علي أحمد الديري


تحية إلى عزمي بشارة وهو يشك في السيادات غير المدنية...
الشك في مشروعية السيادة (التي تجعلك في آلة قبيلة إلى طائفة أو مذهب أو عرق او عائلة أو دين) الخطوة المدنية الأولى، لتكون مواطناً مدنياً، مواطناً بمعنى الفرد الذي يملك حق الشك الذي يجنبه الإذعان والتسليم لسيادات الآلة في أشكالها التسلطية الجماعية، أي الحق في أن تضع هذه السيادات بين قوسين نيتشويين، فإن تكون مواطناً يعني أن يكون إنسانك في ذاتك، لتكون ذاتك لك، لا لغيرك فـquot;كل إنسان في ذاته فذاته له، وكل إنسان في آلة فذاته لغيرهquot; كما يقول الفارابي في مدينته الفاضلة، أن تكون مواطناً يعني أن تحدد واجباتك وتشتق حقوقك من ذاتك الفردية لا من عضويتك في جماعة سيادتها ليست لها، أي ليست لإرادتها، فالسيادة إرادة، كما الشك إرادة، إرادة السيادة عنصر سياسي وثقافي وفلسفي، وهو ما يخلق الأمة الحديثة التي هي أمة المواطنين، حسب تعبير عزمي بشارة، وإرادة السيادة هي الوجه الآخر لإرادة الشك، فالشك المدني إرادة كما السيادة المدنية إرادة.
بهذا المعنى، تكون المواطنة هي الوجه الآخر لسيادة الأمة، قبال سيادة القبيلة أو الطائفة أو المذهب أو الدين أو العائلة أو العرق، المواطنة تكتسب وتتكون وتتشكل ويعاد تشكيلها، كل مرة في صيرورات لا تنتهي، بالشك في هذه السيادات التي تصوغها مركبات إطلاقية، ترهن حقوق الفرد بعضويته في مجموعة هذه السيادات التي تسود بيقينياتها المفرطة.
ما معنى أن المواطنة هي الوجه الآخر للسيادة؟
الشك يمنحك حق السؤال الذي تصادره هذه المركبات، وبهذا الحق تكون سائلاً فاعلاً وسيداً يطلب، لا مسوداً يطلب منه الخضوع الدائم والتسليم، تكون سيداً يسائل يقينيات هذه المركبات: كيف تم تثبيت محمولاتها؟ وكيف صارت سيدة الأمر والنهي والمعنى؟ وكيف صارت مرجعية تقاس بها مواطنية الإنسان؟
هذا الشك في السيادة، يمكننا من تحقيق مفهوم المواطنة المنفكة من المرجعيات المطلقة وبهذا المفهوم تكون الديمقراطية، ويكون المجتمع المدني، فيكون الإنسان الذي به تكون الأمة جماعة المواطنين في دولة الأمة جماعة مواطنين لا جماعة آلة. بهذا يمكننا القول: الشك شرط المواطنة.
الشك المدني، شك في مفاهيم هذه السيادات التي بها تحول المركب والتاريخي والمصنوع معطى بدهياً فطرياً غير قابل للمساءلة والاعتراض، الشك المدني شك في جامع جماعتك، وتحويله من معطى سابق إلى مركب مدني، الشك المدني جعل الحق مشتق من الفرد لا مشتق من الجماعة.
إن مهمة المجتمع المدني الممارس للسيادة، تتمثل بتحصين هذه السيادة التي تجعل من الإنسان مواطناً ضد سيادات الآلة، وتحصين مواطنية الإنسان، تكون بتحصين قوله وفعله من الارتهان لما هو خارجه، ولا قول ينمو في المدينة ويتكوثر ويتحصن ضد العقم والتصلب والقولبة إلا بالشك الذي هو حياة.
تفكيك السيادات المطلقة العمودية، هو الوجه الآخر للشك فيها يجعلها دنيوية تاريخية تقوم بها إرادة حرة، هي إرادة السيادة التي هي شرط الأمة الحديثة، أمة المواطنين المؤمنين بالإنسان. فهل نشك في أمتنا ومواطنيتنا وإنساننا؟!! هل نضعهم بين قوسين؟!! هل نختبر مدنيتهم؟!!
=