سولومون مورا


بعد أقل من ثلاثة أشهر من استكمال الوزارة العراقية، يُناقش الائتلاف الشيعي، الذي يُمثله رئيس الوزراء نوري المالكي، إجراء تغييرات في عدد من المناصب الوزارية بضمنها استبدال مَن يقف على رأس وزارة الداخلية المضطربة، وسط تزايد معدلات العنف في البلاد.
تدير وزارة الداخلية أعداداً هائلة من قوات الشرطة التي يُعتقَد على نطاق واسع أنها مُختَرَقة بكافة فروعها مِن قِبل أعضاء الميليشيا الشيعية المتورطة بالمشاركة أو تقديم الدعم أو السكوت عن مئات عمليات الإعدام غدراً التي ترتكبها فرق الموت.

وقال المالكي في مقابلة أجراها مع قناة التلفزيون الفضائية quot;العربيةquot;: quot;عدد الوزارات التي يشملها التغيير لم يُحدَّد بعد، العدد قد يرتفع أو ينخفض، لا أريد أن أذكر أسماء، لكن حتى الآن هناك ثلاث وزارات، وهناك مناقشات حول وزارتين إضافيتين، لا نُريد أن نقطع بقضية التغيير الوزاري قبل التوصل إلى اتفاق بين وزراء الأحزاب السياسية.quot;
وزيران، في الأقل، مِمن يجري التفكير في تغييرهما يقودان وزارتي الصحة والنقل، وهما من أنصار مقتدى الصدر. يرى المراقبون السياسيون أن التغييرات أملتها ظروفٌ شاذّة تمثّلت بخضوع هاتين الوزارتين تحت سيطرة كاملة لحركة الصدر، كأن يكون كافة موظفيها، على سبيل المثال، من أعضاء الحركة.

بعد أشهر من التأخير والمناقشة بين الأطراف السياسية والطوائف الدينية، اختار المالكي في يونيو وزير الداخلية، جواد بولاني، وهو مهندس شيعيّ وضابط سابق في الجيش العراقي لا يتمتّع بخبرة في إدارة الشرطة. وفي حينه، اعتبر المسؤولون الأمريكان اختيار بولاني نجاحا للحكومة المُمَزَّقة بصراعات الفصائل المتناحرة، مُعتقدين أن وزيراً لا ينتمي لميليشيا، مثلما كان الوزير السابق باقر صولاغ، يُمكن أن يكبح الآلاف من رجال الميليشيا الشيعية الذين يعملون داخل قوات الشرطة في النهار ويقتلون في الليل.


كما اعترف مسؤولون أمريكيون أن أولئك الذين يجمعون القوة حول أنفسهم مستخدمين ما لديهم من مال وسلاح ونفوذ قد تركوا بولاني عرضة لهجمات من أطراف تعارض جهوده الإصلاحية في الوزارة. وعلى هذا الأساس اشتكى بعض السياسيين العراقيين من أنه وزير غير فعّال، وأنه عمل القليل جدّاً لاقتلاع الفساد داخل قوات الشرطة، وإنهاء أعمال العنف الطائفيّ.
قال المسؤولون الأمريكان أيضاً إنهم مسرورون بطريقة قيادة بولاني للوزارة. وأشادوا بإجراءات اتخذها مؤخرا ضد ضباط شرطة تبين أن لهم سجلاً إجراميّاً، وأثنوا على جهوده لمنع تسلّل الميليشيات الشيعية الدموية إلى وزارته، والمتّهمة بتنفيذ أعمال تعذيب واختطاف واغتيالات بملابسهم الرسمية وبسيارات الشرطة.

