زويب برادفورد - فايننشال تايمز

أنني أشارك كلا من روبرت كاغان ووليام كريستول قلقهما الذي حذرا من خلاله على صفحات الفايننشل تايمز مؤخراً من أن الأوضاع المتدهورة في العراق ستفضي الى فشل مقرون بتبعات كارثية. لكن الحل الذي يقترحانه لا يصمد أمام الواقع، فهما يدعوان الى زيادة عدد القوات الاميركية في العراق بحوالي 50000 جندي. وعلى ضوء الحالة القائمة للقوات البرية الاميركية فإن مثل هذا الأمر لا يبدو ممكناً على المدى القصير بكل تأكيد.

يبلغ عدد القوات الاميركية المنتشرة في العراق حاليا نحو 140000 جندي، بمن فيهم افراد الحرس القومي وعناصر الاحتياط من الجيش ووحدات سلاح البحرية الاميركية. وللابقاء على زخم هذه القوة، يتطلب الأمر وجود قاعدة تدوير يبلغ حجمها ضعفي او ثلاثة اضعاف هذا الحجم، لأنه يجب أن تكون في مقابل كل وحدة منخرطة في العمليات العسكرية واحدة أخرى تستعد للانتشار لتحل محل الوحدة العائدة، وواحدة أخرى تكون قد عادت الى الولايات المتحدة لاعادة تجهيزها ولتدريب الجنود الجدد ولتمضية الجنود بعض الوقت مع عائلاتهم.

واذا ما حدثت زيادة في التواجد الاميركي في العراق بمثل هذا الحجم، فان الزيادة الكلية في الجيش وحده ستتطلب توسيعا هائلا يصل الى اكثر من 100000 جندي. ولا يبدو ذلك ببساطة أمراً مجدياً في اي اطار زمني من شأنه ان يحدث فرقاً. أما فيما يتعلق بوحدات الحرس القومي فإن هناك قيوداً أخرى تحد من مزيد من الانتشار، اذ يجب ان تعتمد هذه القوات على الجيش في العمليات اللوجستية وتوفير الدعم في مسرح القتال. ومن شأن ذلك ان يزيد من حجم الضغوط على الهيكل اللوجستي للجيش في العراق.

كل ذلك في وقت تضطلع فيه الولايات المتحدة أيضا بالتزامات اخرى مهمة يجب الوفاء بها كما هو الحال في كوريا الجنوبية وفي افغانستان. ومع أن هناك، بالطبع، quot;قواتquot; اضافية متوفرة، إلا أن الزج بها في الميدان سيفضي الى فرض تكلفة غير مقبولة على القوات الاميركية ككل، وعلى وضع اميركا العالمي أيضاً.

يمكن ان يكون هناك تسارع في الاحلال في مسرح القتال، لكن إرسال خمسة آلاف او حتى خمسين الف جندي آخرين بهدف quot;تنظيف بغداد والاحتفاظ بهاquot; سيكون مجرد نقطة في بحر حرب أهلية متأججة في مدينة يربو عدد سكانها على الستة ملايين نسمة. ولعل تصاعد وتيرة العنف الأخيرة في الايام الماضية قد أشر على مرحلة جديدة من تفسخ العاصمة. كل ذلك يثير تساؤلات لا تتصل بالجدوى وحسب، ولكن بالرغبة ايضا. إذن، ما هو الهدف؟ هل هو القضاء على ميليشيات رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر؟ ان اقتراح فرض مثل هذه المهمة المزدوجة على قوة متطوعة كان لها عدة عمليات انتشار سابقة ينم عن تجاهل لمعطيات الوقائع الخاصة بالحالة الراهنة للقوات الاميركية.

لقد كان قرار غزو العراق باستخدام الحد الادنى من القوات المعدة فقط لخوض حرب quot;خاطفةquot; خطوة حمقاء يستحيل الان تصحيحها عسكرياً. ذلك ان مهندسي استراتيجية العراق الاميركية لم يتوقعوا احتلالا طويل الأمد وتمرداً شرساً. ومن هنا بات لدينا الان قوات في العراق لا تكفي للنهوض بالمهام الملقاة على عاتقها.

لعل اي حل للوضع الذي نواجهه في العراق وفي المنطقة يجب ان يبدأ بمواجهة الواقع، وهو ان الولايات المتحدة لا تمتلك القدرة الفعلية على زيادة عدد قواتها في العراق بصورة دراماتيكية. وزيادة على ذلك، فهي لا تملك الارادة السياسية لمحاولة ذلك اذا ما اعتبرنا نتائج الانتخابات النصفية الاميركية الاخيرة مؤشراً ذا دلالة، ويجب أن ترمي اي اجراءات تتخذ في المستقبل الى التعويض عن عدم قدرة الولايات المتحدة على خوض غمار الحرب وحدها. وعلينا ايضاً ان نعترف بحقيقة أن ايران ستستمر بالاضطلاع بنفوذ قوي في المنطقة. ولا غرو، فقد تعززت قوتها بشكل كبير على اثر سقوط نظامي طالبان في افغانستان وصدام حسين في العراق، وهما النظامان السنيان اللذان كانت الولايات المتحدة قد جلبتهما الى سدة الحكم في البلدين المذكورين.

لذلك كله، ينبغي للولايات المتحدة ان تقدم تنازلات مقيتة، وان تكون محددة بدلاً من محاولة التسرع في الزج بتعزيزات للقوات كما يقترح السيدان كاغان وكريستول. وعلينا ان نشرك تلك الاطراف التي تملك حصة في مستقبل العراق للاسهام عسكرياً وسياسياً في دعم عملية اضفاء الاستقرار على البلد حتى يتم التوصل الى تسوية. ويعني هذا شمول ايران وسورية بالاضافة الى السعودية والاردن ودول اخرى. ويجب علينا ان نعطي لذلك السعي عدة اشهر دون ان نحدد موعداً نهائياً. واذا ما اخفق هذا الجهد، فإن علينا ان نكون مستعدين للتفاوض من اجل انسحاب اميركي او اعادة انتشار مع العراقيين ومحاولة الحد من التبعات العكسية قدر الامكان. وعليه، فإني أتفق مع الرأي القائل بأن على الولايات المتحدة وحلفائها السعي للتخفيف من الاضرار التي تلحق بالعراق إلى الحد الأدنى. وربما يكون المتطلب الاول مع ذلك هو الاعتراف بمحدودية إمكانياتنا الخاصة.