الإثنين: 2006.04.10

أمين محمد أمين

المخاوف الأمريكية من إندلاع الحرب الأهلية الطائفية في العراق والتي تغذيها قوى خارجية وداخلية متعددة وخطورة تحويلها إلى صراع إقليمي واسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط.

لا بد أن نأخذها جميعاً بحذر ونتعامل معها بالجدية المطلوبة خاصة وأن بذور الفتنة الطائفية والدينية زرعت في العراق والسودان وتكمن في مناطق أخرى من أجل إشعالها تزداد سخونة من فترة لأخرى تهدد بالاشتعال والانفجار.
هذا الموقف المتأزم في بلاد الرافدين تقابله على الجانب الآخر في بلاد الشام مواقف متأزمة بين سوريا ولبنان من جانب وبين إسرائيل وفلسطين من جانب آخر وهو الأهم والأخطر من أجل إشعال طرفي الصراع في المنطقة العراق من جانب وفلسطين من جانب آخر.
فالحصار الذي تمارسه إسرائيل على الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حماس والذي يدعمه الإتحاد الأوروبي بوقف المساعدات المالية عن الشعب الفلسطيني والتي تبلغ 500 مليون يورو كان يقدمها الإتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية إلى جانب الملايين التي تقدمها أمريكا كمساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني لمساعدته على مواصلة الحياة والنضال من أجل إستعادة أرضه.
هذا الحصار المالي إلى جانب العجز الكبير في موازنة الدولة الفلسطينية والذي كشف عنه رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية في خطبته إلى المصلين بالمسجد الكبير وسط خان يونس جنوب قطاع غزة كاشفاً الظروف المالية الصعبة وتسلم حكومته خزائن بلاده فارغة من أي شيء وعليها مديونيات بلغت سبعمائة وخمسين مليون دولار وبحاجة إلى 135 مليون دولار شهرياً لسداد مرتبات الموظفين ولذلك تعهد بعدم تسلمه ووزارئه لرواتبهم إلا بعد تسلم آخر موظف في الحكومة الفلسطينية لراتبه وطالب الدول عربية آخر أمل له بسرعة سداد مساعداتها التي قررتها قمة الخرطوم بمعدل 55 مليون دولار شهرياً لمدة الأشهر الستة القادمة لسداد أقل من 50٪ من مرتبات موظفي الدولة والباقي في إنتظار معجزة من السماء لخروج حكومة حماس من المأزق وعقاب الشعب الفلسطيني بإختياره الديمقراطي لها عبر صناديق الإقتراع لتقود مسيرته خلال الفترة المقبلة وكان يعتقد أن القوى الكبرى في العالم التي تدعو دول المنطقة لسرعة إجراء الإصلاحات الديمقراطية أن تحترم إختياره وترحب بخياراته وتساعد الحكومة المنتخبة من الشعب على تحقيق إرادته باستمرار وزيادة المساعدات وليس منعها وعقاب الشعب على خياره الديمقراطي.
هذه الضغوط التي لم تمهل الحكومة الفلسطينية الجديدة فترة لاكتشاف الواقع الذي تواجهه والأرضية التي ستعمل عليها.
تجسدت بكل أسف من خلال المزيد من الضغوط والهجمات الإسرائيلية على القيادات الفلسطينية والعدوان عليها بالصواريخ داخل أراضيها المحتلة بتصعيد الهجمات لدفع الشعب الفلسطيني إلى القيام بإنتفاضته الثالثة في مواجهة استمرار سياسة القتل والتدمير وقصف مطار غزة ومقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس واعتقال وزير من حماس.
والأخطر هو منع أعضاء الحكومة المنتخبة من الانتقال بين رام الله وغزة وعقد إجتماعات مجلس الوزراء عبر شاشات الهاتف المكشوفة بالطبع للجميع وتختفي معها السرية المطلوبة في الإجتماعات الوزارية.
ورغم ما تردد من خطاب لوزير الخارجية الفلسطيني الجديد محمود الزهار من التلميح بإمكانية اعتراف حماس بإسرائيل ألا أنه أوضح موقفه وموقف حكومة حماس من ترحيبهم بإجراء إستفتاء شعبي حول الإعتراف بإسرائيل والتعايش في دولتين متجاورتين كحل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ولكن بدلاً من مقابلة إسرائيل هذا الإقتراح بالموافقة إنطلاقاً من الدعوات الديمقراطية التي تطلقها كان رد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق سريعاً برفض الدعوة واتهامه الزهار بالحديث بلغة مزدوجة على الرغم من أن مواقف حماس قبل إنتخابها لجأت لأسلوب التهدئة مع إسرائيل ولم تقم على مدى عام قبل الإنتخابات بالقيام بعمليات إنتحارية ودعت بعد الإنتخاب للتهدئة المسلحة مع إسرائيل والتي قوبلت أيضاً بكل أسف بالرفض الإسرائيلي تحت دعوى أنها فرصته لإلتقاط حماس لأنفاسها استعداداً لشن المزيد من الهجمات على إسرائيل !!.
