الإثنين: 2006.07.010

د. ريم مرايات


قبل مدة قام جاكي شان نجم افلام الحركة في هونغ كونغ بالتبرع بنصف ثروته للاعمال الخيرية ليسير بعد ذلك وكما قالت الصحف على خطى وارين بوفيت وبيل غيتس واخرين ممن شغلتهم المعاناة الانسانية وعظم احساسهم بها، من امثال المذيعة العالمية اوبرا التي شاهد الملايين من الناس في العالم تبرعها السخي لبناءمساكن لاولئك الذين دمر حياتهم اعصار كاترينا، واستجاب لدعوتها وحذا حذوها لاعب التنس الشهير نيت وقام عدد من المشاهير بالتبرع بالملايين لضحايا تسونامي.

وقبل هؤلاء بما يزيد على مائة عام قام العالم السويدي، ألفريد نوبل في وصيته المدهشة بوقف مبلغ مليون جنيه لكي تمنح من فائدته جوائز سنوية لافضل عمل في ميادين الفيزياء والكيمياء والطب والفسيولوجيا والآداب لصيانة السلام الدولي على ان تمنح جوائزه دون اعتبار للجنسية او الدين، كما يجوز منحها لمنظمة او جمعية كما يمكن اقتسامها على شخصين.

ومهما تكن اسماء اولئك الذين حصلوا على الجائزة، فان هذا لا يغير من كونها نتاج عقل مبدع ينتمي للبشرية، ويحمل في وعيه معاناتها الطويلة في البحث عن اسباب السعادة والسلام والامن والاطمئنان، وهي معان عظيمة في حياة الناس عامة والمتعبين منهم على نحو خاص.

ومهما كانت الدوافع التي حدت بالمتبرعين لبذل اموالهم لبناء حياة الناس، فقد خلدوا انفسهم من خلال المال وجعلوه وسيلة للرضا والصفاء النفسي والراحة الذهنية بالمشاركة الانسانية والسعي نحو امكانية التوحد مع الذات العاقلة الكبرى في هذا الكون، اذ العقلاء يبنون العالم واصحاب الجهالة يهدمون، العقلاء ينتصرون لقيم الحب والخير والعدل والسلام، والجهلاء على تفاهاتهم يعيشون وبأوهامهم يفرحون!

فمن يصدق أن الجوع والحرمان والتعذيب وقتل براءة الصغار ودفن احلام الشباب وانقطاع الامل بالمستقبل وبالحياة الكريمة افعال بشرية تستحق الاعجاب والاحتفال والشعور بالانتصار؟!

ليس كثرة المال هي التي دعت نوبل من قبل واولئك المتبرعين وغيرهم لافعال الخير، بل رجاحة العقل وسلامة التفكير، العقل القادر على الابداع والانجاز، هو الاقدر على العطاء والبناء، لوعيه بالشرط الانساني في حياة الانسان على الارض، والقدرة على الارتقاء بالحس البشري الى مصاف لا يبلغها ولا يدركها الا العارفون، المدركون لمعنى ان تضع نفسك في مكان الآخر، حيث تشف النفس وتصبح مصقولة كالمرآة تنعكس فوقها آلام وآمال الآخرين في البحث عن الحياة الحرة الكريمة والسعي نحو خلق التوازن وتحقيق الانسجام في العلاقة مع العالم من خلال الحب والسلام وجملة القيم المرتبطة بهما.

نوبل انسان فرد استطاع ان يلهم الناس لاكثر من مائة عام حين ارتقى بفكره وفعله الى درجة العالمية، بتعميق المعاني التي تخدم الحياة وتوفر الشروط التي تجعلها ممكنة للملايين من البشر.

ويمكن لكل فرد قادر ان يحذو هذا الحذو، ليس بتخصيص جائزة عالمية كبرى فحسب، وانما بالتبرع للمحتاجين ومساندتهم حتى في محيطنا الشخصي الصغير والضيق، فكم يملك الاثرياء من العرب من المليارات القادرة لو قيض لها عقل مبدع ان تنقذ مستقبلهم وتعيد لهم كرامتهم المفقودة، وكم يوجد بيننا من ثري ليس لديه استعداد لدعم دراسة طالب واحد، او تبني موهبة واحدة، او كفالة يتيم او اطعام مسكين او التبرع لعمل خيري او لدار مسنين او حتى لفكرة بناءة!

واني لاعجب كيف يمكن لمجتمع ان يتقدم اذا استشرت فيه القيم الفردية وطغت على ما سواها!

جائزة نوبل انتصار للعقل والعقلاء وهي دعوة مفتوحة لكل انسان للمشاركة في بناء العالم على اساس من المحبة والوعي والصدق والالتزام، والاحساس بالآخر وبالعالم المتغير من حولنا في كل لحظة!