخاع، ويكره بشدة إنفاق الأموال على المتطفلين والمتطفلين"، مثل أوكرانيا، ولكنه أضاف أن "النظام أقوى منه".
ورغم حذر المعلقين الروس بشأن التداعيات الجيوسياسية لفوز ترامب، فإنهم اعتبروا بوضوح أن هذا الفوز يشكل نعمة لروسيا على المستوى المحلي.
وبكل سرور، انتهز المعلقون والمسؤولون الروس الفرصة لاستغلال انتقادات ترامب لمعارضيه لتأكيد تصوير موسكو للولايات المتحدة كدولة مريضة في حالة تدهور، وهو ما توفر روسيا له، بشكل ملائم، الدعم المثالي.
وقالت زاخاروفا إن "ترامب بدأ يتحدث عن أن الولايات المتحدة مريضة، وأن المجتمع الأميركي يجب أن يحل هذه المشاكل".
التعليقات