وصلت قيمة العملة المشفرة بيتكوين، الأربعاء الماضي، إلى 100 ألف دولار للمرة الأولى منذ البدء بالتداول بها عام 2009 وكانت قيمتها أقل من دولار واحد، ويعتقد أن قيمة تداولها بدأت عند $0.10.
وشهدت قيمة أكبر عملة مشفرة في العالم هذا الارتفاع الكبير قبل أن تسقط إلى ما دون هذا الرقم من جديد، بفضل وعود ترامب بأن يتبنى سياسات صديقة للعملات المشفرة خلال ولايته، وأن تصبح الولايات المتحدة "عاصمة العملات المشفرة في الكوكب".
وذلك بعد إعلان ترامب أنه سيرشح المفوض السابق للجنة الأوراق المالية والبورصة (SEC)، بول أتكينز لإدارة الهيئة التنظيمية في وول ستريت.
ويعرف أتكينز أنه مؤيد إلى حد بعيد للعملات المشفرة.
العملات الرقمية: ماذا نعرف عن البيتكوين وتقنية البلوك تشين ومحافظ التشفير؟
ما مستقبل العملات الرقمية مع ترامب؟
البيتكوين: ماذا يحدث للعملة المشفرة الأبرز في العالم؟
والجدير بالذكر، أن ترامب كان عام 2021 يعتقد أن العملات المشفرة ليست سوى "عملية احتيال".
نحاول في هذا المقال رسم صورة حول كيفية عمل هذه العملات ومن يستثمر بها ومستقبل هذه الاستثمارات.
تجارب مع العملات المشفرة
يخبرنا فراس وهو شاب لبناني ثلاثيني في اتصال، أنه قرر الاستثمار في العملات المشفرة عام 2020، خلال الحجر المنزلي في جائحة كوفيد.
ويقول: "كنت أدخر مبلغ من المال يبلغ ألف دولار، فقررت أن أستثمره لأن أحد الأصدقاء شجعني على ذلك ولم أكن أعلم الكثير عن عالم العملات المشفرة".
ويضيف: "قرأت كتاباً عن عملة البيتكوين، لكنها كانت تبلغ حينها 10 آلاف دولار ولم أكن أملك هذا المبلغ. علمت لاحقاً أنه كان يمكنني الاستثمار بجزء من بيتكوين واحدة، لكنني قررت الاستثمار بعملة أخرى كان يعتقد أن قيمتها سترتفع خلال سنوات وهي الايثيريوم".
ويتابع: "كانت عملة الإيثيريوم تبلغ 600 أو 700 دولار حينها وكانت بدأت بالارتفاع. بعد ذلك استثمرت بعملات صغيرة أخرى كان إيلون ماسك يتكلم عنها".
ويعرف إيلون ماسك، ملياردير شركة تسلا، المقرب من ترامب، بتشجيعه على العملات الرقمية وحديثه الدائم عن بعضها وأبرزها "بيتكوين" و"دودجكوين".
ووجدت إحدى الدراسات التي حللت نتائج 47 تغريدة نشرها ماسك عن العملات المشفرة، أن هذه التغريدات أثرت على سعر بعض هذه العملات.
وحددت الدراسة التي عمل عليها لينارت أنتي وهو الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لـ"مختبر أبحاث بلوكتشاين": "عوائد إيجابية غير طبيعية وحجم تداول كبير بعد هذه التغريدات". ومع ذلك، اكتشفت الدراسة أنه في المتوسط، "تكون تأثيرات السعر مهمة فقط بالنسبة للتغريدات المتعلقة بعملة دودجكوين ولكن ليس بالنسبة لبيتكوين".
ويضيف فراس: "بعد فترة من ذلك، أضفت مبلغاً آخر بلغ 3 آلاف دولار وقلت لنفسي أنني لا أريد أن أفكر بالأمر، لن أخسر في هذه الظروف، سيرتفع السعر في جميع الأحوال، وسأربح بالتأكيد".
يخبرنا الشاب اللبناني أنه في أحد الأيام، تضاعف المبلغ الذي استثمره في عملة "إيثيريوم"، أي بلغ 8 آلاف دولار، لكن "الخطأ الذي ارتكبه" هو أنه لم يقم بسحب أرباحه ولم يستخدمها.
ويضيف: "شهد سوق العملات الرقمية بعد ذلك انهياراً حاداً، ووصلت قيمة استثماري الذي كان مجموعه 4 آلاف دولار إلى ألفين و500 دولار تقريباً".
ويقول فراس إن قيمة استثماره عادت لترتفع الآن مع انتعاش سوق العملات المشفرة.
إلا أنه يؤكد أنه لا يعتمد على الاستثمار بالعملات المشفرة بشكل وحيد، لأن ذلك فيه خطورة معينة مع التغيرات المفاجئة والحادة بالأسعار.
ولذلك، يفضل أن يقوم باستثمارات متعددة كي لا يخسر المبلغ المستثمر وكي يزيد من فرص الربح أو أقله المحافظة على قيمة أمواله المستثمرة.
ويخبرنا أنه يستثمر "بعض من مدخاراته بالذهب أيضاً كعملة مستقرة وثابتة، إذ يعتقد أن العملات الورقية تفقد الكثير من قيمتها مع الوقت".
