فيصل اليافي -الغارديان
بينما نرتحل بالسيارة باتجاه الجنوب الغربي من دمشق نحو الحدود مع اسرائيل، ظهرت امام أنظارنا بالتدريج محركات توربينية جاثمة على قمة مرتفعات الجولان، تدور ببطء في إيماءة تكنولوجية وسط العشب والتلال.
يقول صديق سوري يركب معي في السيارة: quot;انظر الى ذلك، باستطاعتهم ان يعطونا الجولان لثلاثين سنة اخرى ولن نضع مثل هذا العدد من المحركات التوربينيةquot;. ويبدو هذا غير منصف، ذلك أن إسرائيل هي بلد اصغر بكثير من سورية، لكنها تتلقى في المقابل من المساعدات الخارجية أكثر منها بكثير. لكن هناك نقطة تبقى حقيقة، وهي أن الإسرائيليين قد اعتنوا بمرتفعات الجولان.
لكنها لسوء الطالع تعود لسورية. وتاريخ الرابع عشر من كانون الأول هو الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإقرار قانون مرتفعات الجولان، حيث طبقت الحكومة الاسرائيلية قوانين اسرائيل على المرتفعات في اجراء دانه الكثيرون واعتبروه ضما غير قانوني. والمرتفعات هي عبارة عن سفح عريض يفصل بين سورية واسرائيل ويعتبر منطقة استراتيجية مهمة لان المرتفعات تسمح لمن يسيطر عليها بالاشراف على بلد جاره، ولأن اضخم بحيرة مياه عذبة هي بحيرة طبريا التاريخية تتغذى من المرتفعات. وكان الاسرائيليون قد استولوا على المرتفعات من سورية في حرب 1967 العربية الاسرائيلية، ثم قاموا باستعادتها مرة أخرى بعد ان طردوا منها في حرب عام 1973. وبموجب القانون الدولي، فان ضم اسرائيل للمرتفعات يعتبر غير قانوني وهو غير معترف به حتى من قبل الولايات المتحدة نفسها. ولا تزال المرتفعات تشكل موضوعا مستعصياً على الحل والعقبة الكأداء بين سورية واسرائيل.
لكنها في الحقيقة مفتاح السلام بين البلدين. ولطالما عرض الرئيس السوري بشار الاسد السلام على اسرائيل في حال اعادت مرتفعات الجولان. حتى ان المرتفعات يمكن ان تعتبر ايضا احد مفاتيح السلام في العراق، لان الاسد يريد ممارسة ضغط دولي حول الجولان كثمن مقابل تدخله في العراق. ولا غرابة في ان يكون تقرير لجنة دراسة العراق قد خلص الى التوصية باعادة مرتفعات الجولان الى سورية.
انها مسألة شعب وسياسة. وقد زاد عدد المستوطنين الذين يعيشون في المرتفعات بشكل غير قانوني في السنوات الاخيرة بفضل عروض بالحصول على اراض مجانية للاسرائيليين الذين ينتقلون للعيش في المرتفعات. وذكرت صحيفة الواشنطن بوست قبل اسابيع قليلة أن عدد المستوطنين اليهود ربما يكون قد تجاوز عدد العرب الذين يعيشون هناك.
وفي الغضون، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي ايهود اولميرت ان مرتفعات الجولان quot;ستظل في ايدينا الى الأبدquot;، واستبعد اجراء مفاوضات مع دمشق. وهو ما ولد انتقادات من ابناء جلدته الذين حثوه على عدم تضييع فرصة لتحقيق السلام، فكتب معلق اسرائيلي يقول quot;ان في هذا تخليا مفرطا عن رفاهية البلادquot;، واضاف quot;هل لدى حكومة اولمرت عرض من دمشق؟ إن عليها اذن ان تحترمه وتدرسهquot;.
ثمة على السطح اسباب قليلة تدعو للبهجة لدى اولئك العشرين الف شخص ممن يعيشون في ظل الاحتلال هناك، لكن سورية تبدو مع ذلك متفائلة. فبالاضافة الى الادراك المتزايد في واشنطن ولندن بان ثمة حاجة لإشراك سورية في موضوع العراق، أفضى فشل إسرائيل في الحاق الهزيمة بحزب الله في الصيف الماضي الى جعل دمشق اكثر جرأة. ومن هنا نبع تحركها الصاخب الاخير. وهو ما أدى الى شيوع شعور بان على سورية مد يد السلام الى اسرائيل والانتظار. لكن الامر ليس بمثل هذه السهولة.
فمع ان أي طلقة لم تطلق عبر الجولان خلال السنوات الثلاثين الماضية، الا ان لدى الاسرائيليين مخاوفهم الامنية المشروعة حيال اعادة الاراضي التي يحتلونها. ولأن سورية لا تزال تدعم الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس والتي تتخذ موقفا قويا ضد اسرائيل، فإن هناك شكوكاً جدية إزاء حجم الثقة بها. ولا تريد اي حكومة اسرائيلية اعادة مرتفعات الجولان للسوريين ليعاودوا شن الهجمات عليها انطلاقاً منها.
