الأربعاء: 12. 10. 2005

بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) نشأ رفض عربي وإسلامي لمبدأ الاعتذار لأميركا والغرب، باعتبار أن ما جرى لا يمثل الثقافة العربية الإسلامية، ولا يمت للدين الإسلامي بأدنى صلة، فضلاً عن أن تنظيم «القاعدة» بذرة أميركية في الأساس. وعليه فإن الاعتذار عما حدث تكريس للتهم التي أطلقت منذ اليوم الأول ضد العرب والمسلمين واعتراف بالمسؤولية عن الحادث الإرهابي الذي أصاب نيويورك وقتل آلاف الأبرياء. لكن هذا الموقف المدرك لتبعات الاعتذار وما سيترتب عليه من استحقاقات سياسية وثقافية وحقوق مادية، سرعان ما تهاوى أمام الهجمة الأميركية المتمثلة بمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وشعار الإصلاح السياسي والديموقراطي في الدول العربية والإسلامية، فوجدت دول المنطقة أن الاعتذار هو المخرج الذي سيعفيها من استحقاقات المشروع الأميركي، ويخلق حالاً من التضامن مع واشنطن، باعتبار أن الإرهاب بات عدواً مشتركاً للجميع، وظاهرة عالمية، فضلاً عن انه سيصرف النظر عن أخطائها التي أسهمت بشكل مباشر في تنامي ظاهرة التطرف التي أوصلتنا إلى الإرهاب، فأنخرط الجميع في حملة اعتذارية باسم أمة الإسلام كلها، كلنا مذنبون وخير الخطائين التوابون.

ووجدت الإدارة الأميركية أن مشروعها المزعوم للإصلاح قدم ثمرة لم تكن في الحسبان، فاستثمرت هذه النتيجة غير المتوقعة بطريقة خطيرة، وشرعت في تشكيل مضامين حملة الاعتذار «الطوعية» على نحو يبرر لها على المدى البعيد استهداف ثقافة هذه الأمة المغلوبة على أمرها ومعتقداتها ورموزها. ولعل ابرز واخطر عناصر التدخل الأميركي في هذه الحملة نجاح واشنطن في جعل رأس الحملة الهجوم على الإسلاميين بكل طوائفهم ومواقفهم، وتحريم الحديث عن أسباب خارجية لظاهرة الإرهاب، وعزلها عن استراتيجية السياسة الأميركية في المنطقة، وازدواجية معاييرها، ودعمها المطلق لاسرائيل، وحربها على العراق، حتى أصبح كل من يحاول أن يتحدث عن أسباب خارجية للظاهرة يتهم بالتخلف، والإيمان بنظرية المؤامرة وتسويغ الإرهاب.

ومع الوقت استعذب الإعلام العربي وكتابه وقادة الرأي فيه هذا التوجه، وصار مقياس العقلانية والواقعية وتفهم الآخر في نظر المشتغلين في الكتابة والحوارات التلفزيونية هو لعن الإرهاب والإرهابيين من دون أدنى إشارة إلى الأسباب. فالارهاب في نظر هؤلاء نبتة أوجدت نفسها بنفسها، أو هي مثل «أنفلونزا الطيور» مجرد فيروس ينتقل في الهواء ويصيب شباب العرب والمسلمين، ولا احد يعرف من أين وكيف أتى هذا المرض اللعين، والحل لمواجهة هذه العدوى الغريبة هو القضاء على المصابين بها وإبادتهم، فهؤلاء ليسوا بشراً ولا علاقة لهم بما يجري حولهم، ولا تنطبق عليهم نواميس الكون وقانون السببية. صار الإرهاب «مرضاً» غير معروفة أسبابه، وليس له من علاج إلا القتل واستباحة الدول، وتحريم الدين، وإذا فتح الله على بعضهم وصار «شجاعاً» وأراد أن يتحدث عن أسباب الظاهرة، تجاهل دور السياسة الأميركية، والظلم الإنساني الذي جرى ويجري في فلسطين والعراق، وصبّ جام غضبه على غياب الحرية والديموقراطية، وقمع الأنظمة، ومناهج التعليم، وثقافة الإقصاء، أما إذا كان واقعياً وموضوعياً على الطريقة الأميركية فهو بالتأكيد سيتوقف عند تفسير بعض الآراء والفتاوى الدينية باعتبارها عقدة الحل في قضية الإرهاب، وقطع دابر الإرهابيين ومنع تكاثرهم، غير مدرك أن هذا التوجه سيوصلنا حتماً إلى التصادم مع السواد الأعظم من الناس، ويخلق حالاً من العناد بين أوساط المعتدلين من المسلمين ناهيك عن المتشددين منهم.

أن استمرار الحملة على الإرهاب المستندة إلى تحميل الدين الإسلامي والمتدينين وزر ما حدث ويحدث، ووضع الإرهاب الإسلامي في مواجهة الديموقراطية المزعومة خطة مغشوشة في أحسن الأحوال، وكاراثية في أسوأها، فهذا التوجه يوفر غطاً شرعياً للسياسية الأميركية التوسعية، ويحرض اليمين الأميركي المتطرف على التمادي في استهداف المسلمين. وفي هذه الحال سيكون من الصعب إقناع شعوب المنطقة بأن احداً لا يهتم بالدين ألا المتطرفين، وان لا علاقة للدين بالسياسة، وان الكلام عن الحروب الدينية تخلف فكري وقصور في النظر، وسيكون من المستحيل منع المسلمين من الإحساس بأن ما يجري يستهدفهم لمجرد كونهم مسلمين.