خالد بن حمد المالك
هناك ما يُسمى بالخلايا النائمة، وهي الفئات التي تعارض التغيير الذي حدث في سوريا، وقد تنظم صفوفها، وتخلق إرباكاً للثورة، وإزعاجاً لها، كما حدث يوم الأربعاء الماضي.
* *
قد تكون مسيَّرة من الخارج، وقد لا تكون، ولكنها في كل الأحوال لا تنطلق من مبدأ تمهيد الطريق نحو بناء سوريا من جديد، بعد سنوات من القهر والظلم والتخلّف، وكتم أنفاس الشعب.
* *
وإيران لوَّحت بشيء مما واجهه النظام الذي أزاح بشار الأسد من سدة الحكم، من خلال تصريحات مثيرة لوزير خارجية إيران، شكك فيها بأن ما حدث من تغيير في سوريا هو انتصار للنظام الجديد، وطالب الجميع بالتمهّل، بانتظار ما سيحدث، وكان صدقاً في قوله.
* *
فقد حدثت بالفعل مواجهات وإصابات وقتلى، وكأنها ترجمة لتصريحات الوزير الإيراني، أو تصديق لما قاله، وترتب عليها صدور أوامر تقضي بمنع التجوال، حماية للأرواح، ومواجهة المسلحين بما تقتضيه سوريا من أمن واستقرار مع العهد الجديد، خاصة بعد مقتل 14 وإصابة 10 من قوات الأمن بكمين في اشتباكات في طرطوس.
* *
في المظاهرات التي ظهرت في بعض المدن السورية لوحظ أنها كانت تحمل شعارات طائفية موالية لإيران، وأن هناك أحياء يتحصَّن بها مسلحون من فلول النظام السابق بعد إطلاقهم الرصاص على مدنيين ورجال أمن، وقد أعطي كل من حمل السلاح ضد النظام الجديد مهلة مدتها أربعة أيام لتسليم أنفسهم وأسلحتهم.
* *
والسلطات السورية الجديدة تتهم أيادي خفية، وإن لم تسمها في السعي لإثارة الفتنة، وإن نسبت المظاهر المسلحة المعادية للنظام الجديد في بعض منها إلى فلول النظام السابق، ما جعلها تطلق عملية واسعة لحفظ الأمن، وملاحقة فلول النظام السابق، بعد أن تم تحديد أسماء من أطلقوا النار على رجال الأمن.
* *
ومع الانتشار الأمني الكثيف، وظهور أرتال من الشرطة لضبط الأمن، هددت الإدارة السورية الجديدة بأنها سوف تضرب بيدٍ من حديد كل من تسوِّل له نفسه إثارة الفوضى، والمساس بالسلم الأهلي، والتماسك المجتمعي، مؤكدة أن عهد التجاذبات الطائفية التي غذَّاها النظام السابق قد انتهت، بينما تقول الخارجية الإيرانية إن سوريا تواجه مستقبلاً غامضاً بعد سقوط الأسد.
* *
ومع هذه التطورات، ظهرت أزمة كبيرة بين إيران وسوريا، فعن إعادة فتح سفارة إيران قال الإيرانيون إن ذلك يعتمد على سلوك النظام الجديد، بينما تحدث المرشد الأعلى في إيران بأن سوريا على موعد مع خروج مجموعة من الشرفاء لتغيير النظام الجديد، وكأن خامنئي يتحدث عن دور إيراني كان أو سيكون ضد النظام الجديد.
* *
وفي المقابل تستعد سوريا في ظل نظامها الجديد إلى تقديم مذكرة للمحاكم الدولية تطالب إيران بالتعويض بـ300 بليون دولار عن الضرر الذي لحق بسوريا إثر الوجود الإيراني لدعم بشار الأسد ونظامه، مما سوف يصعّد الخلافات بين الدولتين بعد خسارة إيران لتحالفها مع سوريا إبان حكم الأسد.
* *
أي أن ما جرى في عدد من المدن السورية، وقيل إن شرارته الأولى انطلقت من التصريحات الإيرانية، وافتعال أزمة بسبب تخريب المقام العلوي في حلب، مع أن السلطات السورية تقول إن هذا حدث عند تحرير حلب، وإنه قديم، واستخدم لإثارة الفوضى ليس غير ذلك، إنما يعبّر عن موقف لفلول النظام، وترحيب من إيران يتزامن ذلك مع بيان للطائفة العلوية في حمص تدعو فيه أتباعها لعدم الانجرار خلف الشائعات، وأن عليهم تسليم السلاح.
* *
ومن المهم أمام هذه التطورات أن يترك الآخرون سوريا وشأنها للسوريين، وأن يتجنبوا التدخل في شؤونها الداخلية، فقد عانت كثيراً، كما عانت الدول في المنطقة من آثار سنوات الحرب الأهلية في سوريا، وآن للشعب السوري الشقيق أن يستريح بعد كل ما عاناه من تشرد وضياع وقتل.
* *
إن أفضل ما يمكن أن يقدمه العالم لدعم سوريا، دعماً لمسيرتها في هذه الفترة هو أن يبتعدوا عن إذكاء الخلافات والصراعات بين مكونات الشعب، وتجنب كل ما يؤدي إلى نزاعات لا يستفيد منها السوريون وغير السوريين.
* *
وعلينا أن نتذكر ما آل إليه الوضع في سوريا على مدى عقود من التخلف والانهيار والشتت والضياع بفعل فاعل في الداخل والخارج، ما جعل سوريا تكون على هذا الحال غير المرضي لكل المحبين لها، والمتعاطفين مع شعبها.
التعليقات