الإثنين: 2006.07.010
عبد الحميد الأنصاري
كثيرون أملوا أن تحدث مشاركة المرأة في انتخابات مجلس الأمة ,2006 تغييراً في الحياة السياسية, وكثيرون كتبوا عن صوت المرأة الذي سيغير تركيبة مجلس الأمة, وكثيرون تمنوا فوز امرأة واحدة من بين (27) مرشحة بمقعد في البرلمان, ونواب سابقون في المجلس وقفوا مع حقوق المرأة تعشموا وراهنوا على صوت المرأة نصيراً لهم, ولكن كل ذلك لم يحدث, فلا الحياة السياسية تغيرت, ولاصوت المرأة غير من تركيبة المجلس, إذ عادت نفس الوجوه القديمة - الملتحية وغير الملتحية - ولم تفز امرأة واحدة رغم كثافة المشاركة النسائية (50.2 في المئة) ومعظم النواب الذين ساندوا حقوق المرأة سقطوا - نشرت الصحف الكويتية أسماء عشرة منهم.
لقد خيبت المرأة في أول مشاركة انتخابية كل الآمال والتوقعات, إذ خذلت, ليس فقط بنات جنسها من المرشحات, بل - أيضاً - هؤلاء الذين وقفوا في صفها وتحملوا الكثير من أجل حقوقها - وهذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها دون خداع للنفس.
لقد عاد خصوم المرأة السياسيون وبشكل أكثر شراسة وتصلباً وعلى رأسهم النائب فيصل المسلم, الذي كان أول تصريح له بعد الفوز انه ضد توزير المرأة - مع أنه فاز بفضل الأصوات النسائية!
الآن: ما الرسالة التي تريد توصيلها هذه الانتخابات?
كثيرن انشغلوا بتوصيل الرسالة إلى الحكومة وأعادوا وكرروا بأن على الحكومة الكويتية أن تحسن قراءة نتائج الانتخابات, وتتفهم طبيعة الرسالة التي يريد الناخبون توصيلها عبر اختيار هؤلاء النواب, وهي رسالة تتلخص في أن الشعب الكويتي قد ضاق ذرعاً بالفساد والمحسوبية وتردي الأوضاع وأنه يريد الإصلاح عبر بوابة تعديل الدوائر, ولكن ما غفل عنه - أيضاً - كثيرون, رسالة أخرى جانبية, هي أن كل من يقف بجانب المرأة سيجازف بمستقبله السياسي, ولذلك أتصور أن هؤلاء النواب سيترددون كثيراً في الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية أو عن أية امتيازات للمرأة, مستقبلا, هذا أحد الدروس المنطقية لانتخابات الكويت!
أن تُسقط المرأة المرأة, هذا أمر مفهوم يمكن تفسيره بالغيرة النسائية كما قال أحد الإسلاميين raquo;فالمرأة بطبيعتها الفطرية تغار من مثيلتها وبمعنى أدق ممن تنافسها على لفت الأنظارlaquo; - أحمد الفهد, الوطن 3/7 - وهي التي دفعت (6) مرشحات للتنافس في دائرة واحدة فتوزعت الأصوات ولو اتفقن على واحدة منهن لكانت فرصة الفوز أقرب احتمالاً. ولكن لماذا وقفت المرأة في معظم الدوائر ضد من ناصروها? ولماذا ساندت النساء من وقفوا ضدها سواء عبر الحملات الانتخابية واللجان النسائية التي كانت تطرق أبواب الناخبات أو بالمشاركة بالتصويت?
يذكر المراقبون تفسيرات عدة لهذا الموقف النسائي المنحاز يمكن تصنيفها في أربعة تفسيرات هي:
1 - التفسير الديني: وهو يرجع فوز (18) نائباً إسلامياً إلى أن معظم النساء يثقن في المرشحين من ذوي التوجهات الإسلامية أكثر من غيرهم, إضافة إلى تقيدهن بالفتاوى الدينية التي حذرت من مخالفة المرأة لزوجها في التصويت حتى لا تقع في المعصية, ولذلك كتب أحدهم يشكر الحكومة على قانون المرأة لأنه من مصلحة الإسلاميين, وهم الرابحون الأكبر.
