بيروت - زهرة مرعي: الفنان ايلي شويري ثائر على الواقع الفني، يرى ان هناك جرثومة تنتشر في سائر الأرجاء. ويأسف لأن الفن بات يصدر عن شركات وليس عن معاهد فنية. لكنه وسط الظلام يجد فسحة ضوء في بعض لمميزين من الجيل الجديد أمثال الرحابنة. كما يصرح بأن قلبه يطرب لأغنية “طل الصبح ولك علوش”، يتمنى لو يعمل الفنانون على نبش التراث بدل الأغنيات التي تعيش “لأقل من يوم”، على حد قوله. هو بين صمت طويل، منهمك بالكتابة للمسرح وبالتواصل مع الأصدقاء من جيل الوفاء الفني.فيما يلي نص الحوار مع ايلي شويري:

نلاحظ خفوت صوتك، فهل في “زمن الطرشان” تفضل ان تهدأ قليلاً؟
لا الفن يتقاعد، ولا الفنان يتقاعد. الفنان يتعامل مع الغناء كمسألة أساسية في علاقته بالفن، لكن عندما ينظر أحدنا حوله ليرى كيف أصبح الغناء يصاب بقرف من بعض وسائل الرعلام التي لا تُعنى إلا بسياسة التسويق. ويبدو أيضاً التسويق اضاف مهمة تسويق الأجساد. وأمام هذه الموجة أشعر اني فاشل.

* فشل أم عدم تآلف مع الحاصل في السوق؟
فاشل بكل معنى الكلمة. مع الفن الملوث أنا فاشل. بقيت لنا تلك الأشياء الحميمة الفن، بقيت الموسيقا والكلمة، لكن ليس لوسيلة إعلامية متلفزة او لإذاعة، انها باقية للمسرح. أشعر انني نذرت نفسي للمسرح الغنائي والموسيقا. لست وحدي من يؤمن بذلك بل كل انسان لديه حكمة ويصل الى عمر معين يجد ان الملعب الموجود ضيق على الحالة الغنائية. بقيت لنا الأعمال المسرحية الغنائية نمارس من خلالها غرورنا وتاريخنا وحضارتنا وتراثنا.

* عندما انطلقت في الفن قبل حوالي الأربعين عاماً، هل كنت تتخيل ان الغناء سيصل الى ما نحن عليه؟
يصنفون المرحلة بأنها شبابية. ألم نكن شباباً قبل أربعين عاماً؟ محمد عبدالوهاب ألم يكن شاباً؟ في أيامنا الأولى كانت هنالك أغنية لبنانية شبابية تتضمن منظومة شعرية وحالة غنائية. في الموجة الحاضرة هناك أعمال فلكلورية لطيفة وفي بدايتنا كانت هناك موجة “الفرنكو آراب” لكنها كانت محدودة جداً في مقابل القلعة والمدماك الغنائي. لكن يبدو ان بيت المرض اليوم موجود في وسائل الإعلام المرئية.

* ما الفرق بين موجة “الفرنكو آراب” والموجات الحالية من الغناء؟
الفرق كبير جداً. بمجرد النظر من حولنا ورؤية الفيديو كليب والحالة السائدة يتبين ان الأمور تبدلت. الجيل السابق لنا أنجب أولاداً يعملون في الفن، لكن وفق ثقافة معينة وهم من الجيل الجديد. بشكل عام صار الفن الآن شغل من لا شغل له.

* ماذا تقول عن جيل الرحابنة الجدد؟
انهم جيل من معدن اصيل عبروا على طريقتهم. زياد الرحباني أول هؤلاء المبدعين وهو مميز عن الجميع. غير الرحابنة الجدد نلاحظ ان الكل يمكن تسميته بجيل اللحظة. فهو لم يأت من قناعة او ثقافة او معهد، كما انه لا يعرف العزف ولا الموسيقا. في الوطن العربي كله أشعر اني أفتقد الى فرق غنائية، ولا وجود لكورال غنائي وطني. فقط نسمع بجوقات دينية جميلة. هؤلاء غير ملحقين بالفن، انهم حالة خاصة لكنهم يعرفون أصول الغناء الشرقي والتجويد.

* هناك جرثومة من دون شك في الفن، فمتى وكيف بدأت برأيك؟
بدأت مع وسائل الإعلام التي وضعت التجارة هدفاً لها وصارت تطلب من الفنان راتباً آخر الشهر. حتى جمهور هؤلاء المغنين أميّ في الفن. هناك فنان ومتلق، والمتلقي غالباً يتألف من الأولاد. هناك جهل في الاستماع تماماً كما هناك جهل في الأداء الفني.

* هل يعقل ان نبقى فنياً في الأطر التي كنا عليها قبل أربعين عاماً؟ ألا تقبل التبدل في الكلمة واللحن والتوزيع؟
هناك مشكلة كبيرة، فليست كل الأصوات الجميلة في الوطن العربي تتراكض لتظهر على شاشة التلفزيون. اما من حيث الموسيقا فلا شك هناك تطور وتبدل. لحني تبدل لجهة الأوركسترا الأكبر والتوزيع المهم. ان أي لحن يفترض ان يكون فيه ميلودي وجملة موسيقية وإبداع. الإبداع مفقود حالياً.

