عيون وآذان

جهاد الخازن


الاستطلاعات الأخيرة للرأي العام في اسرائيل عشية انتخابات الكنيست ألغى أحدها الآخر، فقد كانت متضاربة في شكل ملحوظ، واستفتاء يقول ان تأييد كديما تراجع، وكذلك العمل، في حين يقول استفتاء آخر ان الحزبين حافظا على نسبة تأييد ثابتة، بينما يقول استفتاء ثالث ان حزب laquo;اسرائيل بيتناraquo; سينال 15 مقعداً في الكنيست مع ان استفتاء آخر لم يعطه اكثر من سبعة مقاعد.

الصحف الإسرائيلية والراديو والتلفزيون نشرت نتائج الاستطلاعات امس، ونحن لا نحتاج الى درسها، فلن ينقضي اليوم حتى تكون النتائج متوافرة، وأغامر فأقول ان كديما سيفوز بأكبر عدد من المقاعد، ويتبعه العمل، ثم ليكود أو laquo;اسرائيل بيتناraquo;، فقد دمر أرييل شارون ليكود بانسحابه منه، وزاده بنيامين نتانياهو خراباً على خراب.

مع الاختلاف بين استطلاع وآخر، تابعت موقف الناخبين من قادة الأحزاب، ووجدت ان إيهود أولمرت صاحب اكبر شعبية، في حين ان عمير بيرتس يعتبر ارفع السياسيين اخلاقاً اما نتانياهو فمكروه، ويبدو انه كذب على الإسرائيليين حتى لم يبق من يصدقه.

الإسرائيليون كذبوا على انفسهم حتى صدقوا الكذبة، وهم يقولون انه لا يوجد شريك فلسطيني في مفاوضات السلام، لذلك تؤيد غالبية الانسحاب الأحادي من بعض الضفة كما يريد أولمرت. والإسرائيليون يقولون ان ياسر عرفات كان يستطيع ولا يريد، وأن محمود عباس يريد ولا يستطيع، وأن حماس ارهابية.

الحقيقة هي ان اسرائيل ليست شريكاً في السلام، وكل خطوة خطتها الحكومات الإسرائيلية منذ اغتيال اسحق رابين، وحتى اليوم، كانت عملاً واعياً مدروساً لتدمير السلام.

وأتجاوز التاريخ القديم والحديث لأبقى مع ايهود أولمرت وكديما، فرئيس الوزراء بالوكالة الذي سيصبح رئيس وزراء اصيلاً بعد الانتخابات افضل من شارون، إلا ان هذا لا يعني الكثير على طريق السلام لأنه لا يمكن ان يكون أسوأ.

أولمرت يريد الانسحاب من بعض الضفة، والحديث هو عن اخراج 60 ألف مستوطن، وتجميع الباقين في كتل أهمها حول القدس، وبهدف عزلها، ما يعني نسف اساس المفاوضات، خصوصاً ان الكتل الاستيطانية ستعزل كذلك شمال الضفة عن جنوبها، أي تمنع قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف.

لا أعتقد ان أولمرت نفسه ينكر خطته هذه، او يستطيع، فهو مع كل ما سبق يعتقد انه سيبقى في غور الأردن.

بكلام آخر، لا شريك اسرائيلياً في مفاوضات السلام، وإنما هناك رئيس وزراء افضل من سلفه، إلا انه يرأس حكومة ارهابية قتلت من المدنيين الفلسطينيين خمسة أضعاف ما قتل الفلسطينيون من المدنيين الإسرائيليين.

عدم وجود شريك اسرائيلي يعني عدم وجود فرصة للسير على طريق المفاوضات ناهيك عن الوصول الى حل سلمي. وقد تعقد الوضع كثيراً مع فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية فهي عذر جاهز، والولايات المتحدة تعتبرها منظمة ارهابية وتغفل عن إرهاب الحكومات الإسرائيلية المسجل والموثق اسرائيلياً.

بالنظر الى ما تقترف القوات الأميركية ضد المدنيين في العراق فإن إدارة بوش ليست حكماً في موضوع الإرهاب، وإنما طرف متهم، غير ان هذا موضوع آخر، فأبقى مع الانتخابات الإسرائيلية، ورئيس الوزراء المقبل، وأجد ان افضل ما فيه أسرته، فزوجته إليزا مؤلفة معروفة ويسارية نشطة. ومن ابنائهما الخمسة هناك ثلاثة من انصار السلام أو معارضي الحرب، فالابن الأكبر شاؤول يقيم في نيويورك، وقد رفض الخدمة في الأراضي المحتلة قبل عشر سنوات، وقال انه يرفض laquo;المشاركة في استمرار اضطهاد الفلسطينيينraquo;. اما الابن الثاني ارييل فيقيم في باريس حتى لا يؤدي الخدمة العسكرية وينشط ضمن جماعات تعارض بقاء اسرائيل في الأراضي الفلسطينية. اما ابنته دانا فهي مثلية الجنس، وهي من اولئك الإسرائيليات اللواتي شكلن جماعات لمراقبة الجنود الإسرائيليين على الحواجز، وتسجيل أي اعتداءات على الفلسطينيين.

اولمرت اعترف في مقابلة صحافية ان أسرته تؤثر فيه، إلا ان تأثيرها سيظل أقل من تأثير حلفائه في الحكومة المقبلة، فهي ستكون ائتلافية ككل حكومة اسرائيلية سابقة. والمنطق يقول ان تتفق كديما مع العمل، وربما بعض الأحزاب الدينية. غير ان معلقين اسرائيليين لم يستبعدوا ان ينضم حزب laquo;اسرائيل بيتناraquo; الذي يرأسه افيغدور ليبرمان الى الحكومة المقبلة، وهو متطرف مثل الحاخام اوفايدا يوسف، على رغم انهما نقيضان، وليبرمان يدعو الى ترحيل فلسطينيي 1948 الى اراضي دولة فلسطينية مقبلة، في حين يصب الأب الروحي لشاس اللعنات على من يصوت لكديما.

أكثر ما أستطيع ان أضمنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية هو ان التأييد الأميركي الأعمى سيستمر، وأولمرت يعرف ان اسرائيل تعيش وتتنفس عبر هذا التأييد لذلك فهو اعلن ان تزيبي ليفنات، وزيرة الخارجية، ستعين ايضاً نائبة لرئيس الوزراء في حكومته المقبلة. وهو كلفها كل السياسة الخارجية باستثناء الولايات المتحدة التي سيتولاها بنفسه. وهنا أستطيع ان أضمن شيئاً آخر هو ان رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل سيجد تأييداً كاملاً لإسرائيل ضد المصالح الأميركية من وكر الجواسيس ايباك وعصابة المحافظين الجدد إياها.