المنامة ـد. عبد العاطي محمد، الأهرام

في مكتبه بالمنامة التقت ـ الأهرام العربي ـ بالشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني وطرحت عليه أبرز التساؤلات في الملفات الساخنة العربية الآن، بدءا من أمن الخليج إلى عملية السلام المتميزة مرورا بالوضع المتفجر في العراق ولبنان.. أجاب بصراحة تنطلق من الثقة بالنفس ووضوح الرؤية والالتزام بالثوابت العربية.. قال إن منطقة الخليج كثيرا ما تعرضت لمخاطر ولكن جديدها اليوم هو دخول العنصر الطائفي في التهديدات المحدقة باستقرار وأمن دول المنطقة في

إشارة إلى تداعيات الوضع في العراق، ولم يخف قلق دول الخليج العربية من قرب المنشآت النووية الإيرانية لأراضيها برغم تأييد هذه الدول لحق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية.. وأعرب عن اهتمامه بتفعيل لجنة العراق بالجامعة العربية مشيرا إلى انعقادها في القاهرة 5 ديسمبر/كانون الأول، ودعا إلى تحرك عربي من خلال الجامعة العربية لجمع الفرقاء اللبنانيين وإعادتهم إلى مائدة الحوار.. وتالياً تفاصيل الحوار الذي تنشره ldquo;الخليجrdquo; بالاتفاق مع ldquo;الأهرام العربيrdquo; التي تنشره في عددها الصادر غداً:

كيف تنظرون للمخاطر التي تحيط بمنطقة الخليج الآن سواء فيما يتعلق بتداعيات الملف النووي الإيراني أو الوضع المتفجر في العراق؟

- كانت منطقة الخليج معرضة دائما لأخطار كثيرة وليس فقط في الوقت الراهن، فقد مرت بحروب وأوضاع غير مستقرة ولو عدنا إلى الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لوجدنا أنه كان هناك خطر شيوعي من اليمن الجنوبي يهدد منطقة الخليج بشكل مباشر، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية الأولى وهددت المنطقة أيضا وأثرت في حركة التجارة والملاحة ونقل الطاقة، ثم جاء احتلال العراق للكويت، وآنذاك أيضا كان هناك الغزو السوفييتي لأفغانستان.. ولذلك أقول إن تعرض منطقة الخليج لمخاطر ليس بالشيء الجديد، وإن كنا واعين بحجم هذه المخاطر.. إلا أن المخاطر في الفترة الحالية اتخذت منحى غير طيب ألا وهو دخول العنصر الطائفي في المسألة، وهو ما يؤثر في مجتمعات الخليج.. ونحن في البحرين بقيادة الملك حمد بن عيسى حريصون جدا من خلال مشروعه الإصلاحي على أن تتجاوز البحرين هذه المرحلة بأقل الخسائر، فالمسألة إقليمية وليست داخلية في هذه القضية. إننا نرى أن الخطر جد وموجود. هناك حرب وقتل على الهوية داخل العراق الشقيق، وشد وجذب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني مما يدخل دولا كبرى في هذا الشأن. ونحن حريصون على ألا يصل الأمر إلى استخدام القوة، بل نؤيد ونؤكد دائما على الحل السلمي.

ولكن مفهوم أمن الخليج يتعرض لتصورات تلقي عليه بعض الظلال في الوقت الراهن.. فهناك مبادرات عديدة لتحديد هذا المفهوم تعكس مصالح مختلفة لأطرافها، منها مثلا ما يتصل بالمطروح من حلف الناتو أو من فرنسا (مجموعة 6+8)، أو ما يطرحه معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن.. أين التصور الخليجي المستقل؟