ويحذر فراس أيضاً من وجود تطبيقات ومنصات كثيرة غير آمنة للعملات المشفرة تقوم بعمليات احتيال، ويخسر الكثير من الأشخاص جميع المبالغ التي يستثمرونها.
ماذا يقول الخبراء؟
قال أندرو أونيل، خبير الأصول الرقمية في شركة "إس أند بي غلوبال" في مقابلة مع ليف ماكاهون من بي بي سي نيوز إنه "من الواضح أن هناك توقعات بأن الإدارة (الأمريكية) الجديدة ستكون أكثر تفضيلاً إلى حد ما للعملات المشفرة من الإدارة القديمة".
وأضاف: "بالنسبة لسعر بيتكوين، أعتقد أن هذا هو السبب الذي دفع إلى هذا الارتفاع حتى الآن وسيستمر على الأرجح في العام الجديد".
إلا أن لعملة بيتكوين تاريخ من الارتفاعات السريعة والانخفاضات الحادة، ما يدفع بعض المحللين إلى الاعتقاد أن ذلك من غير المرجح أن يختلف.
من جهته، قال دان كوتسوورث، محلل الاستثمار في شركة "ايه جاي بيل" لبي بي سي نيوز: "لقد أصبح الكثير من الأشخاص أثرياء بفعل ارتفاع قيمة العملة المشفرة هذا العام، إلا أنّ الاستثمار في هذه الأصول عالية المخاطر ليس مناسباً للجميع".
ويضيف: "أسعارها متقلبة ولا يمكن التنبؤ بها ومدفوعة بالمضاربة والتخمين، ولا شيء يجعل من الاستثمار بها سهلاً أو سريعاً".
هل للعملات المشفرة أهداف أخرى؟
تستخدم العملات المشفرة من قبل العديد من الجهات للتهرب من العقوبات المالية أو الملاحقة، أو بهدف غسيل الأموال، وذلك لأنه لا يمكن تعقب تحويلها، أو على الأقل، يصعب ذلك.
وكشفت الوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة هذا الأسبوع، عن شبكة تقوم بغسل الأموال وتساعد "الجواسيس الروس ومهربي المخدرات الأوروبيين على التهرب من العقوبات باستخدام العملات المشفرة". واتخذت الشبكة التي تمتد عبر 30 دولة، موسكو مقراً لها. وتعمل عبر أخذ الأموال القذرة من عصابات الجريمة مقابل رسوم، وتسمح لهم باستبدالها بعملة مشفرة لا يمكن تعقبها، مما يحمي أرباح المخدرات من الاكتشاف. كما تم استخدام الشبكة من قبل الدولة الروسية لتمويل التجسس.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حُكم على مواطن روسي-سويدي مزدوج بالسجن لمدة 12 عاماً وستة أشهر في الولايات المتحدة بسبب تشغيله لأطول خدمة غسيل أموال بالبيتكوين على الشبكة المظلمة. وكان رومان ستيرلينغوف نجح بغسل 400 مليون دولار من العملات المشفرة منذ عام 2011 قبل اعتقاله.
كما تستخدم بعض المجموعات المسلحة الموضوعة على لائحة الإرهاب من قبل بعض الدول أيضاً، التبرعات بالعملات المشفرة لتمويل نشاطاتها العسكرية. ويمكن إعطاء حركة حماس مثالاً على ذلك.
وكان آري ريدبورد، الرئيس العالمي للسياسة والشؤون الحكومية في معامل تي أر إم، وهي شركة تكنولوجيا استخبارات، قال في مقابلة مع باولا روساس من بي بي سي نيوز في ديسمبر/كانون الأول 2023: "كانت حماس من أوائل الذين استخدمها، أو على الأقل طالبت بأن تكون التبرعات بالعملات المشفرة" ويضيف أن المجموعة استخدمت عملة البيتكوين لأول مرة ولكن منذ عام 2022 أضافت العملة الرقمية ترون.
وبحسب معامل تي أر إم، صادرت وزارة العدل الأمريكية في عام 2020 نحو 150 عنواناً للعملات المشفرة مرتبطة بحركة حماس، كانت تجمع الأموال على تطبيق تليغرام والمواقع الإلكترونية.
ويقول ريدبورد "صادرت السلطات الإسرائيلية أيضاً مئات العناوين الأخرى في السنوات الأخيرة، لدرجة أنّ حماس قالت في أبريل 2023 إنها ستتوقف عن جمع الأموال بالعملات المشفرة لأن المانحين أصبحوا أهدافاً".
وكانت الشرطة الإسرائيلية قالت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن إسرائيل جمدت حسابات تستخدمها حركة حماس "لطلب التبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي" في منصة "بايننس"، أكبر منصات العملات المشفرة في العالم.
وفي أغسطس/آب 2020، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها أحبطت محاولات "جماعات متشددة" لجمع الأموال باستخدام العملات المشفرة، منها الجناح العسكري لحركة حماس وكتائب القسام وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال مسؤولون أمريكيون حينها، إنه تم استرداد حوالى مليوني دولار من العملات المشفرة.
التعليقات