لندن من بارعة علم الدين: أكدت وزيرة الدولة لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية البارونة سايمونز حرص لندن على تعزيز العلاقات مع دمشق, وأقرت بوجود اختلاف بين بريطانيا والولايات المتحدة في شأن العلاقة مع سورية. وقالت انها بحثت خلال زيارتها الاخيرة لدمشق, وهي الثانية في أقل من ستة أشهر, قضية أمن الحدود مع العراق, وضرورة مساعدة الحكومة العراقية على بناء الدولة وتحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة العراق ارضاً وشعباً, وانها نقلت رسالة تتعلق بكل هذه المواضيع من رئيس الوزراء توني بلير الى الرئيس بشار الأسد. وشددت على حرص حكومتها ودول الاتحاد الاوروبي على إقامة أفضل العلاقات المثمرة والوطيدة مع سورية, متجنبة الرد بوضوح على سؤال يتعلق عما اذا كانت هناك وساطة بريطانية لتقريب وجهات النظر بين واشنطن ودمشق.
وأكدت الوزيرة سايمونز من جهة اخرى اهتمام حكومتها بما ذكر عن مخطط ليبي لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز, وخالفت الرأي القائل ان عملية السلام العربية - الاسرائىلية جمدت الى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية, مشيرة الى أن مساعي الحل مستمرة على صعيد اللجنة الرباعية الدولية والجهود الدولية والاقليمية الثنائية وانه على رغم ما يحدث داخل الاراضي المحتلة, فإن تقدماً يتحقق شهراً بعد آخر في اتجاه الحل. وفي ما يأتي نص الحديث:
ما هو فحوى الرسالة التي حملتها الى الرئيس بشار الأسد من رئيس الوزراء توني بلير, وهل هناك مسعى بريطاني لتقريب وجهات النظر بين دمشق وواشنطن؟
- نحن نسعى الى زيادة علاقاتنا عمقاً بسورية وتعزيزها في جميع المجالات, ويمكن القول ان الرسالة التي حملتها الى دمشق تندرج في اطار هذا السعي. ومن يعتقد ان هناك نظرة مختلفة الى العلاقة مع سورية بين بريطانيا والولايات المتحدة, محق, خصوصاً بعد العقوبات التي قررت واشنطن فرضها على السوريين.
وتسود أوساط دول الاتحاد الاوروبي رغبة أكيدة في تعزيز إمكانات الحوار مع سورية وجعل علاقات هذه الدول بها اكثر عمقاً وإيجابية, ومن هنا يستمر البحث في موضوع اتفاق الشراكة الاوروبية - السورية, والاتفاقات التجارية والاقتصادية التي تخدم مصلحة الطرفين. ومن الطبيعي نظراً الى أهمية هذا البحث ذي التشعبات الكثيرة, ان يحتاج الوصول الى اتفاق نهائي حوله الى بعض الوقت, خصوصاً بعدما أصبح تعداد دول الاتحاد الاوروبي اليوم 25 دولة, ما يفرض العودة الى هذه الدول للتشاور حول كل نقطة من نقاط الشراكة قبل إقرار صيغها النهائية, ولذلك يحتاج الأمر الى وقت أطول.
والواقع انني ذهبت الى سورية برسالة من رئيس الوزراء البريطاني نعرب فيها عن رغبتنا في توطيد علاقتنا مع هذه الدولة التي نعتبرها واحدة من الدول المهمة جداً في منطقة الشرق الأوسط.

ما هي المواضيع التي دار البحث حولها في اجتماعاتك مع المسؤولين السوريين؟
- كانت هناك مواضيع عدة دار حولها الحديث كموضوع تعزيز الأمن الحدودي, وموضوع الأمن الاقليمي عموماً, ومواضيع عدة اخرى. وزيارتي هذه الى دمشق هي الثانية في ستة شهور, ووجه المسؤولون السوريون دعوة لي للقيام بزيارة ثالثة لاستكمال البحث الذي بدأ في الزيارتين السابقتين والتوسع أكثر في مناقشة أسس التعاون, وآمل ان أتمكن من تلبيتها قريباً.

