الخميس: 2006.03.30

جي . برادفورد ديلونج

أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركل

في ظل انهيار الدعم الشعبي للرئيس جورج دبليو بوش في الولايات المتحدة طيلة العام الماضي، ربما كان العنصر الأكثر إثارة للدهشة في الأمر هو تمرد خبراء الاقتصاد ومراقبي السياسات الاقتصادية. منذ أسبوع، وفي صحيفة quot;وال ستريت جورنالquot;، أعلنت بيجي نونان، المرأة التي كانت تتولى كتابة خطابات الرئيسين رونالد ريغان ثم بوش الأب، أنها لو كانت تعلم كيف ستكون السياسة المالية التي سينتهجها جورج دبليو بوش لكانت قد صوتت لصالح آل جور في انتخابات عام 2000 الرئاسية.

كتبت نونان: quot;لو كان قد خطر بذهني أن جورج دبليو بوش أحد كبار المبذرين الجمهوريين... لما كنت قد أدليت بصوتي لصالحه... لقد قدم بوش نفسه باعتباره رئيساً محافظاً، وتتسم المحافظة بموقف عدائي إزاء الإفراط في الإنفاق وفرض الضرائب، وذلك لأسباب تتراوح ما بين تجريدية وفلسفية إلى مادية وعمليةquot;. ثم أضافت نونان في يأس وقنوط: quot;لن يضطر السيد بوش لإعادة ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة مرة أخرى أبداً، وهو في موقف يسمح له، ولو على سبيل الخطابة فقط، أن ينادي بضرورة إبطاء وتخفيض معدلات الإنفاق. لكنه لم يفعل ذلك، وليس هناك من الدلائل ما يشير إلى أنه قد يفعل...quot;

الحقيقة أن نونان ليست على صواب تام في هذا الشأن. ذلك أن جورج دبليو بوش لم يقدم نفسه باعتباره محافظاً عادياً، بل لقد وصف نفسه بأنه quot;محافظ متعاطفquot;، وهذا بحد ذاته يحمل قدراً من الغموض. فقد ركز بعض الناس على كلمة quot;محافظquot;: فتوقعوا أن تكون السياسة المالية التي سينتهجها بوش مُـحكمة فيما يتصل بالإنفاق، وأن يبادر إلى إلغاء العديد من البرامج بهدف تمويل تخفيضات ملموسة للضرائب.

وركز آخرون على quot;متعاطفquot;: فتوقعوا أن تتحاشى سياسة بوش المالية إلى حد كبير تخفيض الضرائب، وأن تتبنى أولويات ديمقراطية إلى حد كبير فيما يتصل بالإنفاق، بما في ذلك توسيع الدعم المالي الفيدرالي لصالح التعليم والعقاقير العلاجية الموصوفة، وبهذا يؤكد أن الجمهوريين يستطيعون تقديم وإدارة نسخة من الضمان الاجتماعي أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكاليف.

نتيجة لهذا فلم يكن أحد خلال عامي 2000 و2001 على يقين حقاً من التوجهات السياسية لإدارة بوش. هل كانت محافظة مالية تقليدية؟ أم كان الأمر يتلخص في تقليد الديمقراطيين، ولكن على نحو يبدو أفضل منهم؟ أم كانت سياسة quot;تجويع الوحشquot; من خلال تضخيم الدين الحكومي إلى الحد الذي يصبح معه تخفيض البرامج الاجتماعية أمراً محتوماً؟

مما لا شك فيه أن السعيين الأولين يشكلان هدفين شريفين للحكومة، لو تم تصميمهما وتنفيذهما بصورة جيدة. أما الثالث فهو أقل شرفاً ومن المرجح أن يمنى بالفشل: فهو يعتمد على مقدمة منطقية ضعيفة إلى حد خطير، ومفادها أن الخصوم السياسيين للحزب الذي يمسك بزمام السلطة سوف يتحلون بقدر أكبر من الاهتمام بالصالح العام، وسوف ينتهجون سياسة أقل قسوة حين يرجعون إلى الحكومة.

بطبيعة الحال قد يتمنى المحافظون والجمهوريون أن تبرز أولوياتهم السياسية المفضلة باعتبارها الاستراتيجية المرجحة لدى الإدارة. أو ربما يَـقنَـعون بأي من الاستراتيجيات الثلاث التي كانوا يتوقعونها، ويتفقون على أن السياسة المالية الجمهورية، على أية حال، لا بد وأن تكون أفضل كثيراً من حالها في ظل حكم الديمقراطيين.

ولكن بعدئذ وقع أمر غريب: فإدارة بوش لم تلجأ إلى أي من الخيارات الثلاثة التي كان من المتصور أنها فقط المتاحة. فقد اختارت الإدارة شيئاً مختلفاً تمام الاختلاف: تخفيضات ضخمة للضرائب، أجل، لكنها كانت تخفيضات رديئة التصميم تهدف إلى تعزيز النمو، هذا علاوة على تبني أولويات محلية ديمقراطية فيما يتصل بالإنفاق، لكنها سيئة التنفيذ إلى حد شنيع.

في النهاية تبين أنها لم تكن سياسة محافظة مالية تقليدية، ولا سياسة ديمقراطية بدون ديمقراطيين، ولا سياسة quot;تجويع الوحشquot;، بل شيء لا اسم له ولا هيئة. ليس الأمر أن الجمهوريين والمحافظين يتصورون أن إدارة بوش تبنت المنهج الخطأ، بل إنهم في الحقيقة لا يرون أي منهج ربما يكون هو الذي أدى بهم إلى هذا التمرد (المتأخر) على السياسة المالية. وهذا هو السبب الذي يجعل العديد منهم يتمنون الآن لو كانوا قد أدلوا بأصواتهم لمرشح مختلف في انتخابات عام 2000.