الإثنين: 2006.11.20

عائشة المري

ما العمل؟ أكبر من سؤال وأعمق من مجرد تساؤل طرحته الإدارة الأميركية حول الوضع في العراق، ما العمل؟ بداية اقترح النائب quot;الجمهوريquot; عن ولاية فيرجينيا فرانك وولف في الكونجرس تأليف لجنة مشتركة بين الحزبين quot;الجمهوريquot; وquot;الديمقراطيquot; من أجل توفير quot;عيون جديدةquot; تلقي نظرة تقويم شاملة على الوضع في العراق والخيارات الواقعية المتوافرة للولايات المتحدة، وهي فكرة وافق عليها وأقرها الكونجرس في 15 مارس الماضي، وطلب الكونغرس من أربع مؤسسات للأبحاث في طليعتها quot;المعهد الأميركي للسلامquot; الذي يموله الكونغرس، وquot;مركز جيمس بيكر للسياسة العامةquot; في جامعة رايس، وquot;مركز دراسات الرئاسة الأميركيةquot;، وquot;مركز الدراسات الاستراتيجية الدوليةquot; في واشنطن، تسهيل عمل اللجنة، عن طريق تشكيل أربع لجان استشارية لمعالجة قضايا: الاقتصاد وإعادة الإعمار، والشؤون الأمنية والعسكرية، والشؤون السياسية، والمناخ الاستراتيجي (في العراق والمنطقة، ولن تتطرق اللجنة إلى الظروف والأسباب التي أدت إلى غزو العراق، بل ستركز على تقديم التوصيات عما ينبغي عمله في المستقبل).
إنها لجنة ترسم خريطة طريق للولايات المتحدة في العراق، لجنة لا تهدف إلى وضع آليات للانتصار، بل تقديم حلول لإنقاذ ماء الوجه كما أقر مدير quot;مؤسسة جيمس بيكرquot; أدوارد دجيرجيان. quot;عيون جديدةquot; تلقي نظرة تقويمية شاملة على الوضع في العراق والخيارات الواقعية المتوافرة للولايات المتحدة. إن واشنطن تعيش هذه الأيام حمى العراق، وبعيداً عن انتخابات الكونجرس وفوز الحزب quot;الديمقراطيquot; بالأغلبية كانت مراجعة الوضع في العراق أولوية فرضتها تطورات الأوضاع على الأرض بعد أن بلغ العنف مؤشرات خطيرة وبدا أن العراق مقبل على حرب طائفية أهلية. ففي كلمة للجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط بعنوان quot;الحرب الطويلةquot;، في جامعة هارفارد، ذكر فيها أن العالم سيواجه حرباً عالمية ثالثة إذا لم يجد وسيلة لوقف تزايد التشدد الإسلامي. وقد قارن بين ظهور إيديولوجيات المتشددين مثل القوة التي تحرك quot;القاعدةquot; وظهور الفاشية في أوروبا في العشرينيات والثلاثينيات، والتي مهدت الطريق أمام الحرب العالمية الثانية. وذكر في كلمته أن العالم يواجه ثلاث عقبات رئيسية في إشاعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وهي تخفيف التوترات بين العرب وإسرائيل، ووقف انتشار التطرف، والتعامل مع إيران التي تتهمها واشنطن بالسعي إلى تطوير أسلحة نووية. وقال أبي زيد: quot;وتصادف أن تجمعت المشكلات الثلاث في مكان واحد اسمه العراقquot;.
