محمد بن عيسى الكنعان

بجيرانها تغلُو الديار وترخُص، قالها الشاعر العربي في تبيان قيمة الجار الذي بسببه تصبح الديار غالية، والديار هنا هي الأحياء السكنية في عرفنا اليوم. ولا شك أن كل ديار أو أحياء كان فيها أو سكنها الجار العزيز الراحل مساعد بن حمد الضاوي - عليه رحمة الله - هي ديار غالية ولا تقدر بالذهب، ولا تشترى بالمال، فقد كان نِعم الجار بحسن الجوار، رحم الله أبا محمد، جارنا الطيب، الذي رحل عنّا يوم السبت 6 جمادى الآخرة 1446هـ (7 ديسمبر 2024م) بعد صراع طويل مع المرض لسنوات، جعله الله تطهيرًا له ورفعةً له بدرجات الجنان، وقد صُلي على جثمانه الطاهر في جامع المهيني، يوم الاثنين 8 جمادى الآخرة 1446هـ (9 ديسمبر 2024م) ودفن في مقبرة الشمال بالرياض.

تعرّفت على أبي محمد مساعد الضاوي - تغمده الله بواسع رحمته - خلال الأيام الأولى من سكني في حي الفلاح عام 1428هـ، فقد كان من سكان الحي منذ عام 1421هـ، ثم توطدت العلاقة معه بحكم الجيرة والدورية نصف الشهرية، التي تضم مجموعة من سكان الحي المتجاورين للاجتماع واللقاء بين صلاتي المغرب والعشاء، خاصةً بعد أن عرف أني من أهل حائل، فقد كان - رحمه الله - من محبيها، كونه عمل فيها مديرًا عامًا لمديرية الزراعة والمياه بمنطقة حائل 1414هـ ولمدة عامين، فكان خلالها نعم المسؤول والإداري المتمكن، الذي استطاع أن يوازن بحسن إدارته، وكريم خلقه، ورقي تعامله بين خطط الحكومة التنموية، ومتطلبات المنطقة وتطلعات أهاليها، فرفع من مستوى النشاط الزراعي بالمنطقة وعمل على حل مشكلاتها، لهذا كثيرًا ما واجهت أناسا يذكرونه بالخير والطيب، ويستعيدون ذكريات الأيام الجميلة للزراعة مع مساعد الضاوي عليه رحمة الله، لقد حبّته حائل وهو أحبها، حتى إنه حدثني عن ذلك مستذكرًا أيامه الأولى بحائل عندما تم تعيينه مديرًا عامًا لمديرية الزراعة، بأنه ابتداءً لم يكن متحمسًا لذلك المنصب؛ كونه كان يتطلع إلى العمل في الرياض محل إقامته، إلا أن الصورة اختلفت عنده بعد أيامه الأولى بحائل، فقد شعر أنه بين أهله، وكأنه يعرف زملاء العمل من سنوات بسبب الطبيعة الاجتماعية لأهل حائل، فذكر لي أن السنتين اللتين عاشهما بحائل من أجمل سنوات عمره عليه رحمة الله، وهذا يعكس نبل مشاعره وصدق وفائه. بل أذكر من لطائف كرمه أنه استضافنا - نحن مجموعة من سكان الحي- لزيارة مدينته حرمة والمجمعة، وذلك عام 1438هـ (2017م) فكان ضمن البرنامج زيارة المقر القديم لنادي الفيصلي، حيث أشار إلى صورة قديمة جدًا - وهو يخاطبني - بأنها صورة لوفد الفيصلي بطريقه إلى حائل عبر طريق ترابي.

لقد كان مساعد الضاوي شخصية اعتبارية بحكم خصاله الحميدة، وأخلاقه الرفيعة، وعلاقاته الاجتماعية، كما كان قامة وطنية بمسيرته الوظيفية الحافلة بالإنجازات لخدمة الوطن ومصلحة المواطن، كما كان - رحمه الله - نموذجًا حيًا للمواطن السعودي الذي يُحب وطنه بصدق الانتماء، ويحب قيادته بصدق الولاء، ويحب الشعب السعودي بصدق الوفاء. أما جيرته على مدار 17 عامًا فكانت استثنائية بتواصله المستمر حتى وهو في مرضه، وكريمة بتعاهد جيرانه بهدايا منتجات مزرعته، ومميزة بتعامله الراقي عليه رحمة الله فما لقيته إلا مبتسمًا، حفيًا بك وكأنك أخص الناس بالنسبة له. رحم الله أبا محمد، سيبقى - بمشيئة الله - حاضرنا في خواطرنا، وخالدًا في ذاكرتنا، داعيًا المولى عز وجل أن يجعل الخلف بأبنائها الأعزاء.

بقي أن أشير إلى شيء من سيرته العطرة، فهو: مساعد بن حمد بن ناصر الضاوي، من أهل حرمة، ولد في الأرطاوية عام 1374هـ، وبها كانت نشأته. حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة زراعية من جامعة الملك سعود بالرياض. خلال مسيرته العملية ‏تقلد عدة مناصب بدأها ‏مهندسًا زراعيًا في مديرية الشؤون الزراعية بمحافظة المجمعة عام 1396هـ، ثم ‏مديرًا عامًا للزراعة والمياه بمنطقة سدير 1397هـ، ثم ‏مديرًا عامًا لمديرية الزراعة والمياه بمنطقة وادي الدواسر 1412هـ، ‏ثم مديرًا عامًا لمديرية الزراعة والمياه بمنطقة حائل 1414هـ، وبعدها بعامين تم تعيينه ‏مديرًا عامًا لإدارة استثمار الأراضي في وزارة الزراعة والمياه، ثم ‏وكيلًا مساعدًا لشؤون الأراضي بالوزارة 1419هـ؛ حيث استمر حتى ‏تقاعد مبكرًا عام 1426هـ، وبحكم شخصيته المعطاءة وخبرته الطويلة فقد كان ‏عضوًا في عدد من اللجان من أبرزها: ‏اللجنة المحلية لتنمية وتطوير القرى في مناطق سدير ووادي الدواسر وحائل، ‏وفي مجلس منطقة حائل، ‏والجمعية السعودية للعلوم الزراعية، وكان نائب الرئيس في أول مجلس إدارة، وعضو أول مجلس إدارة للتنمية الاجتماعية في حي الفلاح بالرياض، و‏عضو مجلس إدارة شركة نادك ثلاث دورات الأولى كممثل للوزارة، كما ‏شارك في عدد من الوفود الحكومية خارج المملكة خلال فترة عمله. رحمك الله يا جارنا الطيب.