الإثنين 18 ديسمبر2006


دrlm;.rlm; محمد السيد سعيد


سألتrlm;'rlm; وماذا تستطيع مصر أن تفعل لحل الصراعات العربيةrlm;'.rlm; وجاءتني اجابات غاية في التنوعrlm;.rlm; بعض القراء قال نطبق الشرع ونحارب الفئة الباغيةrlm;.rlm; فقلت كيف نعرف الفئة الباغية وكل الفئات تقول أنها مغبونة وإنها تريد السلام والعدلrlm;.rlm; وقال فريق ثان دعنا نتعلم الحب من جديد لكي تكون رسالة الحب لكل العرب بكل فئاتهم وانتماءاتهم المذهبية والدينية قادرة علي الذهاب مباشرة الي القلوب فتنقيها من الضغينة وعقدة الانتقام أو عقيدة التفوقrlm;.rlm;

وتنوعت السبل الي رسالة الحبrlm;.rlm; فقال البعض دعونا نعود الي أغاني الحب الصافية القديمة فتعود مشاعرنا شفافة وخالصة للروح دون ماديات وتشوهات الأغاني المستحدثة وخاصة عليrlm;'rlm; الفيديو الكليبrlm;'rlm; الاباحي والسوقي الذي تغرقنا فيه القنوات الفضائيةrlm;,rlm; وقال البعض دعونا نسلم ولو مرة وظيفة القيادة السياسية للمرأة العربيةrlm;,rlm; فهي أقدر علي نقل رسالة الحب القلبي الخالص بعيدا عن العنف الذي عصف بالرحمة والتراحم بين أبناء الأمة وأشقاء الشعب الواحدrlm;.rlm; وقلت إن ايصال رسالة الحب والأخوة العربية سيكون بالغ الصعوبة ان لم تكن موصولة بحلول سياسية تتوافر لها قوة مهابة وان لم تتوافر علي رسم لعلامات الطريق الي الحق والعدلrlm;.rlm;

وقال فريق ثالث لابد أن نمكن أنفسنا أولا فنستعيد اقتدارنا المفقود واستقلالنا الاقتصادي والسياسي المهدر فتكون لكلماتنا أوزان ولأحكامنا رهبة ولوساطتنا احترام وهيبة فيحل السلام بين العرب وفي ربوع بلادهم حتي يتفرغوا لاعادة بناء حضارتهم واستئناف نهضتهمrlm;.rlm;

فريق رابع من القراء أكد علي معني القدوةrlm;,rlm; وتساءل عن نوعية الحلول والأطروحات التي يمكن لمصر أن تضعها نصب عين إخوتنا في مختلف الدول العربية التي تعاني من الصراعات والحروب الأهليةrlm;.rlm; فأنت لا تستطيع أن تقول بالحل الديموقراطي للصراعات السياسية علي المستوي الوطني دون أن تكون قد أنضجت حلا ديموقراطيا عندك أنتrlm;.rlm; وقال بعض القراء إن بعض الصراعات العربية فيها أطراف تنشد العدالة في توزيع الثروة والسلطةrlm;,rlm; وقد لا يمكن لمصر أن تنصح الاخرين بالعدالة وقد صار توزيع الثروة والسلطة فيها شديد الاختلال وفيه كثير من الظلم والاجحاف بحقوق الطبقات والمناطق الفقيرةrlm;.rlm;