هل كان هناك توافق في الأفكار والآراء مع السوريين, وما هي نقاط الاختلاف؟
- لا أعتقد ان من الممكن التوصل الى نتائج كاملة وفورية خلال زيارة لم تمتد أكثر من يومين, لكن على رغم ذلك, اتاحت لي هذه الزيارة فرصة نقل نظرتنا الى الأوضاع والعلاقات الثنائية, والاستماع من السوريين الى وجهات نظرهم, وناقشنا امكان التعاون لمعالجة جميع القضايا, ولوضع آلية تعزيز التفاهم بيننا, والتقدم بسرعة نحو تحقيق ما يتفق عليه على صعيد اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية والعلاقات الثنائية, وقضايا اخرى يتعلق بعضها بالأمن والأسلحة, وذلك على قاعدة البحث في ما يمكن كلا البلدين ان يقوما به لضمان استمرار العلاقات الإيجابية وتوطيدها.
وأعتقد أن استمرار الاتصالات والحوار هدف أساس يجب ان نسعى إليه لأن الخلافات تتفاقم وتتراجع العلاقات عندما يصاب الحوار بالشلل, وهذا ما لا نريده. من هنا كان اتفاقنا مع السوريين على تفعيل الحوار بعدما حددنا القضايا التي يدور بحثنا حولها, وآمل ان نشهد خلال الشهور القليلة المقبلة, وأشدد على كلمة شهور, قيام علاقات أفضل وأكثر عمقاً.

المعروف ان علاقاتكم مميزة مع الاميركيين, فهل طلب منكم السوريون ان تتوسطوا مع الاميركيين؟
- من الصعب جداً الإجابة عن سؤال يكشف النقاب عن رأي الجانب الآخر, فالبحث الذي يتم على الصعيد الرسمي له سريته وخصوصيته, وهذا ضروري جداً للحفاظ على الثقة وتعزيزها.
لكن يمكنك الاستنتاج انني من خلال العلاقة القائمة بين بريطانيا والولايات المتحدة, فإننا عندما نتحدث مع أي طرف في أي دولة يمكن ان نتطرق الى إمكان استخدام نفوذنا وعلاقاتنا مع الدول الاخرى لمعالجة القضايا الشائكة بين هذه البلدان.

هل تطرق البحث مع المسؤولين السوريين الى الوضع في لبنان وانتخابات رئاسة الجمهورية؟
- لم نبحث في الوضع اللبناني في شكل مفصل, إلا أن هذا لا يعني اننا لا ندرك أهمية الدور الفاعل لسورية في لبنان.
زرت لبنان مطلع السنة الجارية ولمست مدى حرص اللبنانيين على أن يحتل بلدهم موقعاً بارزاً وخاصاً على خريطة العالم, وأن يرتبط بعلاقات مثمرة مع الدول الاخرى, ولا بد لنا من القول ان لبنان وسورية يتشاركان معاً في اهتماماتهما المتصلة بمستقبلهما في ضوء الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني, الى جانب قضايا مهمة اخرى تعنيهما ويتصل بعضها بقضية الحلول النهائية لهذا الصراع, وكيفية معالجة موضوع عودة اللاجئين الى ديارهم وغير ذلك, وكل هذه الامور تشكل نقاطاً مهمة يدور حولها بحثنا مع السوريين.

هناك معلومات شبه يومية عن تسلل اشخاص من دول الجوار للقيام بأعمال تخريبية داخل العراق, فهل هناك أساس لهذه المعلومات؟
- الوضع على الحدود العراقية يثير قلقنا, وحتى نكون واضحين نقول انه يفترض بنا ان نساعد العراقيين على تحمل مسؤولية الأمن في بلادهم, ورئيس الوزراء العراقي قال انه يريد الاستعانة بقوات متعددة الجنسية لتوطيد الأمن في بلاده استناداً الى قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي اخيراً. ونظراً الى أهمية هذا الموضوع, وموضوع ضبط الحدود مع العراق كان لا بد من مناقشة هذه القضية مع المسؤولين السوريين.

نحن نؤمن بأن العراق يحتاج الى الاستقرار الأمني حتى يستطيع ان يعمل على بناء نظامه السياسي والاقتصادي الجديد, ولذلك من الطبيعي ان يكون موضوع الأمن على رأس جدول المباحثات التي تجري مع حكومات المنطقة. وما نريد ان نقوله لاصدقائنا في سورية وإيران وغيرهما هو اننا نرجو منهم أن يقفوا الى جانب مساعدة العراقيين على تحقيق الاستقرار وان يحافظوا على حقوق الجيرة, وان يعتبروا أمن الدول المجاورة لهم وسلامتها بأهمية أمن بلادهم وسلامتها, فالكل في هذا الإطار سواسية في الاستفادة او المعاناة من الوضع الأمني, وما يفيد هذا البلد يفيد جيرانه, والحرص على حسن الجوار لا يعني السماح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة, خصوصاً العراق الذي يمر الآن في طور بناء نظامه السياسي الجديد.