* هناك مغنون جادون ومحترمون وان كانوا بعدد الأصابع. فإلى أي حد حاولت التقرب إليهم بلحنك؟
* اعطني مثلاً للإبداع في الشعر؟ فهل يمكن ان نسمي السخافة عصرنة مثلاً؟
على صعيد الشباب شعراً ولحناً هناك مروان خوري لديه أعمال محترمة مع فضل شاكر ومع كارول سماحة وغيرهما، وهناك زياد بطرس ونبيل أبوعبدو.
لا أقول ان الجميع غير جيد وأرفض ان يكون الإبداع ملغياً تماماً سواء عندنا او في أمكنة من الوطن العربي. النساء يحبلن وينجبن فنانين عباقرة وسياسيين وغيرهم. لكن ليس بإمكاني تحميل أحد الجهلة أغنية.
المتبارون في “ستار اكاديمي” أعادوا تذكرينا بالكثير من الأغنيات القديمة، وكذلك في “سوبر ستار”.
هؤلاء لم ينجحوا بذاتهم، بل بنجاح الأغنية السابقة. هؤلاء جميعاً يصبحون محترفين بين ليلة وضحاها، بينما أي مهنة في العالم يلزمها اختصاص لسنوات. صياد السمك يلزمه ثلاث سنوات ليصبح محترفاً. أصلاً من كانوا في “ستار اكاديمي” يمكن تصنيفهم باللعنة الحقيقية. والإعلام يسوق الأسوا.

نحن في عصر الصورة شئنا أم أبينا. هل لا تزال مصراً على الصوت من دون أي دور للصورة؟
الصورة تخدم الصوت فقط. انما الآن الصورة تخدم الصورة أي الجسد. الفن مصدره معهد وليس شركة. الشركة للتجارة فمن أين تأتي بالفنانين؟

هل أنت رافض كلياً للفيديو كليب؟
هل ينجح الفيديو كليب مغنياً؟
الفيديو كليب يسوق الفنان وتأتيه عروض الحفلات.

أية حفلات؟ سمي لي أحدهم أحيا حفلاً من خمس سنوات الى اليوم وأعاد التكاليف؟
ربما ليس في لبنان، انما في بعض الدول العربية يحيون الكثير من الحفلات.

في الدول العربية يشتغلون بغير الحفلات. انهم يحيون حفلات خاصة. هل أقول أكثر من اننا في سوق للأجساد. الفتاة التي أراها على شاشة التلفزيون وقد نفخت شفتيها “وقحطت” أنفها، هل يتطلب صوتها كل هذه التعديلات؟ لماذا نخجل من قول الحقيقة؟

هل هذا يعني انك ترفض ان تعطي لحناً لأي من الجدد؟
نعم أرفض إذا كان الجسد هو الذي سيسوق اللحن، عندها لن ينجح اللحن بل اللحم.

هل شاهدت جاد شويري يقدم فيديو كليب على الشاشات؟
علمت بأمره لكنني لم أشاهده، لو شاهدته لاتصلت بأهله.

لكنك تعمل؟
طبعاً أعمل في أسمى عمل هو المسرح. الغناء ليس فقط أغنية وفيديو كليب، وليس كل الغناء يلزمه “نفخ”.

لمن تعطي ألحانك؟
إذا كان هناك من هو مستعد لأن يحمل لحني فأهلاً وسهلاً به. من كل الشباب الذين سبقوا هذا الجيل أعطيت ألحاناً لأربعة او خمسة. أعطيت ألحاناً لأحلى صوت في لبنان بعد وديع الصافي هو معين شريف وغسان صليبا وصابر الرباعي نجح الأغنيات اللبنانية. الأغنيات السائدة أصبحت كما الأفلام المكسيكية المدبلجة كلها متشابهة. اسمع ألحاناً غربية ومن ثم أكتشف ان أحدهم يغنيها بالعربية. انني أحب الأغنيات الجديدة كثيراً، وهنا تحضرني أغنية هي “طل الصبح ولك علوش” انها أحلى أغنية يحبها قلبي. ياليت هناك من يغني للأرض والفلاح.

* ما الموضوع الذي يشغلك حالياً وتكتب عنه؟
الموسيقا والغناء حالة انسانية. أحدنا يعيش الثورة والحب والغضب والخيانة والانتصار والانهزام والموت. في كل مرة يأخذنا المسرح الى مكان فيه الكثير من الحزن والفرح. احضر حالياً عملاً لمهرجانات بيت الدين لعام 2005. وبصدد إعداد موسيقا وألحان لمسرح كركلا. وأعطيت ثلاثة ألحان لماجدة الرومي سوف تضم أحدها الى شريطها الجديد.

* ألا ترغب في تقديم أغنية منفردة بصوتك؟
سجلت الموسيقا لعشرين أغنية لكنني في الحقيقة أعيش حالة قرف تمنعني من وضع صوتي. الانهزام والانكسار والتراجع في المستوى، وهذه الجرثومة التي تضرب الفن. كل ذلك لا يشجع.

بماذا تتحدث مع زملاء العصر الجميل؟
الأشياء التي نتحدث بها لم تنته، البيت لم يهدم، العلاقات لم تقع، الوفاء لا يزال موجوداً وكذلك اللحظة القديمة لا تزال مرتبطة بنا الى الآن.