الجمعة: 2006.11.03

اليوم، غداً
سعد محيو


ldquo;أعتقد أنه ليست لدى الولايات المتحدة وبريطانيا استراتيجية واضحة، لا في العراق ولا في أفغانستان. اعتقد أيضاً أننا خسرنا القدرة على التفكير الاستراتيجيrdquo;.

( اللورد أبجي، القائد السابق للجيش البريطاني)

لا استراتيجية واضحة؟

ماذا، إذاً عن ذلك الكم الهائل من التحليلات الاستراتيجية التي غرقت فيها واشنطن منذ العام ،2001 والتي تتحدث كلها عن خطط دقيقة ومبرمجة لإعادة هيكلة الشرق الاوسط الكبير أو الموسّع؟

وماذا عن سلسلة تقارير الامن القومي الامريكي التي أعلنت بدءاً من العام 2002 بأن الولايات المتحدة باتت، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، تعتبر الشرق الأوسط لا اوروبا المركز الرئيسي للصراعات الدولية؟ ألم تكن كل هذه بنوداً في إطار استراتيجية امريكية عامة وضع لها جدول زمني للتنفيذ يتجاوز العقدين من الزمن؟

ثم: ماذا عما كشفت عنه مؤخراً دورية ldquo;ديفنس نيوزrdquo; العسكرية الامريكية، من ان ثمة جهوداً حثيثة تبذلها واشنطن لإقامة حلف مع الدول العربية الصديقة لها، لمواجهة المحور السوري الإيراني، والإرهاب والتطرف، وأسلحة الدمار الشامل؟ أليست هذه أيضاً استكمالاً لاحقاً لاستراتيجية سابقة؟

حديث اللورد البريطاني، إذاً، عن غياب الاستراتيجية، لا يبدو دقيقاً. وربما هو حصيلة خيبات الامل التي منيت بها الإدارتان العسكريتان الامريكية والبريطانية في العراق وأفغانستان: من الطموح باستخدام هاتين الدولتين كمنصة انطلاق للسيطرة المباشرة على كل العالم الإسلامي، إلى القناعة ب ldquo;استراتيجية خروجrdquo; لإدارة الصراع فيه.

الأصح أن يقال إن حربي العراق وافغانستان يمكن ان تدخلا تعديلات على الاستراتيجية الأمريكية الأصلية في الشرق الأوسط، خاصة منها ما يتعلق ب ldquo;مبدأ بوشrdquo;.

للتذكير هنا: المبدأ تعريفاً هو ذلك الإطار الفكري الذي يزوّد صناع القرار ببوصلة لتحديد الاستراتيجيات والاولويات، التي بدورها توجه القرارات المؤثرة في الاستثمارات بعيدة المدى للقوات المسلحة، وتوجهات السياسة الخارجية، وطبيعة الأرصدة الدبلوماسية والاستخبارية التي يجب استخدامها. كما يساعد المبدأ على حشد الدعم الشعبي للتضحيات التي قد تكون ضرورية، إضافة إلى انه يرسل إشارات واضحة إلى الدول الأخرى في العالم، خاصة الكبرى منها.

إدارتا بوش الاب وكلينتون داعبتا فكرة هذا المبدأ (الأولى عبر طرح مشروع النظام العالمي الجديد، والثانية بالدعوة إلى الحركية الدبلوماسية وتوسيع الديمقراطية). أما إدارة بوش الحالية فطرحت ما سمي ldquo;مبدأ بوشrdquo; الذي لم يكن في الواقع سوى مزيج من العمليات لمكافة الإرهاب، والانفرادية العالمية، والحروب الاستباقية. وهذا مبدأ ضيّق لم يوفر أصلاً خريطة طريق حول كيفية التعاطي مع غالبية الفرص والمخاطر الكامنة في العولمة والعلاقات الدولية.

لقد حاول بوش الابن في ولايته الثانية وضع مقاربة أكثر تنسيقاً للسياسة الخارجية الأمريكية، عبر تكثيف الدعم للديمقراطية ورفع شعار ldquo;مصالح أمريكا الحيوية وأعمق معتقداتنا أصبحت الآن واحدةrdquo;.

بيد انه سرعان ما تبينت هشاشة هذه الشعارات، حين اصطدمت بتعثر المشاريع الأمنية السياسية الأمريكية في العراق وأفغانستان. إذ حينذاك، لم ترتفع الأصوات المعارضة التي تطالب بفك الارتباط بين الديمقراطية والامن القومي الأمريكي فحسب، بل أيضاً اوحت إدارة بوش نفسها بأنها هي أيضاً تنوي إدارة الظهر لهذا الربط.

لكن، إذا ما تم إدخال هذه التعديلات الجذرية على ldquo;مبدأ بوشrdquo;، ماذا سيتبقى من الاستراتيجية الامريكية الشرق أوسطية؟