كيف تنظرون الى الاتهامات المتبادلة بين العراق وبعض الدول المجاورة له, وما تأثير هذه الاجواء المتوترة على مصلحتكم؟
- لا أعتقد أن هذه الصورة صحيحة. العراق يمر اليوم في مرحلة إنتقالية, وظروف هذه المرحلة التي تنتقل من ظروف الاحتلال الى القوات المتعددة الجنسية الى قيام الحكومة العراقيــة ذات السيــادة تفــرض علـــى الحكومة العراقية ان تحرص على توضيح سياستها وتحديد نظرتها الى التعاون مع الدول المجاورة, ولذلك فإن ما نسمعه أمر طبيعي وعادي ومتوقع, لأن العــراق وحكومته دولة ذات سيادة ينطق المسؤولون فيها بإسمها, وإذا هم قرروا أمراً فإنهم سيعملون على تنفيذه بالطريقة التي يرونها مناسبة, وهذا ما تفعله الدول المستقلة عادة, وما فعلناه نحن في الماضي عندما شعرنا بالقلق من طريقة تعامل الفرنسيين مع تسلل المهاجرين غير الشرعيين الى بلادنا عبر القناة الانكليزية إنطلاقاً من الاراضي الفرنسية.

هناك من يعتقد في المنطقة بأنكم مع الاميركيين غير مستائين من المواقف العراقية حيال بعض الدول المجاورة, وانكم تفضلون ان تقوم حالة من التباعد بين العراق وهذه الدول, تطبيقاً لقاعدة "فرق تسد"؟
أتوقع ان نسمع كثيراً من الاستنتاجات والإتهامات عن مؤامرات وبرامج سرية وتخطيط لفعل كذا وكذا, وما علينا إلا أن ننتظر وأن نترك المجال واسعاً أمام المسؤولين العراقيين لكي ينفذوا برامجهم, وأنا أنظر باهتمام لما يقوله الدكتور اياد علاوي رئيس وزراء العراق, وإلى ما ستفعله حكومته, وعلينا ان لا ننسى ان العراق يمر فعلاً في مرحلة إنتقالية شاملة, وإن انتخابات عامة ستجرى فيه في كانون الثاني (يناير) المقبل وأن دستوراً سيصاغ وسيطرح على الشعب العراقي لأخذ رأيه فيه في استفتاء عام, وان نشاطاً سياسياً مكثفاً سيشهده العراق خلال أقل من عام وهي مرحلة دقيقة وصعبة ومعقدة لأي شعب ولأي دولة.

هل أنتِ واثقة في ضوء التدهور الامني السائد في العراق اليوم من ان الانتخابات النيابية ستجرى فعلاً في موعدها المقرر, وان العراق سيحافظ على وحدة اراضيه وشعبه في مواجهة إستمرار الحديث عن الانفصال الذي ينطلق من هنا وهناك؟
- الإنشقاق كان دائماً حالاً قائمة في العراق, إلا أن تشكيل الحكومة العراقية الحالية يندرج في سياق الحرص على المحافظة على وحدة هذا البلد, وهنا لا بد من الإشارة الى ان الدول المجاورة تقف على المستوى نفسه مع العراقيين في الحرص على وحدة العراق.

الوضع سيظل مصدر قلق لفترة غير قصيرة, ولا أجد ما يدفعني إلى الإدعاء بأن لدي نظرة وردية لوضع مثير للقلق. إلا انني مع هذا أقول بكثير من الحذر أن الوضع هناك اليوم يبدو افضل مما كان عليه في شهري أيار (مايو) ونيسان (ابريل) الماضيين, فحوادث التفجير باتت أقل, واكرر قولي هنا أنني أتحدث عن هذا الجانب بكثير من الحذر, لاننا لا نعرف متى يمكن لوتيرة التفجيرات ان تتصاعد. المهم ان العراقيين يمسكون اكثر فأكثر بمسؤوليات الأمن في بلادهم وأن عدد القوات العراقية يزداد, فهناك 200 الف رجل أمن عراقي يعملون في العاصمة والمناطق وهذا إنجاز مهم يحقق رغبة العراقيين بأن يروا أمنهم في أيدي قوات مختارة من صفوفهم.