وأشار أخرون الي أن ثمة أوجها أخري لفقدان العدالة والقدوة في ارتباطهما بخطاب الهوية الذي يركز علي جانب علي حساب جانب آخر من الكل المركب للهوية الوطنية المصريةrlm;.rlm; ومن ثم فقد لا تستطيع أن توجه الاخرين لبناء نظمهم السياسية وكيانهم الاجتماعي الوطني علي أساس مبدأ المساواة في المواطنةrlm;,rlm; لأن هذا المبدأ الدستوري الجوهري يتعرض الان لانتهاكات مهمة في الواقعrlm;.rlm; كما أشار آخرون الي أن المواطن المصري لا يمارس بالفعل حقوقه الدستورية أو واجبات المواطنة ولا يهتم بالثقافة ولا السياسة حتي بالمقارنة ببعض الشعوب العربية والأفريقية الشقيقة لأن اللامبالاة صارت قاعدة عامة بين المصريينrlm;.rlm; وتساءل الجميع كيف تعجز الدبلوماسية المصرية عن حل الصراع بين فرقاء الصراع الأهلي المتدهور في فلسطين وأهلها هم الأقرب لنا في النسب والجغرافيا وقضيتهم هي أنبل قضايانا وتاريخهم يكاد يكون هو تاريخنا الوطني القديم والحديث علي السواءrlm;.rlm;

والواقع أن كل هذه الآراء صحيحة بمقادير ودرجات مختلفةrlm;.rlm; ولكن الواقع دائما ما يكون أكثر تعقيداrlm;.rlm; فالسياسة الدولية والاقليمية فيها من معني القوة وعوامل التأثير أكثر مما فيها من عوامل القدوة والمبادئrlm;.rlm; انظر مثلا كيف تمكنت المملكة السعودية من اقناع مختلف اللبنانيين باتفاقية الطائف لحل الصراع الطائفي بالرغم من أن نظامها السياسي غير ديمقراطيrlm;.rlm; وأنظر أيضا كيف تمكنت سوريا من وقف عملية التسوية السياسية للصراع السياسي والفصائلي في الأرض المحتلةrlm;.rlm; بل وتمكنت أيضا من وقف تسوية قضية بسيطة مثل تبادل الأسري بين الفلسطينيين واسرائيل والتي تبذل فيها مصر جهدا كبيرا رغم أن التجربة السورية مع الفلسطينيين فيها من المرارات أكثر مما فيها من النجاحاتrlm;.rlm; وانظر أيضا كيف تمكنت الولايات المتحدة من دفع الحكومة والثوار الجنوبيين لعقد تسوية سياسية للحرب الأهلية في السودان لم تحاولها مصر الأقرب بالتاريخ والجغرافيا رغم أن الطرفين لا يتعاطفان مع السياسة الأمريكية ولا يمكن أن نعدهما من الموالين لأمريكاrlm;.rlm; وحتي ليبيا تمكنت من المساعدة في وقف الحرب الاثيوبية الاريترية رغم أن الأجدر بذلك كانت هي مصر ذات الحضور التاريخي في هذه المنطقةrlm;.rlm;

ورغم كل شيء فإن مصر أقرب الي معني القدوة من أي طرف اخر حاول وتمكن أحيانا من المساهمة في حل الصراعات الأهلية العربيةrlm;.rlm; فهي بالفعل لا تتدخل في الشئون الداخلية للأقطار العربيةrlm;,rlm; ومجتمعها هو الأقرب لمعني التسامح الديني وهي لا تعرف ولا تستمزج التفرقة أو التفريق الشائع في المشرق بين طوائف الاسلامrlm;.rlm; وهي بالقطع الأقرب الي نماذج البناء الناجح للأمةrlm;,rlm; ونظامها الدستوري لا يميز بين المواطنين علي أساس من الدين أو المنطقة أو أي اعتبار آخرrlm;.rlm; وهي أيضا أكثر النظم العربية تحملا لحرية الرأي والتعبيرrlm;.rlm; وهي أول النظم الدستورية التي أقرت بمبدأ التعددية السياسية والحزبية المقيدة في العالم العربيrlm;.rlm;