فهل يمكن تغيير مسار السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ وكيف؟ مهندس السياسة الخارجية الأميركية إبان عهد جورج بوش الأب وحكيم quot;الجمهوريينquot; جيمس بيكر ترأس quot;مجموعة دراسة العراق لعام 2005quot;، التي أنيطت بها مهمة وضع quot;استراتيجية بديلةquot;، استراتيجية قد لا تتوافق مع المصلحة العراقية والمصلحة العربية، وقد تصدم حتى المرتكزات التي تستند عليها السياسة الأميركية الحالية. والإدارة الأميركية لن تلقي بالاً في تغيير استراتيجيتها بما يتلاءم مع مصالحها وأهدافها في المنطقة، وبدأت فعلياً تظهر مؤشرات من خلال تسريبات إعلامية لتوصيات اللجنة والمنتظر أن تنشر تقريرها في بداية العام القادم. أولى بوادر التوصيات ترتكز على شقين أولهما دعم الاستقرار في العراق والمنطقة من خلال سلسلة من الخيارات على انسحاب تدريجي من العراق، لكن من دون تحديد جداول زمنية ملزمة، مع ربط هذا الانسحاب ضمناً بتقدم عملية تدريب القوات العراقية، ومن ناحية أخرى تحفيز الميليشيات العراقية المسلحة على الانضمام إلى العملية السياسية في العراق واحتوائها تدريجياً. ويندرج تحت خيار دعم الاستقرار فتح حوار مع جيران العراق الإقليميين، الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا، وظهرت مؤشرات بأن غالبية أعضاء اللجنة، بمن فيهم الأعضاء quot;الجمهوريونquot;، يؤيدون إشراك جيران العراق في أي حل دائم، للمعضلة العراقية، ولذلك من المتوقع أن يوصي الفريق بإشراك جيران العراق وتحديداً إيران. أي أن تقفز الاستراتيجية الأميركية بالسياسة الأميركية للتحالف مع الدول المارقة ودولة في quot;محور الشرquot; كما أسماها الرئيس الأميركي، بما ينتظر أن يساهم في إنهاء المأزق العسكري في العراق.
ثاني المقترحات وأكثرها أهمية لدول المنطقة خيار إعادة الانتشار والاحتواء وتقوم فكرة هذا الخيار على دعم الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية على مراحل، ومن ثم نقلها إلى قواعد خارج العراق وتجهيزها بقدرات واستعدادات لضرب المنظمات المتطرفة في المنطقة وللتحرك أينما استدعت الحاجة، وهو خيار يتسم بالمرونة الشديدة والقدرة على المناورة دون الاعتماد على تقديم تنازلات للجيران الإقليميين للعراق. وبذلك ستنحو السياسة الأميركية نحو التفكير القديم الذي يقوم على الاحتواء والردع والحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط.
ومع تسرب هذه التوصيات ظهرت بوادر قلق مشروع وعلى جبهات ذات صلة بالعراق إزاء تأثير التحالفات الجديدة على حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، بما قد يرسم خريطة سياسية جديدة لمرحلة ما بعد العراق. لا تحمل اللجنة عصا سحرية تجمل الأوضاع في العراق لتجعلها أقل جنوناً أو تغير السياسات الأميركية لتصبح أكثر قبولاً وعدالة. البحث عن خيارات استراتيجية مهمة أوكل لعبقري السياسية الأميركية جيمس بيكر ليصب فيها كل خبراته السياسية وستصب توصياته بالختام في تشكيل السياسة الأميركية نحو العراق والمنطقة العربية والشرق الأوسط.
لقد وقفت الإدارة الأميركية عند السؤال العراقي فالعراق يمر بحالة من الحرب الأهلية الخطيرة وكل الجهود التي بذلت ومازالت لإنجاح العملية السياسية وإحداث نقلة في الأوضاع الأمنية باءت بالفشل، في ظل مخاطر متصاعدة بأن تتفتت الدولة العراقية. وبدأت ترسم لها خريطة طريق للخروج من العراق أو ما تبقى من العراق باحثة عن خيارات جديدة حتى ولو كانت التحالف مع أعداء الأمس. فالمحافظة على الوضع القائم أو العمل في نطاق الأوضاع القائمة خيارات أثبتت فشلها فكان ولابد من صياغة أوضاع جديدة تتناسب مع المصالح الأميركية حتى ولو أدى ذلك إلى خلقها.
إن الفوضى المتفاقمة داخل العراق تجتذب قدراً متناقصاً من الاهتمام، وتزدحم العواصم الغربية والعربية بتحليلات واقتراحات وتنبؤات للأوضاع في العراق ومستقبل الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وسيظل العراق قضية حية ومتفجرة، وسيبقى معها سؤال عربي حائر: ما العمل؟.