كان لبريطانيا دور مهم في عودة ليبيا الى الحظيرة الدولية. بعضهم يعتبر ان سلوك ليبيا لم يتغير, وانها لا تزال دولة داعمة ومخططة للارهاب, خصوصاً بعد ما نشر عن المخطط الليبي لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز, فهل أجريتم تحقيقات حول هذا المخطط, وهل أثرتم تفاصيله مع الليبيين؟
- نجري إتصالات مكثفة مع الليبيين بعدما بدأنا بداية جيدة على صعيد إستئناف العلاقات معهم, ورحب رئيس الوزراء البريطاني بما وصفه بالقرار التاريخي الذي إتخذه العقيد القذافي حول اسلحة الدمار الشامل, إلا أننا لا نزال في بداية الطريق, فالعلاقة لكي تتوطد اكثر يجب ان نتحدث مع الليبيين حول القضايا الامنية وان نتابع البحث والنقاش في الامور الثنائية الاخرى, وفي كيفية تعامل ليبيا مع الدول المجاورة لها. ومما لا شك فيه ان مسألة التخطيط الليبي لإغتيال الأمير عبدالله مهمة جداً, وسنذهل ونضطرب كثيراً إذا ما حصل شيء من هذا القبيل, لا سمح الله, خصوصاً أنه تربطنا بولي العهد السعودي علاقة وطيدة, ومن هنا فعلينا ان نحمل هذه المسألة على مجمل الجد وأن نثيرها مع قضايا اخرى معهم.

ماذا عن التصعيد داخل الأراضي الفلسطينية؟ وماذا عن الجهود السلمية المجمدة, وهل يفترض بالفلسطينيين ان يصبروا الى ان تجري الانتخابات الرئاسية الاميركية, مثلاً؟

- لا أعتقد أن ما يتردد حول الجمود او إنتظار الحل بعد الانتخابات الاميركية صحيح, لأن ما يحصل على الأرض مناقض لهذه الصورة, فإجتماعات اللجنة الرباعية مثلاً مستمرة, وصدر عنها بعد إجتماعها في أيار الماضي بيان يؤكد الحل على أساس الدولتين المستقلتين, والتشديد على أهمية مفاوضات الحل النهائي والإشارة الى ثلاث نقاط عملية تلتزم بها اللجنة على صعيد المسألة الأمنية. ونتابع نحن البحث في المسألة الأمنية مع الفلسطينيين الذين طلبوا منا النصح حول قضايا عدة في هذا المجال, فضلاً عن المساعدة الاقتصادية التي تعتبر مهمة لتأمين إستمرارية السلطة الفلسطينية, والإهتمام بالبنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني, وتأتي ثالثاً بين النقاط المشار اليها قضية مراقبة التطورات التي تحصل على الارض, وهناك جهد يبذل على هذا الصعيد لضبط الأمور. لكل ذلك اقول ان السعي لحل هذه المشكلة لا ينتظر الانتخابات الاميركية.

من جهة اخرى نأمل ان يوضح الاسرائيليون اكثر جوانب قضية فك الارتباط في غزة الذي لا ننظر اليه على أنه قضية منفصلة عن بقية جوانب الحل, بل هو خطوة مهمة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبكل صدق أقول انني ارى ان تقدماً تحقق على صعيد التوجه نحو الحل خلال الأشهر القليلة الماضية بعدما كان الاعتقاد سائداً بأنه تقدم بعيد الاحتمال, وهذا يعود الى ما يبذله المجتمع الدولي من جهد لوضع القضية الفلسطينية على طريق الحل, وهنا لا بد من الاشادة بالجهد الذي يبذله المصريون والاردنيون في هذا السبيل.

ما هو موقف حكومتكم من إنتقاد بعض أبرز رجال الدين في بلادكم لسياسة الحكومة حيال العالمين العربي والإسلامي, وماذا ستفعل حكومتكم لتصحيح صورتها في المنطقة؟ وهل يندرج ما قاله وزير داخليتكم حول قوانين ستصدر لحماية حقوق المسلمين في المجتمع البريطاني أسوة بالديانات الاخرى في سياق تصحيح الخطأ؟

- البعض يعتقد ان علاقاتنا بالعالمين العربي والإسلامي تضررت بسبب سياستنا, خصوصاً بعد حرب تحرير العراق, وأنا هنا أود أن اذكر الاصدقاء المسلمين بما حققه تدخلنا من قبل لمصلحة المسلمين في البوسنة وكوسوفو. وما نريده ونسعى اليه في وزارة الخارجية البريطانية هو الوصول نفسياً الى حوار ايجابي وتعاون صادق مع العرب والمسلمين داخل بريطانيا وخارجها.

وما قاله وزير الداخلية البريطاني يهدف الى التأكيد على انه من المرفوض وغير القانوني إثارة مشاعر الحقد والكراهية والتمييز ضد الافراد على اساس عرقي او ديني. وأتوقع ان يحظى القانون المشار اليه بكثير من البحث والنقاش, وأتطلع الى يوم وصوله الى مجلس اللوردات لكي اشارك في مناقشة مواده.