صباح أمس (الخميس) 26 من الشهر الحالي، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفَّذ توغلاً جديداً في مناطق جنوب نهر الليطاني تجاه قريتَي عدشيت القصير والقنطرة القريبة من مجرى نهر الليطاني، ونزولاً تجاه وادي الحجير. تزامن ذلك مع ما نقلته قناة «العربية» عن أن تل أبيب أبلغت لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار أنها قد تُمدِّد بقاء قواتها في الجنوب بعد انتهاء مدة 60 يوماً. هذه التطورات الميدانية سبقتها قبل أيام غارة عنيفة في منطقة البقاع الشمالي، تضاف إلى ما يزيد على 270 خرقاً إسرائيلياً للاتفاق منذ توقيعه، مع استمرار انتهاك المُسيَّرَات وطائرات الاستطلاع للأجواء اللبنانية، خصوصاً سماء العاصمة بيروت.

في هذه الأثناء، تنتظر الحكومة اللبنانية وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان، آموس هوكستين، الذي يحمل في زيارته المرتقبة -وقد تكون الأخيرة- أكثر من ملف، في مقدمتها تثبيت وقف النار، ولكن وفقاً للمصلحة الإسرائيلية، التي تسعى إلى إرساء قواعد اشتباك جديدة تحاول إسرائيل فرضها. قد تكون هذه القواعد موجودة في نص الاتفاق، ولكن لم يُعلَن عنها، وتسمح للعدو بحرية الحركة الكاملة في لبنان براً وجواً وبحراً. إضافةً إلى ذلك، هناك الملف الرئاسي، الذي على الرغم من كل التفاؤل بإنجازه، لا يبدو أنه قد نضج، وأن الموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يكون قابلاً للتغيير.

جنوباً، تستمر تل أبيب في محاولات تفكيك قدرات «حزب الله» القتالية وإبعاد نشاطه عن مناطق جنوب النهر، والعمل على منع عودته إليها، إضافةً إلى منع إعادة تسليحه، حتى لو باستخدام القوة. كما أنها تضغط دبلوماسياً وأمنياً، مع حلفائها الغربيين، على فرض تطبيق جميع القرارات الدولية المعنية بنزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان. وهذا يعني تسليم الحزب سلاحه على الأراضي اللبنانية كافة. في المقابل، يعمل الحزب على خطين متوازيين: الأول، فرض تفسيره الخاص للاتفاق، واللعب على صيغته اللغوية، وحصر تطبيقه في مناطق جنوب النهر، موضحاً أكثر من مرة أنه غير معنيٍّ ببعض تفاصيل الاتفاق الذي وقَّعته الحكومة اللبنانية بغطاء من الرئيس بري، شريك الحزب الرئيسي وآخر حلفائه. أما الخط الآخر، فإن تمسكه بتفسيره يبرر له الحفاظ على ما تبقى له من سلاح في مواجهة التعنت الإسرائيلي مستقبلاً، واحتمال عدم الانسحاب من الحافة الحدودية أو بسبب التوغلات المستمرة وعدم تطبيق الجانب الإسرائيلي للاتفاق، حتى يعيد نشاطه العسكري. خصوصاً أن الحزب خاض قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 مواجهات على طول مناطق الشريط الحدودي المحتل، وكان مقاتلوه يتسللون إلى تلك المناطق. أما الآن، فمقاتلوه لديهم معرفة جغرافية بالمناطق الجنوبية، وهم جاهزون للتحرك عسكرياً عندما تحين الفرصة.

حتى الآن، يحاول الحزب إنكار المتغيرات الكبرى التي جرت في لبنان والمنطقة. فهو من دون حلفاء داخليين وإقليميين، وخسر أيضاً جزءاً من جمهوره، وسط امتعاض في الفضاء الشيعي العام نتيجة تكلفة حرب الإسناد، وخذلان الحلفاء، والتأخر في طمأنة الجنوبيين حول تعويضات الحرب وإعادة الإعمار، وشبهات فساد في هذا الملف، وشروط سياسية من الدول المانحة مطلوبٌ تطبيقها قبل تقديم أي مساعدة.

بينما يسيطر القلق على الجنوبيين بسبب أمانهم والخوف من عدم عودتهم إلى قراهم المهدَّمة، يبحث الحزب عن مشروعية جديدة لسلاحه وعن حصته وشريكه في الثنائي في تركيبة السلطة، أي إعادة تعويم المنظومة الحاكمة وفسادها كأن شيئاً لم يحدث. كل هذا والإسرائيلي يصول ويجول في الجنوب، متذرعاً ببنود اتفاق رعاه شريك الحزب في «الثنائي الشيعي» ووقعته الحكومة التي فرضها على اللبنانيين. لذلك، يمكن القول إن الجنوبيين أمام مخاطر أمنية كبيرة إذا قرر العدو تصفية حساباته نهائياً في لبنان.

وعليه، ليس بالضرورة أن ينهار وقف إطلاق النار، ولكن لم تعد مستبعدة عودة الأعمال القتالية. خصوصاً أن العدو يستمر في تعنته وقد يُصرُّ على احتلاله، والحزب يحتاج إلى مبررات لسلاحه. وفي هذه المعادلة السياسية، فإن الأزمة لن تبقى حدودية، بل ستنتقل إلى الداخل وتعيد فرز الانقسامات ما بين سكان جنوب نهر الليطاني غير القادرين على العودة وشمال النهر الخائفين من المصير ذاته، والحزب المتمسك بسلاحه، والداخل الرافض لسرديته.