لا يمكن ان تصطلح الأمور في الأراضي الفلسطينية ما دام هناك من لا يزال يعتبر نفسه قادراً على استخدام القوة لاسكات الآخرين على غرار ما حصل الاسبوع الماضي عندما اطلقت النار على وزير الاعلام السابق السيد نبيل عمرو.
كان الهدف واضحاً من اطلاق "مجهول" سبع رصاصات على ساق عضو المجلس التشريعي الفلسطيني الذي ينادي بالاصلاح منذ فترة طويلة داعياً الى استخلاص العبر من حال التدهور المستمر التي شهدها الوضع الفلسطيني منذ فشل قمة كامب ديفيد قبل أربع سنوات.
اذا كان من درس يمكن استخلاصه من الحادث الذي تعرض له نبيل عمرو فهو يتلخص بان الفوضى ليست محصورة في قطاع غزة بل ان في أساس المشكلة حال الضياع السائدة في الضفة الغربية حيث نجح ارييل شارون في وضع ياسر عرفات الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني في الاقامة الجبرية. وللأسف الشديد لم يتمكن شارون من تقييد حرية الزعيم الفلسطيني فحسب، بل ضرب ايضاً كل الأدوات التي تستخدمها السلطة الوطنية الفلسطينية، او ما بقي منها، للسعي الى ضبط الأوضاع.
لا يمكن إلا ابداء الأسف لعدم ترك نبيل عمرو يتكلم اكثر كي يكون لكلامه صدى على اعلى المستويات، لأن الكلام الصريح الذي قاله ان في المقالات التي كتبها او في مداخلاته في جلسات المجلس التشريعي يعتبر الطريق الأقصر لايجاد طاقة تؤدي الى الخروج من الأزمة التي يعاني منها الجانب الفلسطيني. وهذه الأزمة جعلت اسرائيل قادرة على ان تضرب عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار الأخير الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كانت اكبر ضربة تلقتها القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة القطيعة بين ياسر عرفات والادارة الأميركية. وكانت حكومة "أبو مازن" بمثابة الأمل الوحيد في اعادة مدّ جسور الحوار مع واشنطن، ولذلك عملت اسرائيل على وضع العراقيل في وجه تلك الحكومة. واضطر "أبو مازن" الذي كان يعتمد كثيراً على نبيل عمرو الى الاستقالة في ظل الضغوط الاسرائيلية من جهة وما عاناه الجانب الفلسطيني من جهة اخرى. واللافت انه منذ رحيل حكومة "أبو مازن"، لم نجد في الجانب الفلسطيني من هو قادر على خلق ولو مجرد بريق أمل في ان العلاقات بواشنطن ستتحسن. والأكيد ان حكومة السيد أحمد قريع (أبو علاء) لم تتمكن من تحقيق اي خطوة في هذا الاتجاه وذلك على الرغم من كل ما يمتلكه الرجل من نيات حسنة ومن معرفة بشخص ياسر عرفات ومداراة له في هذه الأيام الصعبة التي يمر فيها.
بدل اطلاق النار على نبيل عمرو كان الأفضل الاستفادة من خطابه السياسي الذي كان يمكن ان يؤدي الى تحسين الوضع الفلسطيني ولو نسبياً، ذلك ان هذا الوضع يحتاج اول ما يحتاج هذه الايام الى خطاب سياسي جديد يستند الى الواقع الفلسطيني والاقليمي والدولي. على الصعيد الفلسطيني، ليس وارداً بعد الآن ألا تكون هناك اعادة نظر بقرار عسكرة الانتفاضة، وليس وارداً بقاء الأجهزة الفلسطينية على حالها، من دون ان يعني ذلك في أي شكل وفي أي وقت التعرّض لموقع "أبو عمار" بصفته الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني ورمز نضاله وصموده في وجه الاحتلال. وعلى الصعيد الاقليمي لا يمكن تجاهل ان ثمة حاجة الى دعم عربي وان لا بد من استعادة اجواء الثقة بين القاهرة والسلطة الوطنية، ذلك انه من دون دور مصري في غزة سيكون صعباً السيطرة على الوضع في القطاع بعد الانسحاب الاسرائيلي منه. وهو انسحاب اكيد ويمكن ان يحصل في اي وقت خصوصاً في حال التوصل الى اتفاق بين ليكود وحزب العمل على تغيير الحكومة الاسرائيلية الحالية. اما على الصعيد الدولي فلا مفر من حوار مع واشنطن، ومثل هذا الحوار يحتاج الى العودة الى ما كانت تمثله حكومة "أبو مازن" اللهم إلا اذا كان هناك من يعتقد أن الأميركيين سيتراجعون عن طروحاتهم التي تمسكوا بها منذ ما يزيد على سنتين والتي سمحت لارييل شارون بعمل ما عمله مع "أبو عمار"!
كان اطلاق النار على نبيل عمرو آخر ما يحتاجه الوضع الفلسطيني. واذا كان الرجل أحسن بالدعوة الى الهدوء فور خروجه من غرفة العمليات، فان ما يمكن قوله إن اصابة وزير الاعلام السابق في ساقه يفترض أن تعتبره السلطة الفلسطينية ضربة ايجابية موجهة اليها، ضربة بمعنى انها يمكن ان تجعلها تستفيق من سباتها وان تباشر باجراء حسابات جديدة انطلاقاً من فكرة ان العودة عن الخطأ فضيلة وأن العالم لم يعد قادراً على التعاطي سوى مع الذين يقولون نعم أولاً ويعنون كل كلمة يقولونها. وربما كانت أهمية نبيل عمرو في أنه من هؤلاء أي من الذين يخدمون القضية التي يعمل من أجلها ياسر عرفات، اي قضية التخلص من الاحتلال اولاً وأخيراً...
*المستقبل اللبنانية