- بما أن الخليج منطقة مهمة للعالم حيث تتحكم في مصدر مهم للطاقة يصبح للكل دور في حفظ وحماية أمن واستقرار منطقته.. نحن لدينا في مجلس التعاون الخليجي رأي لحماية أمنه من ضمن المنظومة العربية بجامعة الدول العربية وتفاهمات واتفاقات مع الدول الحليفة والصديقة لأن لها مصلحة في حماية منطقة الخليج، المسألة ليست محصورة فقط في دول الخليج ودول أخرى بعيدة.. هناك مصلحة لدول إقليمية كبيرة بأن يكون الخليج مستقرا، وأقصد في هذا الشأن مصر التي لها مصلحة في أن تكون منطقة الخليج مستقرة ومنفتحة ومزدهرة، لأن في هذا مصلحة للجميع، وكذلك الأردن ومختلف الدول، ومثلما أيضا لدول الخليج وغيرها مصلحة في استقرار العراق وفي عدم تعرض إيران لحرب بل العمل على حل سلمي لملفها. هناك حوار سيجرى في البحرين بعد عدة أيام ينظمه معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن في ثالث دورة له، وكان يطلق عليه اسم حوار أمن الخليج وتغير اسمه الآن نتيجة لأنه يستمر في البحرين فأصبح حوار المنامة للأمن. سيشارك فيه كبار رجال الأمن والإستراتيجية من مختلف أنحاء العالم وأنا سعيد جدا بمشاركة أخي الوزير أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري، وسنبحث أمن الخليج من خلال طرح الكثير من الرؤى والأفكار لتتحول بعد ذلك إلى سياسات.

ولكن هناك ثوابت في هذا الطرح بالنسبة للخليجيين؟

- هناك ثوابت معروفة ومتفق عليها في مجلس التعاون وهي أن مسألة حماية الحدود خط حيوي وأحمر لدول المجلس، واستقرار جيران دول المجلس وعدم تعرضهم لكوارث، لذلك فإننا مهتمون جدا بموضوع العراق، وباليمن (المؤتمر الذي عقد في لندن) لأن استقرار اليمن استقرار لنا، ومهتمون بالأردن ومصر وبإيران، ثوابتنا تتركز في استقرار الدول نفسها وعدم تعرضها لخطر، وازدهار واستقرار جيرانها المباشرين.

هل صحيح أن البعد العربي أصبح أقل حضورا في صياغة مفهوم أمن الخليج؟

- البحرين وبقية دول مجلس التعاون لم تنسلخ أو تفصل نفسها أبدا من محيطها العربي. ولها دور بناء وفاعل في هذا المحيط. انظر إلى مبادرة السلام العربية لقد جاءت آنذاك من الأمير عبد الله خادم الحرمين الشريفين الآن... التزام دول مجلس التعاون بالقضايا العربية ومحيطها العربي وتواصلها وبناء قوتها من خلال هذا المحيط، يعد أمرا لا يتطرق إليه الشك... تبقى مصالح العالم لدينا، ونحن نراعيها أيضا وهذه لا تتضارب مع مصالح الدول العربية الأخرى.. مصالحنا متفقة مع مصالح مصر مثلا، ونحن نرى في مصر عمقا، ومن دونها في قضايا مثل الملف النووي أو استقرار العراق نرى أنفسنا كمن ليس له سقف في بيت. فمسألة العمق العربي بالنسبة لنا حيوية جدا.

هل هناك اتصالات من جانب دول الخليج مع إيران لاحتواء أزمة الملف النووي؟

- حجم الموضوع أكبر من أن تتحرك فيه دول الخليج مع إيران، فهو مسألة دولية، أنا زرت طهران وتباحثت مع وزير الخارجية الإيراني متقي وقلت له إنه لا أحد يهضم حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، أما بالنسبة لمسألة السلاح النووي الإيراني فهناك دول كبرى تتعامل مع الملف ونحن غير مشتركين في هذا الجانب، ولكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن لدينا قلقا كبيرا من ناحية قرب المنشآت النووية الإيرانية من منطقة الخليج، ومن ثم خطر تأثيرها في البيئة (120 كيلو مترا عن الكويت و220 كيلو مترا عن البحرين)، نحن مناطق كثافة سكانية وصغيرة المساحة فمن الممكن أن تؤثر بالفعل فينا.. قد يحدث خطأ تكنولوجي أو أن تقوم إحدى الدول بالاعتداء الشامل على إيران، فنتعرض نحن لهذا الخطر من المشروع الإيراني. ونقول دائما لإخواننا الإيرانيين في اجتماعاتنا معهم إنه يجب أن يلتزموا التزاما تاما وبشفافية بأنظمة وكالة الطاقة الذرية ومعاهدة عدم الانتشار.

