الأربعاء: 14. 09. 2005

الخطاب الذي وجهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى شعبه أمس حدد المهمات المقبلة من السلطة وما يمكن ان تذهب اليه من أجل توفير الظروف الملائمة «لمفاوضات الوضع النهائي مع اسرائيل فوراً». وفي هذا التحديد رغب في ان تكون خطوة فك الارتباط الاسرائيلي بقطاع غزة، بما يحوله الى مختبر للقدرة الفلسطينية على إدارة الاراضي الخالية من الاحتلال المباشر، محطة انطلاق جديدة لإنجاز الأهداف الفلسطينية.

وفي مقدم شروط الجاهزية لبدء مفاوضات الوضع النهائي، وصولا الى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وضع «ابو مازن» الوحدة الوطنية المدعومة من المجتمع الدولي، وإنهاء «فوضى السلاح والفلتان الأمني». انها الرسالة الأولى الى الداخل. فالسلاح المنتشر في القطاع خصوصاً لا يعبر فقط عن قلة امكانات السلطة وعجزها عن فرض هيبتها، وانما يتصل اساساً بالصراع الداخلي غير المعزول عن الموقف من الحل النهائي. فتتشابك عوامل كثيرة تدفع كلها في اتجاه إضعاف السلطة وتحديها ومنعها من القيام بواجباتها إزاء الفلسطينيين، وتفقد رصيدها تالياً في أي مفاوضات مع الاسرائيليين.

وفي هذا المعنى، يشكل إنهاء «الفلتان الأمني وفوضى السلاح» أكثر التحديات الذاتية امام السلطة وصدقيتها. وكما قال «ابو مازن»، قبل يومين، ان نزع سلاح الفصائل بالقوة يؤدي الى حرب أهلية. وفي مثل هذه الحال يطرح السؤال عن مدى الاستعداد الذاتي للفصائل ومبادرتها الى التخلي عن سلاحها طوعاً، وهو الذي أعطاها الرصيد والشعبية في المراحل السابقة من المواجهة مع اسرائيل. كذلك يصح التساؤل عن قدرة السلطة على تحمل الضغوط الاسرائيلية والدولية، في حال استمرار هذا السلاح في الشارع، علماً ان وضعا كهذا يطرد الاستثمار والتوظيف والمعونات الدولية. ومن البديهي ان قضايا المعابر والمطار والميناء ستكون مطروحة بإلحاح كبير مع استتباب الأمن وبدء دورة اقتصادية طبيعية، كما انها ستكون موضع مطالبات وضغوطات دولية متزايدة من اسرائيل.

وفي تحديده للأهداف الفلسطينية، أوضح «ابو مازن» مفهومه للدولة التي ينبغي ان تقوم على كل الاراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس. لكنه في الوقت نفسه بعث برسالة الى اسرائيل تتناول أكثر القضايا إشكالية في الصراع. فهو تحدث عن «حل قضية الاجئين حلاً عادلاً متفقاً عليه»، من دون أي اشارة الى حق العودة، الأمر الذي سيثير في وجهه أكثر من عاصفة ومن أكثر من طرف. اذ شكل هذا الموضوع، وعلى امتداد سنوات الصراع الطويلة، المحرك الاساسي للسياسة الفلسطينية، حتى التصق إلتصاقاً حميماً بهويتها النضالية.

طرح الحل العادل لقضية اللاجئين، كصيغة بديلة لحق العودة، ليس طرحاً جديداً، وانما جرى تداوله سابقاً وأثار كثيراً من الجدل. لكن إعادة التشديد عليه بعد الانسحاب العسكري من قطاع غزة يزيل أي تعقيد اسرائيلي لاحق أمام المطالبة ببدء التفاوض على الحل النهائي. وقد يكون عباس انطلق من التقدير الواقعي للأوراق التي يملكها الفلسطينيون في مثل هذه المفاوضات. وقد تكون إقامة الدولة على الاراضي الفلسطينية المحتلة في 1967، ووضع حد «للصراع الدموي الطويل»، من مبررات الحل العادل لقضية اللاجئين وليس عودتهم.