الإثنين: 2006.04.16

خالد الحروب


ماذا سيحدث إذا أُسقطت quot;حماسquot; فعلاً؟ سيكون الرئيس محمود عباس أمام أحد حلَّين على الأغلب: إعلان تنظيم انتخابات جديدة, أو تشكيل حكومة طوارئ لفترة غير محددة. الخيار الأول ينطوي على خطر فوز quot;حماسquot; مرة ثانية بالانتخابات, والعودة إلى المربع الأول. لكن لقطع الطريق على مثل هذا الفوز فإن الانتخابات لن تتمتع بالنزاهة والحيادية وغياب البلطجة التي رافقت الانتخابات الأولى, وذلك لضمان فوز quot;فتحquot; ولو بالقوة. في هذه الحالة فإن شرعية الحكومة الجديدة في عيون الفلسطينيين ستكون مشكوكاً فيها. وهنا فإن quot;حماسquot; ستعود بعنف إضافي إلى مرحلة العمليات التفجيرية داخل إسرائيل, وستعمل الحكومة على إثبات قوتها للعالم الخارجي عن طريق الصدام مع quot;حماسquot; لمحاولة لجم عملياتها. آنذاك سيصل الوضع الفلسطيني حقيقة لحافة الحرب الأهلية التي تم تجنبها لسنوات. والكل سيخسر.

الخيار الثاني وهو تجاوز فكرة الانتخابات كلياً وتشكيل حكومة طوارئ سيحظى في أغلب الظن بالدعم الدولي لأنه سيأتي بحكومة رئاسية تبرر وجودها بأنه مؤقت, لكنها لن تتهم بأنها قائمة على انتخابات مزورة أو شرعية مسروقة. وربما جاز التوقع بأن مسودات وسيناريوهات هذا البديل ربما تُصاغ الآن. ستعمل واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوروبي على توفير دعم مالي إضافي لهذه الحكومة ليصل إلى الشعب الفلسطيني بهدف إقناعه بأن اختياره السابق لـquot;حماسquot; كان خاطئاً. وستكون كل الجهود منكبة على رسم فوارق كبيرة بين أثر حكومة quot;حماسquot; وأثر من سيخلفها على المواطن الفلسطيني من ناحية معيشية وناحية وصول احتياجاته وتسديد مرتبات عشرات الألوف من الموظفين, وهكذا. لكن quot;حماسquot; سيكون ردها عنيفاً وكما هو في حال البديل الأول, وبالتالي فإن ما يتحقق على صعيد الأمن المعيشي سيتبعثر على صعيد الأمن العام, لأن إسرائيل سترد على quot;حماسquot; بعنف يطال الفلسطينيين, والسلطة الجديدة لن تتردد هي الأخرى في الضغط على quot;حماسquot;.

في الحالتين, وعلى خلفية ما سيراه أفراد ومجموعات داخل quot;حماسquot; وعلى مقربة منها من أنه فشل للتجربة السياسية للحركة بدليل ألا أحد يسمح لها بمزاولة السياسة, فإنه ليس من المستبعد حدوث انشقاقات لمجموعات عسكرية متطرفة عن quot;حماسquot;. ولئن كانت quot;حماسquot; في مسيرتها الطويلة قد تجنبت حقا الانخراط في صدامات مسلحة مع منافسيها, وخاصة quot;فتحquot; وسلطتها, فإن المجموعات المنشقة عنها والتي لا يعوزها السلاح المكدس بشكل مخيف في قطاع غزة بالأخص لن تحتكم لا إلى الحكمة ولا إلى الخبرة التاريخية لـquot;حماسquot;. بل ستكون مدفوعة بالرغبة في الانتقام.

ليس ما سبق إلا بعض التقديرات العجلى, ولا تزعم تقديم كافة جوانب الصورة أو السيناريوهات المتوقعة. لكنها تشير إلى مأساوية الوضع الراهن الناجم عن الحصار متعدد الأطراف ومتعدد الأوجه الذي تواجهه الحكومة الفلسطينية التي شكلتها quot;حماسquot;. وهو يستحق أن يوصف بأنه جامع لمساوئ دولية وإقليمية وغباء سياسي فادح مدفوع بالثأرية أكثر مما هو بالبراغماتية السياسية. فكل الأطراف المتواطئة في الحصار, إسرائيل وأميركا وأوروبا أولاً, فثم بعض الفلسطينيين ثانياً, ثم بعض العرب ثالثاً، يدركون أن الضحية المباشرة له هو الشعب الفلسطيني الذي تقرر معاقبته لأنه اختار quot;حماسquot;. وزير الخارجية الهولندي قال في أعقاب اجتماع الاتحاد الأوروبي الذي قرر وقف المساعدات المالية عن الحكومة إن الشعب قرر أن يختار quot;حماسquot; وعليه أن يشعر بتبعات اختياره. وهكذا فإن الرسالة الفوقية المستفزة التي يُراد إيصالها للفلسطينيين هي أن عليكم أن تفكروا وتقرروا كما نملي عليكم, سواء أكان ذلك بالديكتاتورية أم بالديمقراطية.