وماذا عن الملف النووي ldquo;الإسرائيليrdquo;؟

- نحن دائما نقول للإيرانيين، لا تعطوا سببا لrdquo;الإسرائيليينrdquo; بأن يتمسكوا بهذا الملف النووي الذي ما فتئنا نعارضه، ودائما نقول للدول الأخرى لماذا يتعاملون بمكيالين. نقول للإيرانيين نحن معكم في برنامجكم السلمي، ولكن إذا وصلت المسألة لسلاح نووي فلا يجب أن نعطي السبب لrdquo;إسرائيلrdquo; لتتمسك بسلاحها.

ما أبرز قضايا القمة الخليجية المقبلة؟

- التكامل الاقتصادي..

لقد تأخر كثيرا..؟

- المسألة ليست سهلة، هناك اقتصادات ومداخيل مختلفة.. نعم هناك بطء في المسيرة، ولكن ليس هناك تراجع.. نتحرك في الاتجاه الصحيح.. والمطلوب هو أن نسرع العملية لأن العالم يمشي بسرعة أكبر مما يقضي به التكامل الاقتصادي الخليجي. إننا نتطلع أن تكون المواطنة الاقتصادية الخليجية حقيقة، وكذلك تطوير العمل السياسي في منظومة مجلس التعاون بتفعيل اجتماعات دورية لمجالس النواب والشورى، نريد سرعة أكبر في الإنجاز وسنبحث في القمة أيضا إعلانا يتعلق بالتنمية المستدامة وهو قضية مهمة جدا لايزال العمل جاريا فيه ونأمل فيه خيرا.

إذا انتقلنا بشكل أكثر تفصيلا للوضع القائم في العراق، أسألكم لماذا لم تتوصل لقاءات مجموعة دول الجوار إلى نتيجة؟

- فيما يتعلق بالعراق هناك نوعان من الاجتماعات، هناك اجتماعات دول الجوار للعراق العربية وغير العربية وتشارك فيها مصر، واجتماعات لجنة العراق بجامعة الدول العربية وتشارك فيها مصر والبحرين والجزائر. واجتماعات دول الجوار تدور حولها آراء مختلفة، والحقيقة يقع على جيران العراق دور أكبر في التعاون مع الحكومة العراقية لحفظ أمن واستقرار وحدود البلاد. وكثيرا ما أكدت حكومة العراق في الاجتماعات معها على أن مسألة الحدود مهمة جدا وتسبب لها ولنا قلقاً كبيراً. ومن ناحيتي لا أرى من اجتماعات دول الجوار نتيجة أو تقدما يذكر وحتى سمعنا من الأخوة في العراق أنهم في الاجتماع الأخير كانوا غير مرتاحين ويفضلون إذا عقد اجتماع قادم أن يعقد في بغداد أو لا يعقد. وأما لجنة الجامعة العربية فإنها مهمة جدا وقد قامت بدورها بكل أمانة.. اجتمعنا في جدة مع وزير الخارجية العراقي وقام الأمين العام للجامعة العربية بزيارة العراق وحضرنا في القاهرة لمؤتمر المصالحة الذي جمع كل العراقيين، وزار أحمد بن حلي بغداد وعينا سفيرا للجامعة هناك.. وأتساءل إلى أين وصلنا.. أين ما اتفقنا عليه؟.. الآن لدينا اجتماع لهذه اللجنة يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول في القاهرة لنرى ما الخطوة القادمة، لأن ترك الحبل على الغارب في العراق ليس في مصلحتنا ولا مصلحة أحد.

