بهجت غيث: انسحبت من الوحل الذي غطّسوا به الطائفة


بيروت - سعد إلياس

تشهد طائفة الموحدين الدروز في لبنان شرخاً دينياً كبيراً في هذه المرحلة لعلّه انعكاس للصراع السياسي المحتدم، وبدأ هذا الشرخ انطلاقاً من الخلاف علي قانون تنظيم شؤون الطائفة، ولم تنفع كل الدعوات والنداءات للتوافق، بل سارت الامور بشكل تصعيدي، وانعكست علي وضع مشيخة العقل بحيث باتت الطائفة امام ظاهرة شيخي عقل تماماً كما كان الحال قبل أكثر من ثلاثين سنة، واحد اختاره الامير طلال ارسلان امام انصاره ومؤيديه في خلده وثان سينتخبه المجلس المذهبي برعاية النائب وليد جنبلاط. وعلم أن اتصالات تدور منذ ايام بهدف التوصل الي تسوية ما بين المختارة وخلدة لم تنضج بعد وتقوم علي انتخاب شيخ عقل ونائب شيخ عقل. وفيما عيّن الامير طلال موعداً اليوم لتقبّل التهاني بتنصيب الشيخ ناصر الدين الغريب تتجه الانظار لمعرفة موقف شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ بهجت غيث، وماذا يعني بيانه الذي سبق بيوم واحد انتخابات المجلس المذهبي وتعيين الشيخ الغريب والذي أعلن فيه قراره بتعليق جميع مهام مشيخة العقل وعدم تلقي المراجعات وتوقيع المعاملات حتي إشعار آخر.

يعتبر الشيخ غيث الذي أمضي في موقع مشيخة العقل 15 سنة في حديث الي القدس العربي أن الصمت أبلغ من الكلام في هذه الايام ، وقال أردت الانسحاب من هذه المعمعة وهذا الوحل الذي غطّسوا به الطائفة . ويُسأل الشيخ غيث عن مغزي البيان الذي اصدره قبل ايام وأثار اشكالية في تفسير أبعاده فيجيب إنه يعني تجميد كل مهامي في المشيخة وهو أكثر من اعتكاف بل انسحاب . أما عدم الحديث عن استقالة واضحة فمردّه الي سؤال ساور شيخ العقل ومفاده لمن سأستقيل؟ وهل عيّنني أحد كي أتقدّم باستقالتي منه؟ علي العكس فكلهم عاكسوني، وأنا كنت بحكم الواقع لعدم وجود فراغ وجئت بناء لالحاح الزعماء السياسيين في انتظار وضع قانون وعدم جواز حصول فراغ في هذه المؤسسة .

وقد لاحظ الشيخ غيث بعد مراجعة للمواقف أن الحاقدين لا يزالون يتهيأون للانقضاض علي مشيخة العقل ومعاندة المتخاصمين علي استنساخ مشيخة عقل لكل منهما فارغة من أي معنوية سواء بالانتخاب الصوَري بموجب القانون المزعوم أو بالتعيين القبائلي المزري ، ولذلك اتخذ الموقف بعدم المشاركة في هذه المأساة .

وفي المعلومات أن اتصالات تمّت بالشيخ غيث بعد إصداره بيانه ولكن سبق السيف العذل، وكان جواب شيخ العقل: لدي مبدأ وليست عندي مصلحة لا بل مصلحتي هي مبدئي. وعندما يُراد وضع الطائفة في البازار السياسي واعادتها الي عصر الجاهلية، فهذا الامر لا يلائمني وأخرج منه، وفي الاساس أنا لا أعترف بكلمة درزي، فأنا موحّد ولغتي هي لغة العقل أي لغة الهدوء والحوار والنظام .
ويبدي الشيخ غيث قلقاً من تجزئة الطوائف وشحنها بالعصبيات ، ويري أن طائفة الموحدين ميزان للبلد وعندما يحدث شيء داخل الطائفة سينعكس علي لبنان، فلبنان مختبر كوني لهذه الطوائف والحضارات والاديان، وعندما يفسد شيء في جسم الوطن سيتأثر الرأس، وما حدث هو موضوع تقسيمي ويُخشي أن يمتد الي الجميع ويحدث فتنة في البلد .

وعندما يُسأل الشيخ غيث لماذا لا يجري اعتبار وجود شيخين للعقل ظاهرة ديموقراطية وعودة الي الاصول والتقاليد الدرزية بين يزبكي وجنبلاطي يجيب قد يجوز الامر، وقد يكون وجودي علي مدي 15 سنة هزّ عرشهم وضايقهم توحيد المشيخة ومن حريتها في التعبير، فالمطلوب ربما أن تتكلم مشيخة العقل مع هذا الطرف أو ذاك، أو تساير وتنافق علي الاثنين وليس لديّ شيء من ذلك . من تُراه شيخ العقل الذي سيتخذ مقراً له في فردان الشيخ المعيّن من ارسلان أم الشيخ المنتخب من جنبلاط؟

في اعتقاد الشيخ غيث أن الوجوه التي أتت نتيجة انتخابات المجلس المذهبي هي لفئة واحدة، وكانت الناس متعطشة لقانون ولكن الوضع بات اشبه بشخص صائم وفَطَر علي بصلة . ويري غيث أن شيخ العقل الذي يأتي نتيجة قانون تكون له صفة أكثر من الشيخ المعيّن حتي لو كان تطبيقاً لعرف . في ضوء التغيّرات السياسية بين مرحلة وأخري هل يمكن أن نشهد مجدداً تقارباً بين النائب جنبلاط والشيخ غيث؟ يجيب شيخ العقل ليس هناك تقارب أو تباعد بيني وبين أي شخصية سياسية إلا بمقدار ما تكون لديها مصداقية، وبالنسبة اليّ فقد دخلت قليلاً في السياسة كي أحيّد مشيخة العقل وأبقيها مرجعية إرشاد ومراقبة وضبط للاوقاف وكرامة الطائفة وسمعتها، ولكنهم لا يريدون ذلك، وأنا أعتبرهم وجوهاً سياسية إنما لعملة واحدة، ومع الاسف هذه هي السياسة اللبنانية .