هناك أخطاء ارتكبتها quot;حماسquot; بالتأكيد بعيد فوزها بالانتخابات, بعضها تعلق بالبيان الوزاري الذي تماحك في شرعية تمثيل منظمة التحرير وافتعل معركة دونكيشوتية خاضتها quot;حماسquot; وألَّبت بسببها جهات كان بالإمكان استقطابها. وبعضها الآخر تعلق بكادر الحكومة وعدم أهلية بعض الوزراء الذين ظنوا أنهم يمسكون بمقاليد الخلافة العباسية في عصر المعتصم, وصاروا يتبرعون بتصريحات السياسي منها منسوب للعنتريات الفارغة, والثقافي والإعلامي منها منسوب لجهل مطبق بأولويات الثقافة والإعلام في حال كالحال الفلسطيني.

لكن كل أخطاء quot;حماسquot; هنا وهناك ومن ناحية واقعية وموضوعية يجب ألا تغطي حقيقة مهمة وهي أن quot;حماسquot; أنضجت خطاباً سياسياً في بيانها الانتخابي، ثم في بيانها الوزاري للحكومة، مركباً ومؤهلاً لأن يتطور ويحافظ على الحقوق الفلسطينية من ناحية ويتلمَّس طريقه في درب السياسة الدولية وأشواكها أيضاً. لم تتحدث quot;حماسquot; في البيانين المذكورين لا عن إزالة إسرائيل من الوجود, ولا عن التحرير من البحر إلى النهر حتى تستفز الآخرين, لكنها تبنت منطق لغة القانون الدولي وركزت على مقاومة احتلال عسكري غاشم تبرر مقاومته كل الشرائع المعروفة. وجوهر خطابها كله حام ويحوم حول مفهوم حل الدولتين, الذي يقر ضمناً بحقيقة وواقع وجود إسرائيل لكن لا يقر بشرعية ذلك الوجود. مطالبة quot;حماسquot; بأكثر من ذلك معناه مطالبتها بالانتحار السياسي. كل ذلك يعززه أن السؤال الذي طرحته quot;حماسquot; ويكرره الفلسطينيون من ورائها ولم تُقدم له إجابة لا إسرائيلياً ولا أميركياً هو: ماذا ستحصل quot;حماسquot; عليه مقابل أي اعتراف مباشر وغير مشروط بإسرائيل؟ وكانت منظمة التحرير وquot;فتحquot; وبقية الفصائل قد فعلت ذلك منذ زمن طويل ولم تحصد سوى الريح!

تُضاف إلى ذلك حقيقة أخرى وهي أن quot;حماسquot; متوقفة عملياً عن القيام بأية أعمال عسكرية منذ فترة طويلة, ولم تعد المدن الإسرائيلية تشهد عمليات تفجير تشل حركتها وحركة سكانها. وهو توقف حكيم ويجب أن يستمر, فهناك مهام وأجندات أكثر إلحاحاً ولها أولوية قصوى الآن. لكن هذا التوقف ينطوي على مغزى كبير وهو أن quot;أقنوم الأمن الإسرائيلي المقدسquot; يتحقق, من ناحية براغماتية صرفة, بشكل أكثر فعالية مع وجود quot;حماسquot; في الحكم لا في المعارضة.

مع ذلك كله, وفوقه قبلاً وآخراً، أن quot;حماسquot; منتخبة بإرادة شعبية نادرة الحدوث عربياً, ثم تقود واشنطن حملة دولية لحصار quot;حماسquot; وحكومتها والشعب الذي انتخبها. وتتردى أوروبا في موقف مخز وراء الرغبة الأميركية. والأسوأ من ذلك كله أن تتصرف عواصم عربية بتبعية مذهلة وتخضع للإملاء الأميركي فيستنكف وزراء خارجياتها وبقية وزراء حكوماتها حتى عن لقاء وزراء من الحكومة الفلسطينية, خضوعاً لواشنطن وسياستها. أما أسوأ الأسوأ فهو تمادي جزء كبير من الثقل quot;الفتحاويquot; داخل فلسطين وخارجها في التواطؤ المباشر وغير المباشر مع الخطة الأميركية والإسرائيلية لإسقاط quot;حماسquot;. إذا نجحوا جميعاً في إسقاط حكومة quot;حماسquot; المنتخبة, فإن الوضع الفلسطيني والإسرائيلي قد يسقط كله في دوامة عنف قد لا نكون شهدنا مثلها في السابق رغم كل العنف الذي شهدناه.