لقد أصبحت الأوضاع صعبة جدا، وسنعقد هذا الاجتماع لتأكيد دعمنا للحكومة العراقية لأن أي أحد يقول إننا لا يجب أن ندعم هذه الحكومة فهو ينادي بمحو العراق من الخارطة، فقد وصل العراق إلى نقطة صعبة جدا جدا، وعلى العالم كله أن يمسك بيده.. فأسلوبنا أن ندعم الحكومة ولا نتخلى عن العراق حتى لا ينهب ويأكل فيه كل من هب ودب.

هل هناك مخاوف خليجية من تزايد النفوذ الإيراني في العراق؟ وهل سيؤدي ذلك إلى مخاوف من الشيعة في دول الخليج؟

- ليس لدينا أي قلق من الشيعة سواء في البحرين أم غيرها من دول الخليج.. الشيعة أهل الخليج.. أهل البحرين.. ما خرجوا من قماشة هذا الوطن.. قماشتنا سنة وشيعة. نحن نخاف من مسألة صب الزيت على النار، وإذكاء نار الطائفية، هذا هو ما نخشاه، ما يجري الآن في العراق من قتل على الهوية هو ما نخاف منه.

بعد أن حصل الديمقراطيون على الأغلبية في الكونجرس.. هل تتوقعون تغييرا في السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط؟

لقد عشنا إدارات أمريكية راحت وجاءت.. تفاوت بينها حجم الالتزام بعملية السلام من أيام ريتشارد نيكسون عندما أرسل كيسنجر وحتى سنوات قليلة مضت. كان هناك التزام أمريكي دائم بعملية السلام بشكل أو بآخر دائما كان هناك تحرك من أمريكا.. وفي السنوات الأخيرة لاحظنا ابتعادا وعدم التزام وهو الذي أدى إلى الوضع السيىء الذي تمر به عملية السلام.. أنا أتعشم أن تنتبه الإدارة الحالية وينتبه الكونجرس بتشكيلته الجديدة إلى أن مسألة السلام في الشرق الأوسط دقيقة ومعقدة ويجب ألا تترك لحالها ولأهلها، بل يجب أن يكون هناك تدخل دولي كبير. الآن بدأنا نرى بوادر... هناك مبادرة أوروبية (فرنسا إسبانيا إيطاليا)، هي بدورها تحتاج إلى دعم من الولايات المتحدة لأن دورها أساسي ورئيسي.. أتمنى أن يتنبهوا لذلك لأن هناك بوادر مشجعة من ldquo;إسرائيلrdquo; ومن العرب، وأن يهتموا بالسلام وبالمبادرة العربية.

يتصاعد الوضع تدهورا في لبنان إلى درجة المخاوف من عودة الحرب الأهلية.. كيف تقرأون الأزمة اللبنانية؟

- الوضع مقلق جدا.. جريمة اغتيال وزير الصناعة الشيخ بيار في وضح النهار.. وغيرها من الجرائم السابقة.. نحن قلقون على لبنان والشأن فيه متفجر.

وماذا عن حزب الله؟

- هو جزء من شعب لبنان وحركته ومشهده السياسي. ولكن ما يقلقنا في الوضع اللبناني هو احتكام الشعب اللبناني بأطيافه دائما إلى السلاح إذا ما اختلفوا في شيء، وكذلك الاحتكام إلى الخارج ويستنصرون بقوة ضد أخرى.. لبنان من أجمل بلدان العالم وشعبه من أكثر شعوب العالم إنتاجا وإبداعا، ولكن الوضع السياسي أصبح مقلقا جدا جدا.. وسوف أتباحث مع أخي عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية في كيفية قيامنا بدور بناء، بأن نجمع الأطراف مع بعضها بعضاً ليتواصل الحوار فيما بينهم خصوصا أن الحوار كان ناجحا في فترة من الفترات.. يجب أن نقوم بدور لجمع الفرقاء في لبنان وإبعادهم عن حمل السلاح لأن ذلك لن يؤدي إلا لمزيد من الفرقة لهذا البلد الجميل.