الأحد: 02. 10. 2005

قبل سنوات طويلة من وصوله إلى البيت الأبيض، قاد هاري ترومان سرية مدفعية تابعة لقوات الحرس الوطني في ميادين القتال خلال الحرب العالمية الأولى، وكان يعلم جيداً ما يعلمه جميع قادة المدفعية، وهو انه كان مسؤولاً عن كل ما يصدر عن الجنود الذين تحت إمرته من تصرفات جيدة كانت أم سيئة.

خلال فترة عملي كمراسل صحافي يافع في كنساس سيتي عام 1961، كنت أزور ترومان بين الفينة والأخرى في مكتبته بساحة الاستقلال المجاورة، وكنت أحياناً أجده جالساً على حافة خشبة المدرج مدليّاً قدميه إلى الأسفل، وهو يتحدث إلى بضع مئات من تلاميذ الصف الثامن، وكان دائماً يحدثهم عن مسؤوليات الرئيس بموجب الدستور، ولم يتحدث أبداً عن سلطات منصب الرئاسة، وكان واضحاً أنه قرأ الدستور مراراً وتكراراً وآمن به إيماناً مطلقاً.


وهذا سبب حيرتي خلال السنوات القليلة الماضية حول رفض الرئيس بوش ورجاله القبول بالمسؤولية عن أي شيء سوى النجاح. فالإخفاقات العديدة ـ وحتى الأخطاء المكلفة الفادحة ـ يتيمة، لا أب لها في هذه الإدارة، والمسؤولية تلقى دائماً على أفراد في أدنى مستوى ممكن.


ولهذا كانت مفاجأة كبيرة لنا أن نسمع الرئيس يتحمل المسؤولية الشخصية عن كل اخفاقات الوكالات الفيدرالية في الاستجابة للمأساة الإنسانية الفظيعة التي جلبها الإعصار كاترينا، وإن كان بوش قد بدا مرتبكاً وغير متمرس أثناء إعلانه عن تحمله مسؤولية ما جرى.ويعتقد الكثيرون الآن أن الفرصة سانحة لكي يمارس الرئيس بوش موهبته المكتشفة حديثاً ويتحمل مسؤولية ما ارتكب من أخطاء في أفغانستان والعراق.


وأهم هذه الأخطاء على الإطلاق:


* تحويل 90 في المئة من الموارد العسكرية الأميركية من مهمة القضاء على العدو الحقيقي، القاعدة وأسامة بن لادن، وإعادة بناء أفغانستان، لتكريسها بدلاً من ذلك في غزو غير ضروري وفي التوقيت الخاطيء لحرب العراق.


* التمسك بأضعف الدلائل، التي لم تكن سوى ذرائع في حقيقة الأمر، لتبرير غزو العراق والإطاحة بصدام حسين، الذي لم يكن يملك مختبر أسلحة نووية يوشك على إنتاج قنابل، ولم تكن قد تبقت لديه أية قدرات لإنتاج أسلحة كيماوية أو بيولوجية.


* الفشل في التخطيط لإمكانية احتلال طويل الأمد ومحاربة رفض مسلح للاحتلال بعد سقوط بغداد.


* الفشل في وضع قوة أميركية كبيرة بما يكفي على الأرض في العراق لضبط أمن معابر التسلل التي يتدفق منها المقاتلون الأجانب أو تأمين أو تدمير المئات من مستودعات الذخيرة التي كانت تحتوي على أكثر من مليون طن من القنابل والرصاص قذائف المدفعية التي يستخدمها الآن هؤلاء المقاتلون لقتل جنودنا.


وتماماً كما تمت تنحية ما يكل براون، مدير الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (فيما) في أعقاب الغضب الرئاسي بشأن كاترينا، فكذلك أيضاً يجب تنحية وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي أشرف على تلك الحروب ويرفض بعناد رؤية أي شيء سوى مواكب النصر التي تنتظرنا.


ضابط مشاة البحرية السابق نثانييل فيك، الذي شارك في حربي أفغانستان والعراق وألّف كتاباً بعنوان «على مسافة رصاصة واحدة: مكوّنات ضابط البحرية»، كتب هذا الأسبوع ان قبول الرئيس بتحمُّل مسؤولية ما حدث، وما لم يحدث في العراق من شأنه أن يساعد في إطلاق «مراجعة نقدية شاملة لاستراتيجياتنا العسكرية والسياسية».


وقال فيك إن الرئيس بمجرّد أن يقول: «أنا المسؤول عمَّا حدث» فسوف يقدم مثالاً يُحتذى ويضع معياراً جديداً للمساءلة الشخصية على مختلف مستويات القيادة. وهذا بدوره يمكن أن يحشد ما يكفي من التأييد من كلا الحزبين للخروج من المأزق الأيديولوجي الذي حصر التغييرات في استراتيجياتنا وتكتيكاتنا في العراق بإضفاء بعض التعديلات الطفيفة على السياسات بدلاً من القيام بعملية إعادة تقويم شاملة.


وإن القيام بهذا وتنحية رامسفيلد ربما يشجعان القادة العسكريين رفيعي المستوى الذين أسكتتهم تصرُّفات وزير الدفاع الانتقامية ضد الجنرالات الذين تجرأوا على قول الحقيقة. وعندها ربما يتسنى لنا مرة أخرى أن نستمع إلى نصائح هؤلاء حول أفضل السبل لخوض الحرب ضد الرفض العراقي المسلح وعلى الإرهاب.


وفي فورث هود بولاية تكساس، سيحاول الجيش مرة أخرى استئناف المحاكمة العسكرية ضد المجنّدة ليندي انغلاند (22 عاماً)، وهي من بين تسعة جنود من الحرس الوطني وُجهت إليهم اتهامات جنائية في قضية إساءة معاملة السجناء في أبوغريب. ومن بين هؤلاء ستة اعترفوا بذنبهم واثنان تمت إدانتهما، وتم الحكم على رقيب أول مدان في القضية بالسجن لعشر سنوات.


وهذا ليس سوى مثال آخر على الإصرار الرسمي على إلقاء مسؤولية الأخطاء التي ارتُكبت على أدنى مستويات ممكنة في القوات المسلحة. وقد أجري 17 تحقيقاً في قضية أبوغريب، جميعها ذكرت أن لا أحد من القيادة العليا ولا أحد من المسؤولين المدنيين في البنتاغون يتحمَّل أية مسؤولية أو أية ملامة.


من يصدق هذا الكلام؟

إن إعلان بوش بقبوله تحمُّل المسؤولية هو الطريقة الوحيدة لكي نقطع الشك باليقين ونواجه الحقائق ونبدأ مساراً تصحيحياً نحن في أمسِّ الحاجة إليه في هذه الحرب والحرب على الإرهاب.