ساطع نور الدين


لأن المفوض الاوروبي للسياسة الخارجية خافيير سولانا هو الدبلوماسي الأول والأهم في العالم كله، وهو رجل المهمات الصعبة الذي يمثل الغرب كله في لحظات التفاوض الحرجة مع العالم العربي والإسلامي، فإن زيارته الثانية في خلال ثلاثة اشهر الى لبنان، قبل يومين، لم تكن مجرد محطة عابرة للاطلاع على أحوال البلد الذي ارسلت اوروبا بضعة آلاف من جنودها لانهاء حربه الاخيرة.
ولأن سولانا، من موقعه الخاص الذي يختزل الموقف الاميركي بقدر ما يعبر عن الموقف الاوروبي، يحسب بدقة متناهية خطواته الدبلوماسية ويزن كلماته السياسية بحذر شديد، فإن قراره بأن يستهل زيارته إلى لبنان بلقاء مع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير لم يكن استعادة لتقليد قديم او برتوكول سابق تجاه رجل دين مهم ومؤسسة عريقة في التاريخ اللبناني.

في تموز الماضي، جاء سولانا إلى بيروت حاملا رسالة دعم أميركية أوروبية حاسمة إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يلمح في مجالسه الخاصة الى إمكان الاستقالة من منصبه إذا لم يتوقف العدوان الاسرائيلي. وأبلغه يومها أن الالتزام الاميركي والأوروبي تجاه لبنان لن يقتصر على التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، بل يمكن ان يستحضر ما يشبه نموذج كوسوفو التي تحظى بغطاء مشترك من جانب الاميركيين والاوروبيين على حد سواء، يشمل الأمن والاقتصاد والسياسة طبعا، لم يكتمل ذلك الغطاء على لبنان، وهو لا يزال في مراحله الأولى: الانتشار العسكري في الجنوب يتواصل، وقواعد الاشتباك تتبلور يوما بعد يوم، والاستعداد لمؤتمر باريس 3 يستكمل واحدة من من أهم وأكبر عمليات الإغاثة الدولية التي نفذت في لبنان على مدى الاشهر الثلاثة الماضية وحالت دون انهيار الدولة اللبنانية او وقوعها في قبضة مخاصمة او منافسة للغرب.

زيارة سولانا الثانية إلى بيروت، وافتتاحها باجتماع مع البطريرك صفير تحديدا، مؤشر جدي جدا على أن النقاش الاميركي والاوروبي حول الوضع السياسي في لبنان قد بدأ فعلا، ومن زاوية الشأن المسيحي الذي أهمل في السنتين الماضيتين، وترك الانطباع بأن الغرب يقاطع المسيحيين مثلما يقاطع الرئيس إميل لحود، ويسيء الى موقعهم ودورهم وربما ايضا الى وجودهم في لبنان وفي المشرق العربي كله. طوت زيارة سولانا الى بكركي تلك الحقبة من الاهمال الغربي للمسيحيين في لبنان، وفتحت بالتأكيد حقبة جدا عنوانها الابرز تحميل الكنيسة المارونية مسؤولية المبادرة الى معالجة الوضع المسيحي واسترداده من الموقع المعادي للغرب الذي انتقلت اليه الغالبية المسيحية مع العماد ميشال عون، بتحالفه الانتحاري مع حزب الله..

لم يكن لزيارة سولانا الى لبنان هدف آخر، سوى توجيه تلك الرسالة المباشرة إلى بكركي، التي تشبه الرسالة التي سبق ان حملها باسم الغرب كله الى السنيورة، برغم أن صفير لا يستطيع التلويح بالاستقالة من المهمة التي يدعى اليها الآن.