أمير طاهري


ثمة لعبة جديدة في السياسة البريطانية تسمى laquo;المسلمون غاضبونraquo; وهي لعبة الغرض منها حملُ رئيس الوزراء توني بلير على ترك منصبه. بدأت هذه اللعبة بالتأكيد على ان laquo;الجالية المسلمة البريطانية تستشيط غضباraquo; إزاء بلير بسبب سياسته الخارجية. ثم اتخذت اللعبة اتجاها آخر لتؤكد ان غضب المسلمين هو الذي تسبب في حدوث الهجمات الارهابية في يوليو (تموز) العام الماضي، الى جانب المخططات التي كشف النقاب عنها. وتنتهي اللعبة بادعاء يتلخص في انه ما لم تعِد بريطانيا صياغة سياستها الخارجية فإنه لن يكون هناك شخص في المملكة المتحدة في مأمن من إرهاب laquo;المسلمين الغاضبينraquo;.

الكثير من البريطانيين الذين يتسمون بالعقل والواقعية يتعاملون مع هذه اللعبة بدون التساؤل بشأن الفرضية الاساسية التي تقوم عليها.

ترى، هل هناك أي دليل على ان كل المسلمين في بريطانيا (حوالي 1.8 مليون نسمة)، او حتى عدد كبير منهم، laquo;غاضبونraquo; تجاه بلير بسبب سياسته الخارجية؟ وهل من الممكن ان نضع كل المسلمين في بريطانيا في laquo;مجموعةraquo; واحدة؟

اذا افترضنا ان هناك laquo;جالية اسلاميةraquo; واحدة، هل ينبغي ان نفترض ان حفنة من الارهابيين تتحدث نيابة عنها؟ أوليست هذه إساءة للمسلمين البريطانيين؟ واذا افترضنا ان هناك حفنة من الارهابيين تتحدث باسم كل المسلمين في بريطانيا، كيف نفسر الهجمات الارهابية التي وقعت في اسبانيا، حيث يرتدي رئيس الوزراء الاسباني الكوفية الفلسطينية، وألمانيا التي لم تكن طرفا في الحرب على العراق، وتركيا الدولة المسلمة التي يحكمها حزب إسلامي؟

تواجه ما لا يقل عن 46 دولة من جملة 57 دولة تسكنها غالبية من المسلمين نفس نوع الارهاب الذي تواجهه بريطانيا، فهل هذا ايضا نتيجة خطأ من جانب توني بلير؟

وبما اننا في لعبة افتراضات، دعونا نفترض ان بلير قد ذهب وجرى تشكيل حكومة بريطانية جديدة لتنفيذ سياسة من السياسة الخارجية يجعل laquo;المسلمين الغاضبينraquo; يشعرون بفرح غامر. ترى، ما هي التغييرات التي ينبغي على بريطانيا إجراؤها كي تصبح آمنة من ارهاب الاسلاميين؟

لم يطرح هذا السؤال من ينظرون الى انفسهم كـlaquo;قادة مسلمينraquo; في بريطانيا، وهم في واقع الأمر لا يمثلون سوى زمرتهم الصغيرة، ولا حتى اعداء توني بلير غير المسلمين الذين يكرهونه لأسباب لا علاقة لها بالإسلام.

هل يجب على بريطانيا التخلي عن تأييدها لاتفاق كيوتو والمحكمة الجنائية الدولية؟ هل تلغي مساعدتها وقراراتها الخاصة بإلغاء الديون على الدول الفقيرة، خصوصا الكثير من الدول المسلمة في افريقيا؟

أم يجب على بريطانيا التخلي عن موقعها القيادي في المفاوضات العالمية بشأن التجارة العادلة؟ هل اخطأت بريطانيا في وضعها نهاية للحرب التي ظلت دائرة في اوغندا على مدى عشرين عاما؟

حتى اكثر منافسي بلير عداء ربما يجدون صعوبة في الإجابة بنعم على الاسئلة السابقة.

لنتناول الآن قضايا مثيرة للاهتمام بالنسبة للمسلمين، بمن في ذلك المسلمون في بريطانيا.

* هل كان بلير على خطأ عندما فرض بالقوة إعادة الرئيس المسلم المنتخب في سيراليون بعد ان أطاح به اعداؤه المسلمون؟

* هل كانت بريطانيا على خطأ عندما ارسلت قواتها الى البوسنة والهرسك لحماية السكان المسلمين هناك من مذابح الصرب والكروات؟

* هل يجب ان يعود راتكو ميلاديتش ورادوفان كاراجيتش من مخبأيهما ليذبحا المسلمين مرة اخرى؟ وماذا عن كوسوفا؟

* هل كانت بريطانيا على خطأ عندما ارسلت قواتها لمنع إبادة مسلمي ألبانيا؟ وهل نأتي بسلوبودان ميلوشيفيتش من عالم الموتى ونسمح له بمواصلة ذبح المسلمين؟

* ربما كان توني بلير على خطأ عندما ضغط باتجاه إرسال 20000 جندي من قوات الامم المتحدة الى دارفور لوقف المذابح هناك.