قال جوزيف بيترسون، الميجر جنرال (اللواء) بالجيش الأمريكي، وهو أحد كبار المستشارين الرسميين لبولاني، إن الوزير قد أنهى خدمات 1775 شخصاً في أول 60 يوما، أي أكثر مما عمله أي وزير سابق، وهذا بحد ذاته علامة كافية على أنه متوجّه، ضمن رؤيته واستراتيجيته،
لمحاربة الفساد، سواء كان لأغراض الابتزاز، أو الإثراء، أو الطائفية، وأنه ماضٍ ضد هذه الأمور التي تتنافى مع وحدة العراق والقانون والنظام.quot;
كما روى بيترسون الإجراءات التي اتخذها بولاني لصالح رئيس شرطة محافظة بابل الذي قام المجلس المحليّ بفصله لرفضه تعيين كتيبة من فيلق بدر، وهي ميليشيا شيعيّة قوية، ضمن قوات الشرطة.
قال بيترسون quot;إن عملية تجنيد ضباط وشرطة من فيلق بدر في محافظة بابل لم تمض قُدماً بسبب رفض قائد شرطة المحافظة تنفيذ الأوامر بذلك مما حاول المجلس المحليّ فصله... وهنا ذهب بولاني إلى المالكي لإعادة قائد الشرطة إلى منصبه.
بولاني شارك أيضا في التحقيق في سجن غير قانوني يديره أعضاء فيلق بدر مِمن هم داخل الشرطة الوطنية العراقيّة تم اكتشافه في بغداد في مايو الماضي في منشأة تحمل اسم الموقع رقم 4. كان هذا السجن يضمّ أكثر من 2000 سجين، معظمهم من السُنّة العرب، وقد عُثِرَ عليهم وهم في حالة بائسة. كان التعذيب سائداً في هذا السجن، في حين أكّدَ مسؤولون في الشرطة العراقية إن عددا من المعتقلين قد توفوا داخل السجن.

قال مسؤولون أمريكيون إن التحقيقات المتعلّقة بهذا السجن السريّ قد أعيقت. لكن أعيقت من قِبل مَن؟ مِن قِبل وزارة العدل نفسها التي مازال يتوجب عليها التحقيق في عدد من القضايا الرفيعة المستوى بناء على توصيات من مكتب بولاني. وقد قلّص بولاني عدد نوابه من أربعة إلى سبعة في محاولة لتحقيق المزيد من السيطرة على وزارته الواسعة الانتشار.
غير أن مسؤولين في الشرطة العراقية بمستويات متوسّطة، على دِراية بقيادة وزارة الداخلية وعمليات الشرطة، قالوا إن بولاني قد أخفقَ في مواجهة زعماء المليشيات داخل وزارته بصورة مباشرة.
وقال مصدر إن مسؤولين رفيعي المستوى في الشرطة داخل وزارة الداخلية مازالوا يسمحون للمليشيات باستخدام مركبات الشرطة لتنفيذ عمليات ليليّة سريّة لا تخرج عن نطاق عمليات قتل السنة.
وذكر المصدر مِثالاً واحداً عندما خصّصَ مسؤولون في وزارة الداخلية عشرات من سيارات تويوتا لاند كروزر لقائد في ميليشيا شيعيّة أخرى، هي جيش المهدي تحديداً.

يضيف المسؤول: quot;لقد خصّصوا لأبي دِرع، قائد ميليشيا جيش المهدي في مدينة الصدر والشهير بوحشيته في قتل السنّة، 70 سيّارة لاند كروزر كهدية.quot; يقول quot;إن ضباط الشرطة هم عادة من يستخدمون السيارات، لكن في حوالي الساعة الثالثة فجرا تصبح السيارات في خدمة الأحزاب.quot;
يضيف المصدر أن نشاطات الميليشيا في وزارة الداخلية في تصاعد مُستمر لأن قادة ميليشيا فيلق بدر وجيش المهدي الأقوياء، قد همّشوا بولاني داخل وزارته.
يقول مصدر أمريكيّ: quot;إن بولاني يُعامَل الآن مثل لُعبة بيد المالكي وميليشيا فيلق بدرquot;.
يقول إن الوزير لم يتخذ أيّ إجراء ضد قادة فيلق بدر المعروفين داخل الوزارة، خاصة تلك الخلية السرية من قادة الميليشيات الموجودة في الطابق السابع من مبنى المقر العام لوزارة الداخلية... quot;إنه غير مُحتَرَم مِن أغلب الشرطة.quot;
اعترف مسؤولون أمريكيون أنه في الوقت الذي تمتّع فيه بولاني بجاذبية لدى القادة الأمريكيين كالسفير زلماي خليل زاد، وقائد الجيش الأمريكي في العراق، الجنرال جورج كيسي، إلا أن الأمريكيين تركوه عرضة للهجمات السياسية.
وأضاف المصدر الأمريكي أن وزير داخلية له صلات بالميليشيا، قد يكون من الصعب على الأمريكيين والمالكي السيطرة عليه، لكنه سيكون أيضاً قادراً على العمل بدرجة أكبر من الحرية، أو بسرعة أكثر، في معالجة القضايا الآنية لسبب بسيط: أن لا أحد يمكن أن يقضي على مثل هذا الوزير quot;لأنّك لو فعلت هذا فستواجه ميليشيا بأكملها.quot;