وذلك على الرغم من أن إسرائيل لاتزال لها اليد الطولي في جميع الأراضي الفلسطينية المحررة والمحتلة ألا أنها لم تكتفي بذلك بل قررت إطلاق 10 صواريخ مقابل كل صاروخا فلسطيني يتم توجيهه لأراضيها وذلك بعد الإتهام إسرائيل بتكثيف الجناح العسكري لفتح من إستعداداته ليحل كمعارضة مكان حماس في المقاومة ودللت على ذلك بإرتفاع أعداد الصواريخ الفلسطينية التي تطلق على مستعمراتها من 50 صاروخا أسبوعياً إلى 70 صاروخ في الأسبوع الماضي سقط منها 40 داخل المستعمرات و30 داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
والأخطر هو ما تروجه إسرائيل كالعادة من أن 73 بلاغا تلقته أجهزتها المخابراتية بإستعداد مسلحين فلسطينيين للقيام بتفجيرات داخل إسرائيل في المرحلة المقبلة.كل ذلك وإسرائيل تستعدي أمريكا وأوروبا والعالم ضد حماس وضد الشعب الفلسطيني البطل من أجل التنازل عن جميع حقوق المشروعة للحفاظ على لقمة العيش التي تريد القوى الكبرى حرمان الشعب البطل المكافح والمناضل والصامد على مدى أكثر من 60 عاماً لإحتلال أرضه في أن يسترد ما تبقى منها ويعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل وهو ما تدعو إليه حماس ولكن بكل أسف يقابل بالرفض الإسرائيلي والتأييد والدعم الأمريكي الأوروبي وكان الأمل أن ترحب اللجنة الرباعية الدولية بإقتراع حماس وذلك في إطار مفاوضات الحل النهائي والسلام الشامل بين العرب وإسرائيل.
ولكن بكل أسف الجميع يريدون حلولاً منفردة تكون إسرائيل هي الفائز بأكبر نصيب من الأرض والغنائم بالمنطقة والأهم هو أن يكون لها اليد الطولى بالشرق الأوسط.
وعلى الرغم من تبني العرب لمبادرة السلام التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية ببيروت إلى أن وصلت إلى قمة الخرطوم التي أكدت التمسك بها وتفعيلها في المجتمعات الدولية خاصة وأنها تتناسب مع جميع المطروحات والقرارات الدولية التي تنص على عدم احتلال الأراضي والاستيلاء عليها بالقوة المسلحة وتدعو الأمة العربية إسرائيل إلى إعادة جميع الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام العربي الشامل مع إسرائيل والإعتراف بها كدولة تعيش كجارة لفلسطين وللعالم العربي من أجل الأمن والإستقرار في المنطقة.
وبكل أسف مع إنعقاد كل قمة عربية نفاجأ بموقف إسرائيلي يعكر صفوها ويحبط الموقف العربي الساعي إلى السلام منذ قمة فاس..
وللأسف لم يساعده راعي السلام الأمريكي على تبني مبادرته من أجل تحقيق السلام الذي طال إنتظاره ولم تتوقف إسرائيل عن الهجوم والإستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وكانت أولى مفاجآت رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة ايهود اولمرت بعد فوز حزبه بالأغلبية هو إعلانه عن ترسيم الحدود من جانب واحد وهو ما يعني الإستيلاء على 60٪ من أراضي الضفة الغربية بعد إستكمال تهويد القدس ودفن كل مساعي التسوية بعد دفن كل قرارات الشرعية الدولية في خارطة الطريق المجمدة.
والأخطر هو ما أكده وزير الإسكان الإسرائيلي مؤخراً من تنفيذ خطة لإتمام مشروع القدس الكبرى من خلال ربط القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة تسعى إسرائيل لوئدها من خلال ربطها بالمستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى جانب بناء إسرائيل لمستعمرة في جبل أبو غنيم بالقدس لتغير معالمها وتوسيع القدس شرقاً وشمالاً وجنوباً.. والمؤسف أنه بعد بناء الجدار العنصري العازل تم تحويل ما تبقى من القدس الشرقية إلى سجن كبير للفلسطينيين داخل الجدران وأصبح هدف الحكومة الإسرائيلية الجديدة ليس السعي إلى تحقيق السلام ولكن هدفها جذب المزيد من يهود العالم إلى القدس وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة ومصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني الكبير على الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في جنوب لبنان والجولان السوري لتدخل إسرائيل موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية لبنائها أكبر سجن في العالم للفلسطينيين لحصارهم داخل أرضهم المحتلة خاصة بعد بنائها للجدار العنصرى العازل.
كل ذلك يحدث على أرض فلسطين والعالم العربي والإسلامي والشرعية الدولية.. الجميع في صمت ولا مبالاة لما يحدث في انتظار انفجار الأوضاع وتحولها إلى صراع كبير في المنطقة يصعب محاصرته والمؤسف أن الحل يبدأ برحيل قوات الاحتلال في العراق وفلسطين عن الأراضي العربية ومع الانسحاب تهدأ الصراعات.. بغير ذلك لن تستقر الأوضاع.. فهل نتحرك أم نواصل الصمت واللامبالاة.