* هل كان بلير خاطئا في مساعدته عدة دول مسلمة في ان تصبح اعضاء في منظمة التجارة العالمية في مواجهة إحجام الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي؟

* هل نتوجه الى بلير باللوم لتشجيعه حلف شمال الأطلسي (الناتو) على قبول علاقة شراكة مع ثماني دول مسلمة؟

* هل نلوم بلير ونقتل أفرادا داخل قطارات الأنفاق لأن القوات البريطانية لا تزال مستمرة في الحيلولة دون وقوع حرب اهلية بين المسيحيين والمسلمين في قبرص؟

* هل كان بلير خاطئا في الانضمام الى الحملة التي وضعت نهاية لحكم طالبان الوحشي في افغانستان وأتاحت للشعب الأفغاني فرصة لتشكيل حكومة باختياره؟ وهل نعيد الملا عمر الى كابل كي يشعر معارضو بلير المسلمون وغير المسلمين بالفرح؟

ام يا ترى ان بلير يستحق اللوم والبريطانيين يستحقون القتل لأن بلير نجح في إقناع ادارة الرئيس جورج بوش بالالتزام تجاه خيار قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، الشيء الذي لم تفعله ادارة اميركية من قبل؟

وأخيرا، هناك الغضب المفترض تجاه ما يحدث في العراق.

هل أخطأت بريطانيا في مساعدتها لإنقاذ الشعب العراقي من أكثر الأنظمة بشاعة ودموية في التاريخ العربي القريب؟ هل نعيد صدام حسين الى السلطة ونعيد ابن عمه laquo;علي كيماويraquo; ونسمح له بمواصلة ضرب الأكراد بالغازات السامة وذبح العرب الذين يختلفون معه؟

ولأنهم لا يتجرأون على مواجهة مثل هذه الاسئلة فدائما ما يأتي معارضو بلير بادعاءات مثل: ظل توني بلير على علاقة وثيقة مع جورج بوش.

هل هذا صحيح؟

ظلت الحكومة البريطانية على اختلاف مع واشنطن حول عدة قضايا ذات اهمية في الساحة العالمية. المرة الوحيدة التي وقف فيها بلير الى جانب بوش هي عندما كان عليه الاختيار بين الولايات المتحدة، كحليف ديمقراطي، والنظام الإجرامي الذي لم يكن عدوا لشعبه فقط وإنما للبشرية جمعاء.

اختار بلير الولايات المتحدة عندما كان الخيار بينها وميلوشيفيتش. وعندما كان الخيار بين الملا عمر والولايات المتحدة اختار بلير الولايات المتحدة، وعندما بات الخيار بين صدام حسين والولايات المتحدة اختار بلير الولايات المتحدة، وعندما كان الخيار بين ابو مصعب الزرقاوي والولايات المتحدة اختار بلير الولايات المتحدة.

الآن يجب على الذين يكرهون بلير لأسباب يعرفونها ان يقولوا بوضوح ما اذا كانت هذه الخيارات خاطئة، وأن يقولوا ايضا انهم كانوا سيقفون مع من اعتبرهم بلير أعداء. وفي نهاية الأمر، ما هي السياسة اذا لم تكن خيارا بين الصديق والعدو؟

هل هناك أي دليل على ان مسلمي بريطانيا يعتبرون الملا عمر وأسامة بن لادن والزرقاوي أبطالا لهم؟

الحقيقة هي انه خلال فترة السنوات العشر السابقة برزت بريطانيا كدولة لها علاقات وثيقة مع العالم الاسلامي. فهي الشريك التجاري الأول لغالبية الدول المسلمة، فضلا عن كونها الوجهة الاولى للمسلمين الذين يسعون الى متابعة دراساتهم خارج بلدانهم، كما انها تجتذب عددا من الزوار المسلمين.

تجتذب بريطانيا ايضا نصف استثمارات المسلمين خارج بلدانهم. ومقارنة بعدد المسلمين فيها يوجد في بريطانيا ضعف عدد المساجد الموجودة في ايران. يضاف الى ذلك ان بريطانيا واحدة من بضع دول تتمتع فيها كل المذاهب المسلمة بكامل الحرية في ممارسة عقائدها وإدارة مدارسها وتطوير ثقافتها وإدارة وسائل إعلامها والترويج لأفكارها.

ليس من بين الارهابيين الذين نفذوا التفجيرات الانتحارية العام الماضي، او المتورطين في مخطط هذا العام، أي صلة بأفغانستان او العراق، ولا بالطبع البوسنة والهرسك او كوسوفا او سيراليون او قبرص (الدول التي تدخلت فيها بريطانيا عسكريا). ليس لديهم حق في التحدث باسم هذه الدول.

بنفس القدر، ليس لدى منتقدي بلير، ومعظمهم ملحد، أي تفويض للتحدث باسم المسلمين في بريطانيا. ليس ثمة شك في ان لديهم كل الحق في معارضة سياسة بلير الخارجية، لكنهم يجب ان يقولوا لماذا يفعلون ذلك، وماذا يمكن ان يفعلوا بدلا عن ذلك وعنه. خطر الإرهاب ليس حجة لإجراء تغيير، وإنما نداء استسلام أمام الارهابيين.