أضــــــــواء
كمال سر الختم

السودانيون خاضوا تجارب صعبة ومرّة وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي،‮ ‬وهي‮ ‬إفرازات لها أوضاعها التاريخية ودوافعها الخارجية أيضاً‮.‬
ما حدث من اتفاق بين الحكومة وحركة الراحل جون قرنق هو حدث تاريخي‮ ‬على المستوى العربي‮ ‬بكل المقاييس،‮ ‬حيث تمَّ‮ ‬الاتفاق بين خصمين شديدي‮ ‬التنافر على استكمال خطوات التصالح بخطوة خطيرة في‮ ‬المقاييس العربية المتداولة وهي‮ ‬تقاسم الثروة‮.‬
والسياسيون في‮ ‬السودان توصلوا الى قناعة ذاتية بسيطة بأنَّ‮ ‬المال لن‮ ‬يكون أهم من سيادة البلد‮.. ‬ومن الغباء أن‮ ‬يكون حجر عثرة بين أبناء البلد الواحد‮.‬
التجربة السودانية من التجارب السياسية النادرة في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬بتنوعها وثرائها ومرونتها‮.. ‬فضلاً‮ ‬عن وجوه أحاديتها حيناً‮ ‬وشراستها حيناً‮ ‬آخر‮. ‬لكنها تبقى متميزة ولها قيمة اعتبارية نوعية‮.‬
كثيرون اعتبروا ذلك حدثا نادر التكرار،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن استنساخه مرة أخرى،‮ ‬وفي‮ ‬ذلك كل الحق،‮ ‬لأن ذات السلطة التي‮ ‬فاجأت الجميع وحتى أنصارها باتفاق تقاسم السلطة والثروة،‮ ‬عاجزة أن تستلهم التجربة في‮ ‬حل خلافها مع الغرب والشرق،‮ ‬ورغم أن المطلوب في‮ ‬مفاوضات أبوجا وطرابلس ليس بالطبع مولودا مستنسخا من‮ (‬مشاكوس‮). ‬
وبما أن الوسطاء والمراقبون لا‮ ‬يعولون كثيراًعلى مفاوضات أبوجا وخصوصا الغربيين منهم في‮ ‬الوصول إلى سلام دائم في‮ ‬دارفور على الأقل في‮ ‬الوقت الراهن،‮ ‬نظراَ‮ ‬لتباعد رؤى الطرفين في‮ ‬حسم القضايا المحورية والأساسية في‮ ‬بنود التفاوض،‮ ‬ولتشبث كل طرف بأجندته الخاصة،‮ ‬وكثرة الخطوط الحمراء التي‮ ‬تفصل خط تماس الطرفين المفاوضين‮.‬
فلماذا لا‮ ‬يكون اتفاق السلام الموقع بداية لتحصين السودان ضد تآمر الماضي،‮ ‬ولن‮ ‬يكون ذلك بالطبع باقتسام الثروة والسلطة فقط،‮ ‬مثلما لن‮ ‬يكون بالتهوين القاتل لقضايا التمايز العرقي‮ ‬والديني‮ ‬والثقافي،‮ ‬بعد أن اكتسبت هذه القضايا منبراً‮ ‬وآذاناً‮ ‬في‮ ‬عصر العولمة وحقوق الإنسان‮.‬
لماذا لا‮ ‬يدرس الجميع تجارب الماضي‮ ‬بداية من الانقلاب الأول وسقوط آخر تجربة ديمقراطية وما بينهما من عثرات،‮ ‬تداخلت ما بينهما عوامل الذاتي‮ ‬والخارجي‮ ‬حتى لا نستنسخ الفشل‮.‬