بيروت : وليد خدوري - الحياة


انخفضت أسعار النفط الخام الأسبوع الماضي من 77 إلى 71 دولاراً للبرميل إثر وقف الحرب على لبنان، وإعلان شركة laquo;بي بيraquo; أن إغلاق حقل laquo;برودو بايraquo;، أكبر حقل نفطي أميركي، سيكون جزئياً وليس شاملاً، أي ان نقص الإنتاج سيكون 250 ألف برميل يومياً بدلاً من 400 ألف كما أعلن سابقاً.

إلا أن السوق لا تزال حذرة ومتخوفة. والدليل على ذلك استمرار الأسعار على مستويات عالية، والإنخفاظ التدريجي والبطيء لها بدلاً من الهبوط السريع والكبير. والسبب هو الاستحقاقات المقبلة، السياسية منها على الأقل، وفي الشرق الأوسط بالذات، ناهيك عن نيجيريا (التوقف الفعلي لإنتاح حوالى 750 ألف برميل يومياً)، وموسم الأعاصير في المحيط الأطلسي وخليج المكسيك.

ففي 22 آب (أغسطس) الجاري، ستعلن إيران رسمياً عن سياستها تجاه مواصلة تخصيب اليورانيوم، بعد أن رفضت أن تكشف عن موقفها الرسمي في منتصف الشهر الماضي عند اجتماع قمة الثماني في سان بطرسبورغ.

وفي 31 آب، سيناقش مجلس الأمن احتمال فرض عقوبات اقتصادية على إيران في حال عدم قبولها العرض الذي قدم لها ووقف التخصيب. ويحتمل أن تشمل العقوبات قيوداً على إجراءات السفر للمسؤولين الإيرانيين، وأخرى على التحويلات المالية، واحتمال منع توريد 200 ألف برميل من البنزين يومياً الى السوق الإيرانية.

والملف النووي الإيراني هو محور الصراع القائم في الشرق الأوسط اليوم، وسبب نزاعات كثيرة دائرة الآن. وما الحرب التي دارت على الساحة اللبنانية إلا جزءاً منها. ومن ثم تتطلع الأسواق بحذر ودقة الى أي تطورات في هذا المجال، ايجابية أو سلبية، لانعكاساتها المهمة على الساحة النفطية مستقبلاً.

فعلى رغم أن هناك مخزوناً نفطياً عند الدول الصناعية الغربية يزيد على ثلاثة بلايين برميل، وعلى رغم إمكان العالم أن يتعايش مع انقطاع النفط الإيراني لمدة سنة ونصف سنة على الأقل، إلا أن حجم التدمير الذي حصل في الحرب الأخيرة إن دلّ على شيء، فهو أن الحروب المستقبلية في المنطقة لن تقتصر على وقف تدفق النفط لفترة محدودة، بل أيضاً احتمال تدمير منشآت بترولية يصعب استبدالها في فترة قصيرة.

وفي وقت وصلت الطاقة الإنتاجية والتكريرية الفائضة الى مستوى حرج، فإن أي تدمير واسع للمصانع البترولية في الخليج سيعني ليس فقط ارتفاع الأسعار عالمياً، بل نقصاً فعلياً في الإمدادات.

ومع انتهاء الحرب على الأراضي اللبنانية، لا تزال الساحة العراقية تشتعل. فالقتلى بالآلاف خلال الشهر الماضي، وليس في بغداد فقط، بل في شمال وغرب وشرق وجنوب البلاد. واختلفت المعارك ما بين اغتيالات بالمفرد والجملة بناءً على الهوية الطائفية، أو من جانب العصابات المرتزقة، أو قوات الاحتلال، أو صراعات داخل الطائفة الواحدة، كما حصل في كربلاء والبصرة الأسبوع الماضي ndash; إما صراع على النفوذ والسلطة، أو خلاف حول الفيديرالية والعلاقة مع إيران.

وما يزيد الطين بلة هو الفوضى والفساد المنتشر في البلاد. فقد أعلن رئيس مفوضية النزاهة القاضي راضي الراضي في مؤتمر صحافي في بغداد في 16 آب أن هيئته laquo;تحقق في مصير 7.5 بليون دولار من المبالغ الضائعة جراء الفساد المستشري في دوائر الدولةraquo;. وهذا المبلغ يساوي نحو ثلث دخل العراق السنوي من مبيعات النفط الخام. وبهذا يحتل العراق في هذا العهد المرتبة الأولى عالمياً في laquo;الفساد النفطيraquo;، ويكون بذلك سبق نيجيريا التي كانت في الصدارة سابقاً.

وتتوضح حدة الصراع في إخفاق السلطات في توفير المواد الأساسية للمواطنين، خصوصاً الوقود. الأسباب كثيرة وقديمة، وقسم منها موروث من النظام السابق. إلا أن المشكلة الأساسية هي عدم قدرة الحكومة وقوات الاحتلال خلال السنوات الثلاث الماضية، على حماية منظومة الأنابيب، على رغم جميع الاستعدادات العسكرية والمخصصات المالية.

إما بالنسبة الى الصادرات، وهذا ما يقلق الأسواق العالمية، فقد أخفقت جميع المحاولات حتى الآن في تأمين الصادرات النفطية من كركوك الى البحر الأبيض المتوسط.

وازدادت مخاوف الأسواق في الأسبوع الماضي من حدثين جديدين. الأول، الانهيار الأمني في البصرة (عاصمة العراق النفطية) والهجوم على مقر المحافظ وقطع الطريق الرئيسي الى بغداد من قبل العشائر. والثاني، كلام الرئيس الأميركي جورج بوش الثلثاء الماضي في جلسة حوار مع بعض الأكاديميين الأميركيين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط، والذين كانوا يدعون إلى تقسيم العراق، الذي اكد أنه ضد رأيهم في تقسيم العراق كحل للخروج من الأزمة.

وتخوّف الأسواق يكمن في مصير صادرات النفط العراقي في ظل انهيار كامل للأمن في البصرة، أو نزاعات وصدامات في الوسط والجنوب في حال المغامرة، لا سمح الله، والدخول في جحيم التقسيم.