الخميس07 ديسمبر2006

خيرالله خيرالله

ما الذي يحصل في لبنان؟ كيف يمكن للبناني يريد مصلحة لبنان، أو لنقل على علاقة ما بمصلحة لبنان واللبنانيين، تعطيل الحياة الاقتصادية في البلد في وقت يمرّ فيه بأزمة اقتصادية عميقة لم يشهد لها مثيلاً حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرضه بين العامين 1975 و1990 من القرن الماضي؟
يبدو غريباً أمر الذين دعوا إلى تظاهرة واعتصام في وسط بيروت بهدف شلّ قلب العاصمة وإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تمثل مع مجلس النوّاب الشرعية في لبنان. هل من تفسير غير أن القائمين على التظاهرة والاعتصام يريدون استكمال الحرب الإسرائيلية على لبنان، حرب الصيف الماضي التي أوقفتها حكومة السنيورة ولا أحد آخر غير حكومة السنيورة.
كلّفت حرب تموز التي تسبّب بها quot;حزب اللهquot; خسائر بمليارات الدولارات. يكفي أن لبنان كان ينتظر مليون سائح، فإذا به يتحوّل ألى بلد فيه مليون نازح. لا يمكن تجاهل أن مقاتلي quot;حزب اللهquot; أبلوا البلاء الحسن في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، لكن ما لا يمكن إلاّ الاعتراف به أيضاً أن لبنان خرج خاسراً من المواجهة. ماذا ينفع أن يعلن quot;حزب اللهquot; انتصاره وأن تلحق بلبنان هزيمة منكرة كالتي لحقت به؟ يكفي عدد اللبنانيين الذين اضطرّوا إلى الهجرة للتأكد من حجم الهزيمة التي أصابت البلد. ويكفي الدمار الذي لحق بمنازل عشرات آلاف اللبنانيين من أهل الجنوب والضاحية ومناطق أخرى في البقاع وحتى في جبل لبنان، حيث لم يوفّر العدوّ الإسرائيلي الجسور ومحطّات الإرسال التلفزيوني للتأكّد من أن لبنان خرج من الحرب منهوكاً.
كان مفترضاً في quot;حزب اللهquot; أن يعتذر الى اللبنانيين وأن يعترف صراحة بأنّه أخطأ بدل البحث عن مبرّرات للكارثة التي حصلت، معتبراً أن إسرائيل كانت تعدّ لعملية كبيرة في لبنان وأن عناية الله كشفت مخططها عندما قام مقاتلوه بعملية خطف الجنديين من داخل quot;الخط الأزرقquot;، أي من داخل الأراضي الإسرائيلية غير المتنازع عليها في الجنوب. كذلك كان مفترضاً أن تكون هناك، بعد حرب الصيف، مصارحة بين الزعماء اللبنانيين من مختلف الاتجاهات في شأن الدروس المستفادة من الحرب، لعلّها تكون الأخيرة وتضع حداً نهائياً للعبة المكشوفة التي تمارسها القوى الاقليمية المتمثّلة بالمحور الايراني ـ السوري على أرض لبنان ـ الساحة. والأهمّ من ذلك كلّه، كان يفترض في quot;حزب اللهquot; امتلاك الشجاعة الكافية للبحث جدّياً في مستقبل سلاحه بعدما تبيّن أن الدور المعدّ له، أي دور الردع، ليس وارداً لا من قريب ولا من بعيد.
والأكيد أن ليس بهذه الطريقة تكُافَأ الحكومة اللبنانية على ما فعلته من أجل لبنان واللبنانيين أوّلاً ومن أجل quot;حزب اللهquot; ثانياً. كان منتظراً أن يشكر الحزب الحكومة ورئيسها وأن يسعى إلى التعويض عن الخطأ الكبير الذي أرتكبه في حق لبنان وأهله. لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث. تكفّلت إسرائيل بقتل الفصل السياحي الصيفي بعدما وفّر لها quot;حزب اللهquot; المبرّرات المطلوبة، وها هو الحزب يكمل على الفصل الشتوي الذي كانت تنتظره آلاف العائلات اللبنانيّة بفارغ الصبر...
الموضوع ليس موضوع الخسائر الاقتصادية التي لحقت بلبنان، الموضوع مرتبط بالسؤال الأساسي هل يمتلك quot;حزب اللهquot; قراره؟ الواضح بعد الذي حصل في الأيّام الأخيرة أن الحزب رهينة، ذلك أنّ أيّ عاقل يدرك أن التظاهرة والاعتصام أكبر خدمة تقدَّم لإسرائيل التي انتهزت خرق quot;الخط الأزرقquot; في الصيف لتدمّر قسماً لا بأس به من البنية التحتية للبلد ولتهجّر أكبر كميّة ممكنة من اللبنانيين من بيوتهم ومن لبنان.
ليس طبيعياً أن تغيب مثل هذه المعادلة عن سياسيين يتمتّعون بمقدار كبير من الحنكة والدهاء، كما حال المسؤولين في quot;حزب اللهquot;. هل الحزب مغلوب على أمره ولا يستطيع شيئاً أمام تلاقي مصلحة طرفي المحور الايراني ـ السوري عند إيجاد فتنة في لبنان معروف تماماً أنّها تصب في خدمة إسرائيل ولا يمكن أن تعود بالفائدة على أي لبناني من أي مذهب أو طائفة أو منطقة؟ الأرجح أنّ الحزب في وضع الذي لا يحسد عليه، وضع من يجازف بالقيام بتحرك يدرك جيّداً أنّه ينطوي على مخاطر كبيرة وخطرة في آن. في طليعة هذه المخاطر انفلات الغرائز البدائية بما فيها الغرائز ذات الطابع المذهبي في وقت يبدو لبنان في غنى عن هذا النوع من المغامرات. هل يعود quot;حزب اللهquot; عن الخطأ الذي أرتكبه قبل فوات الأوان؟ هل يمتلك حرّية العودة عن هذا الخطأ الذي حوّل سلاحه من quot;سلاح مقاومquot; في نظر كثيرين إلى سلاح موجّه إلى صدور اللبنانيين في نظر جميع اللبنانيين، بما في ذلك الذين ركبوا موجة التظاهرة من المسيحيين السذّج الذين اعتقدوا في مرحلة معيّنة أن سلاح quot;حزب اللهquot; سيوصلهم إلى قصر بعبدا... في حين أنّه سيوصل أنصارهم إلى الاستجداء عند أبواب السفارات الأجنبيّة من أجل الحصول على تأشيرة، أي تأشيرة إلى أي بلد في العالم شرط ألاّ يكون أسمه لبنان!