الإثنين: 2006.07.17

سعد محيو

خطاب السيد حسن نصر الله الذي دشّن فيه الحرب المفتوحة مع ldquo;اسرائيلrdquo;، دغدغ الكثير من المشاعر القومية للمواطنين اللبنانيين والفلسطينيين وبقية العرب. فهو بتركيزه الشديد على العزة والكرامة ورفع الرأس في مواجهة الدولة العبرية، أيقظ قاموساً لغوياً ظن الكثيرون أنه دفن مع تشييع الحقبة الناصرية. وهو قرن وعد الكرامة البلاغية بوعيد القوة الواقعية، عبر إغراق بارجة ldquo;اسرائيليةrdquo;، والتهديد بقصف تل أبيب وحيفا، وأعاد الأمل بإمكان اصلاح شيء من الخلل الفادح في موازين القوى الشرق أوسطية.

لكن، وبعد قول كل شيء عن ايجابيات هذا الخطاب، نأتي الى السلبيات التي تبدو كثيرة هي الأخرى.

أولى هذه السلبيات أن نصر الله أغفل الدولة اللبنانية والقوى والزعامات السياسية الأخرى، وتصرف كأنه رئيس جمهورية يتمتع وحده دستورياً بقرار الحرب والسلام، فيحق له منفرداً تحديد مفهوم الأمن القومي اللبناني ومضامينه. وهذا خطأ لم يكن على السيد الوقوع فيه. كان الأحرى به، وقد أدخل البلاد في أتون الحرب الشاملة، أن يدعو الى تشكيل هيئة عليا تضم، مثلاً، 7 قيادات من هيئات الدولة والمجتمع السياسي لإدارة المعركة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بشكل مشترك ومتكاتف ومتضامن.

ثانية السلبيات أن الأمين العام لحزب الله أعلن الحرب المفتوحة، من دون أن يحدد بدقة أهدافها: هل هي لتحرير مزارع شبعا والأسرى، أم لدعم حركة حماس وسوريا وايران، أم لقذف الكيان ldquo;الاسرائيليrdquo; في البحر؟ حرب من دون أهداف واضحة، هي وصفة مضمونة للهزيمة أو على الأقل للنكسات.

ثالثة السلبيات أن نصر الله كان يجب أن يحدد الظروف التي يمكن بها وقف اطلاق النار، وبالتالي الحرب. ldquo;اسرائيلrdquo; فعلت ذلك حين وضعت ثلاثة شروط تبدأ بإطلاق الأسيرين ووقف اطلاق الصواريخ وتنتهي بتنفيذ القرار ،1559 وكان من المفترض أن يرد حزب الله بوضع شروط قابلة للتنفيذ، وألا يدير الظهر كلياً (كما فعل السيد) للأسرة الدولية.

قد يقال هنا إن هذا ليس وقت الحساب او المحاسبة، وإنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، أو على الأقل على صوت أزيز الطائرات ldquo;الاسرائيليةrdquo; المغيرة. وهذا رأي سليم لو أن الوضع في لبنان سليم. لكن الأمر ليس كذلك، فالشغل السياسي الأمريكي، والغربي، على قدم وساق هذه الأيام لشطر الداخل اللبناني الى معسكرات متحاربة، فور شعور ldquo;اسرائيلrdquo; بأنها حققت بعض أهدافها العسكرية. وهذا يتمثل في الدعوات الأمريكية العلنية لدعم حكومة فؤاد السنيورة وrdquo;مناشدةrdquo; اسرائيل عدم إضعافها أو إسقاطها. كما يتمثل في الفرز الداخلي الأعمق الذي بدأ يتسبب به التجاذب العنيف بين مصر والسعودية والأردن المعارضة ل ldquo;مغامرات حزب اللهrdquo;، وبين سوريا وإيران المؤيدتين لهذه ldquo;المغامراتrdquo;.

لهذه الأسباب، وغيرها الكثير، كان على نصر الله أن يوازن بدقة في خطابه المحوري بين موجبات المعركة ضد ldquo;اسرائيلrdquo; في الخارج، وبين متطلبات الوحدة الوطنية والصمود في الداخل. ولأنه لم يفعل، ترك الساح ممهدة أمام تحرك واشنطن (عما قريب على الأرجح) لمحاولة ترجمة الاعتداءات العسكرية ldquo;الاسرائيليةrdquo; انجازات سياسية محددة. وهذا سيحدث أولاً وأساساً على الساحة الداخلية اللبنانية.

أجل. خطاب السيد نصر الله كان تاريخياً في توجهاته، ومعبئاً للمشاعر القومية في نفحاته. لكن لا شموليته، ولا وضوح أهدافه، أثارا أسئلة مقلقة عن طبيعة المرحلة المقبلة في لبنان؛ أسئلة كان يجب ألا يسمح لها بأن تطل برأسها، في ظروف ldquo;الحرب المفتوحةrdquo;.