2 - التفسير الاجتماعي: وهو يقوم على تأثير العائلة والعشيرة والقبيلة والطائفة على تصويت المرأة, وقد نشرت raquo;القبسlaquo; الكويتية استطلاعاً قبل الانتخابات صرح فيه 30 في المئة من الذكور بأنهم سيلزمون الإناث بالتصويت لمرشحيهم. والمرأة بصفة عامة لاتميل للخروج على اختيارات القبيلة والعائلة حتى لا تتعرض للانتقاد.
3 - التفسير النفسي: وهو أطرف ماقرأته في تفسير هذا الانحياز الأنثوي لخصوم المرأة استناداً إلى المثل الشعبي raquo;المرأة مع خناقهاlaquo; حيث يضيف بعضهم raquo;فالمرأة في الغالب وقفت ضد من ناصرها ودعم حقها السياسي واحتاس معها حوسة عندما اعتمد على رجاحة عقلها, ولكن الظاهر أنها نسيت قول الله: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) وهي بهذا الموقف طبقت مقولة (اتق شر من أحسنت إليه)laquo; - ترفه العنزي, الوطن 2/7 - وهذا ما دفع فؤاد الهاشم إلى أن يطالب باختيار عينة عشوائية من (الحريم) اللاتي توجهن إلى مقار الانتخابات وأدلين بأصواتهن للرجال, للفحص العقلي والنفسي - الوطن 2/.7
4 - التفسير السياسي: وهو يفسر موقف النساء بقلة الوعي السياسي لدى المرأة وبخاصة في المناطق الخارجية والقبلية, يقول فؤاد الهاشم raquo;النائب فيصل المسلم أعلن أنه ضد توزير المرأة, وللعلم فقط, حصل النائب المسلم الذي من إنجازاته في المجلس الماضي منع بيع - السوتيانات والغواملج - في المحال التي يديرها رجال - على (1623)صوتاً للنساء, أي نصف عدد الأصوات التي أوصلته إلى البرلمان! هذه المعلومة نسوقها إلى raquo;الخاملاتlaquo; اللواتي أعطينه أصواتهن!laquo; -الوطن 4/7 - ولكن هناك تفسيراً سياسياً آخر مضاداً للتفسيرالأول الذي يتهم المرأة الكويتية بقلة الوعي السياسي, بل يقول هذا التفسير إن تصويت المرأة لهؤلاء النواب - ولو أنهم وقفوا ضدها - يدل على قمة النضج السياسي, لأن هؤلاء هم الذين وقفوا ضد الحكومة وطالبوا بالإصلاح ومحاربة الفساد ورموزه ووقفوا كتلة واحدة (29) نائبا في ضرورة تعديل الدوائر إلى (5) دوائر وهددوا باستجواب الحكومة إذا لم تلب مطالبهم. فهؤلاء هم فرسان الإصلاح واستطاعوا كسب المرأة العاطفية المتحمسة للإصلاح والشباب البرتقالي المتحمس للتغيير عبر الوعود البراقة والصراخ العالي ضد الحكومة واتهامها بالفساد, فهذا الموقف من المرأة يصب في مصلحة الكويت ويدل على وعي المرأة وبخاصة أن هؤلاء النواب تعهدوا بكشف الذمة المالية وتقديم قانون من أين لك هذا? وأقسموا على تعديل الدوائر.
أتصور أن التفسيرات الأربعة صحيحة, ويحمل كل منها جانباً من الحقيقة, ولكن المحصلة النهائية لمشاركة المرأة ليست لمصلحة المرأة التي خرجت منها صفر اليدين وعززت حكم الرجل وانفراده برسم مستقبل المجتمع.
ولعل أعظم الدروس المستفادة من تجربة المشاركة النسائية في الكويت, أن أولويات المرأة الكويتية والعربية - عامة - غير أولويات الناشطين والناشطات في قضايا حقوق الإنسان, وهموم المرأة العربية أكبر من الهم الديمقراطي الذي ينشغل به المثقفون.
- آخر تحديث :
التعليقات