كما يجب عدم الحط من قدر القيمة النفسية التي يكنها الشارع الاسرائيلي للجولان. ذلك أنها الجزء الوحيد من اسرائيل الذي يوجد فيه منتجع للتزلج على الجليد، والذي كثيراً ما يؤمه الاسرائيليون. أما وهم يبدون غير قادرين على تحقيق السلام مع جيرانهم شاعرين بأن موقف بلادهم يلقى سوء فهم في الخارج، فان الجولان تعتبر شيئا من فسحة للتنفس لدى جمهور يشعر بانه يعيش تحت حصار.
ربما تحتاج سورية لان تبدد هذه المخاوف، ربما عن طريق القبول بدرجة معينة من الإشراف المحدود زمنيا من قبل قوة دولية في المنطقة، وهو احتمال سيكون صعب التحقق بعد سنوات من التوتر والدعاية من الجانبين. ولن يكون أمر إقناع الاسرائيليين العاديين بأنهم سيلقون الترحيب في جولان اعيد توحيدها أمراً يسيراً.
ومن جهة أخرى، يحتاج الاسرائيليون ايضا الى فعل شيء ما لاقناع السوريين العاديين، حيث انسحب الإسرائيليون خلال حرب عام 1973 من مدينة القنيطرة، وهي المدينة الرئيسية في مرتفعات الجولان، لكنهم دمروا قبل رحيلهم عنها كامل المدينة تدميراً منهجياً، ناسفين كل مبنى ومدمرين كل قطعة اثاث يمكن ان تنقل أو تباع. وقد رفض السوريون الذين كانوا شديد الاستياء اعادة اعمارها مفضلين جعلها متحفا مفتوحا في الهواء الطلق. ولا تزال المدينة على تلك الحال، حيث ظلت الكنيسة الارثوذكسية الضخمة مدمرة وجرداء، وبقي المسجد بمئذنته المدمرة، والشوارع مليئة بالمنازل المتصدعة. ولا شك أن لذلك اثره السيكولوجي القوي على العشرين الف سوري او نحو ذلك في الجولان، والذين يجب ان يطرحوا الأسئلة عما سيحدث لهم.
والى ذلك، ألمحت الامم المتحدة الى وجود تفرقة واسعة الانتشار ومعاناة بين ظهراني العرب في مرتفعات الجولان. فهناك اعتقالات تعسفية بحقهم وتحرش عام وافتقار الى فرص العمل وانفصال عن العائلات، وهي مظاهر تقع على رأس القائمة، بينما يتم كل ذلك وسط تدفق المستوطنين اليهود. ولأن وضعهم ليس بمثل صعوبة وضع الفلسطينيين، فان بعض التحركات باتجاه تخفيف الضغوطات عليهم ستلاحظ في دمشق والعالم العربي الاوسع، ما قد يساعد في تحسين صورة اسرائيل.
وعليه، فان هناك مصاعب لدى الجانبين، لكن هناك في المقابل بعض الحوافز. وتشعر دمشق حاليا بانها في موقف قوي، لكن الأسد يجب أن يدرك إن هذا لن يطول كثيراً. ويدرك السوريون بأن هناك مطالب دولية، كما في تقرير بيكر بشكل خاص لوقف تدخلهم في لبنان ووقف دعم حزب الله وحماس والتعاون بالكامل مع فريق التحقيق الدولي في حادث مقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. وقد اوفت دمشق والى حد بعيد بآخر تلك المطالب، لكن من غير المرجح ان تتخلى عن دعمها لحماس او حزب الله دون احراز تقدم على جبهة الجولان. وسيكون من الحكمة للاسد ان يكف عن التدخل في لبنان. وهو ما يرى البعض أنه سيفعله، بغية تعزيز صدقيته خارج العالم العربي.
وفي الاثناء تبدي تل ابيب - بينما ما تزال حرب الصيف ماثلة في الذاكرة- ترددا إزاء القيام بتحرك. وربما يستغرب الإسرائيليون لماذا يترتب عليهم التنازل عن اراض لصالح بلد يدعم حماس وهو قريب من ايران. لكن ذلك يمثل في الحقيقة بذرة الجواب!
ان موضوع الجولان يمنع اسرائيل من تحقيق السلام مع سورية، ويدفع بجارتها الى التوجه نحو نظام أحمدي نجاد ذي النزعة القتالية. ولعل من الافضل كثيرا الشروع بالتفاوض الآن في وقت تشعر فيه دمشق بالقوة (وقد تكون راغبة في التوصل الى حل وسط)، بدلا من تأجيل ذلك إلى المستقبل عندما تكون دمشق إلى جوار ايران اكثر قوة. وربما يعني عدم التفاوض والتفريط بأمن البلد.
ان التوصل الى سلام مع سورية لن يدق أسفيناً بين سورية وايران فحسب، وإنما سيحرم دمشق أيضاً من بعض تبريراتها التي تسوقها لدعم حزب الله، بالاضافة الى التذرع بحالة الحرب للابقاء على قوانين الطوارئ التي امتد تطبيقها لعقود. ومن شأن ذلك السلام أن يكون صفقة مربحة للاسرائيليين وكذلك للسوريين.
التعليقات