وهي قبل ذلك وبعده أكبر الدول العربيةrlm;,rlm; ومكانتها باعتبارهاrlm;'rlm; الشقيقة الأكبرrlm;'rlm; لم ينازع أبدا حتي من جانب الدول العربية التي تنافسها في التأثير والقيادة في المحيط العربيrlm;.rlm; وعندما تسوء الأوضاع فعلا في أي من الدول العربية فان التطلع الطبيعي عادة ما يبدأ بالبحث عن دور مصرrlm;.rlm; ويدرك اشقاؤنا العرب أيضا أنه مهما كانت حاجة مصر لتحقيق مكسب سياسي هنا وهناك فهي الأقل استغلالا لمشاكل الاخرين والأكثر نزاهة وتجردا في البحث عن حلول متوازنةrlm;,rlm; احيانا بدون مكسب لنفسها علي الاطلاقrlm;.rlm; بل ان مصر قامت احيانا بهذا الدور المتجرد بنزاهة وتجرد حتي عندما لم تحصل سوي علي مزيد من النقد والنفور من جانب أشقاء ساعدتهم علي تجنب محن حقيقيةrlm;.rlm; ولدينا هنا نماذج كثيرة ابرزها الوساطة الناجحة مع تركيا قبل أيام قليلة من حرب كانت تنوي الأخيرة شنها ضد سوريا قبل نحو عقد من الزمنrlm;.rlm;

ومن هذه الزاوية يبدو الافتقار الي الأوراق الحقيقية والمادية هو الاعاقة الأساسية التي تواجه الدور المصري في المنطقة العربيةrlm;.rlm;

فلكي تحقق نجاحات خارجية حقيقية يتعين عليك أن تؤسس نموذجا ناجحا في الداخلrlm;,rlm; ولكن يتعين عليك أيضا أن تستثمر بقوة في السياسة الخارجيةrlm;.rlm; ولا نعني هنا الاستثمارات المالية وان كان كل استثمار يحتاج الي مالrlm;.rlm; فما نعنيه هو الاستثمار السياسي والذي قد يتراوح بين أبسط شكل مثل مجرد الاهتمام المنهجي وتكوين صورة ايجابية في دولة أخري أو منطقة ما وأكثر الأشكال شدة وقوة وهو الاستعداد لتوظيف القوة العسكريةrlm;,rlm; وشاملا كل ما قد يكون مفيدا ومعززا لقوة الدولة وهيبتها في الدول الأخريrlm;.rlm; هذا هو ما يعطي الدولة أوراقا للوساطة والتحكيم وأحيانا القدرة علي التدخل الخلاق والايجابي لمنع تصعيد الصراعات الأهلية والدولية أو حلها عندما تتصاعد في دولة أو منطقة معينةrlm;.rlm;

هذا هو ما كان وزير الخارجية يعنيه عندما استدعي المثل المصري الذي يقولrlm;'rlm; اطبخي ياجاريةrlm;..rlm;كلف ياسيديrlm;'.rlm; فلا يمكن لدولة أن تحصل علي أوراق أو هيبة أو قوة واقتدار حقيقي بدون أن تكون قد تحملت كلفتها ووضعت فيها استثمارات كبيرة عبر فترة من الزمنrlm;.rlm; فإيران لديها نفوذ في العراق ولبنان ليس لأنها محبوبة وانما لأنها استثمرت بقوة بالغة وتحملت أعباء مالية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية واستخباراتية بل وعسكرية في الدولتين وفي سياستها الخارجية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتها القوميةrlm;.rlm;

في الصراعات الأهلية والدولية في المشرق العربي تملك ايران وسوريا والسعودية درجات مختلفة من الاقتدار السياسي وليس المقبولية الاجماعية من كافة الفرقاءrlm;.rlm; مصر تملك الكثير من المقبولية الجماعية ولكنها لم تهتم ببناء الاقتدار لأنها لم تستثمر فيهrlm;.rlm; والرأي العام المصري لم يفهم بعد هذه الحقيقةrlm;.rlm; والحكومة تفهم هذه الحقيقة ولكنها لا تريد توجيه قدر مهم من الموارد ولا القيام بالمخاطرة الضرورية لاستعادة وبناء نفوذ ودور اقليمي قائدrlm;.rlm; والطرفان يريدان هذا الدور وهذا النفوذrlm;'rlm; ببلاشrlm;'rlm; وبدون تكلفة كبيرةrlm;,rlm; وهو المستحيل بعينة سواء كانت المبادئ ملهمة والتجربة الوطنية الداخلية ناجحة أو غير كذلكrlm;.rlm;