الحياة: الثلاثاء: 21 ـ 06 ـ 2005

نتائج الانتخابات النيابية في شمال لبنان أكدت تلك التي أدت اليها المرحلتان السابقتان في بيروت والاقليم والبقاع الغربي. اي ان غالبية ساحقة من المقترعين السنة انتخبت التحالف الذي اقامه تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري.

اعطيت مبررات كثيرة لانتصار الحريري وحيازته على اكبر كتلة نيابية. بعضها ربط بشعور الطائفة انها استهدفت باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وبعضها بالتحالفات وبالتنظيم للمعركة الانتخابية والمال السياسي. لكن الاساسي في هذه المعركة هي شعار اسقاط «النظام الامني» اللبناني و«نظام الوصاية» السوري. اي ان معركة الحريري في جانبها الاساسي كان موجهاً ضد العلاقة السابقة السورية - اللبنانية، وضد السياسة السورية في لبنان. وعلى هذا الاساس أقيمت التحالفات وخيضت المعركة.

وعندما يتضح ان الغالبية السنية هي التي رجحت انتصار لوائح الحريري وحلفائه، في حين صبت غالبية الاصوات المسيحية لمصلحة اللوائح المنافسة، يمكن التساؤل عن طبيعة العلاقة المقبلة بين السنة اللبنانيين والحكم السوري، خصوصاً ان الانتصار الاكبر للحريري كان في المناطق التي تتأثر تاريخياً بالتوجهات السورية، مثل البقاع والشمال.

وفي مقدار ما كان انتصار سعد الحريري كبيراً، في مقدار ما سيواجه مشكلة هذه العلاقة مع سورية. وهي مشكلة يختلط فيها الشخصي والسياسي على نحو كبير. فهي انفجرت على نحو درامي مع اغتيال والده وما رافقها من اتهامات، وقبل ذلك تنفيذ القرار الدولي الرقم 1559، والشكوك في ان دمشق طبقته لاحقاً بكل بنوده. وفي انتظار نتائج التحقيق الدولي في جريمة الاغتيال، سيكون الحريري اللاعب الاساسي في انتخاب رئيس للمجلس النيابي وتشكيل الحكومة العتيدة. وفي التوجهات التي سيتخذها في الاستحقاقين، تظهر مؤشرات الى كيفية التعامل مع العلاقة بسورية.

فالميل الى التفاهم مع رئيس المجلس الحالي وربما ترشيح رئيس الحكومة الحالية الى تشكيل المقبلة، يعني ان ثمة نية للتهدئة وأخذ فسحة من الزمن لتقويم التوازنات الجديدة في البلد ودرس طبيعة التحالفات النيابية وتحديد أولويات المجلس الجديد. ويعني ايضاً ان ثمة نية في عدم قطع الشعرة التي لا تزال تربط العلاقات الرسمية اللبنانية - السورية.

اما الدفع في اتجاه الاستفادة من الغالبية العددية لتغيير رئيس المجلس النيابي وتسمية شخصية من التيار لتولي رئاسة الحكومة، فيعني الاستمرار في منطق الحملة الانتخابية، اي المواجهة المباشرة مع سورية. لكن هذه المرة من موقع المسؤولية الرسمية وليس من موقع المعارضة. وهذا سيرتب مواجهة داخلية تستند الى معطى جديد يتصل بالصراع في المنطقة وطرح الشق اللبناني من القرار 1559، اي سلاح المخيمات و«حزب الله» والعلاقة العميقة بين الاخير وسورية. ويؤدي الى ان يكون الاصطفاف الطائفي الجديد عنصراً اساسياً في المعادلة.

صحيح ان الحلفاء الاساسيين لتيار المستقبل مسيحيون ودروز، ومثله خاضوا معركة اسقاط النظام الامني المشترك. لكن ذلك لا يقلل من أهمية كون ان السنة باتوا رافعة هذا الموقف، ولولاهم لما تمكن تيار وليد جنبلاط من ان يزيد حجم تمثيله النيابي ولما تمكن تيار القوات اللبنانية من الوصول الى الندوة البرلمانية.

لكل هذه الاسباب، تقع على الحريري مهمة كبيرة (ومسؤولية) تتجاوز مجرد الحجم الانتخابي وصولاً الى المساهمة في ارساء قواعد داخلية تعالج الشكاوى الكثيرة التي رافقت الانتخابات، وتوفر للجميع ما يغنيهم عن اللجوء الى الخارج.