خيرالله خيرالله


مرّ اليمن في تجربة سياسية مهمّة، ذلك أنّ ما شهده في العشرين من أيلول 2006 لم يكن مجرّد أنتخابات رئيسية تعتبر الأولى من نوعها في البلد من ناحية التنافس الحاد بين برامج مختلفة وقوى سياسية مختلفة. ما شهده البلد في ذلك اليوم كان تأسيساً لمرحلة سياسية جديدة تندرج في السياق الطبيعي للتطور الذي يشهده اليمن منذ أستعادته وحدته في الثاني والعشرين من أيّار في العام 1990 .
أنها أنتخابات تأسيسية لمرحلة جديدة في اليمن، مرحلة تكريس التجربة الديموقراطية التي تقود لاحقاً ألى التداول السلمي للسلطة. ولهذا السبب، لم تكن الأنتخابات الرئاسية مثل غيرها من الأنتخابات بمقدار ما أنّها كانت بداية لمرحلة هي نتيجة طبيعية للمراحل التي سبقتها ونتاج لها. وبلغة أخرى، كانت الأنتخابات الرئاسية التي شهدت تنافساً لا سابق له في المنطقة العربية مؤشراً ألى مدى تعلّق اليمن بالديموقراطية من منطلق أن الديموقراطية والوحدة توأمان لا يمكن الفصل بينهما. نعم، يمكن القول بكل صراحة وبلغة مباشرة أن المكان الوحيد في العالم العربي الذي تجري فيه أنتخابات رئاسية حرّة هو اليمن. حتى في لبنان الذي يعتبر ديموقراطية عريقة، لا يمكن الحديث عن أنتخابات رئاسية ذات طابع ديموقراطي مئة في المئة، نظراً ألى أن البرلمان وليس الشعب هو الذي ينتخب الرئيس في لبنان. وفي معظم الأحيان، هناك ظروف أقليمية ودولية تفرض على النوّاب اللبنانيين أنتخاب رئيس معيّن أو التمديد له كما حصل أخيراً بما يخالف الأرادة الحرّة للبنانيين
أبعد من تجربة الأنتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يمكن قوله هو أنّ هذه الأنتخابات كانت دليلاً على أن لا تراجع عن الديموقراطية في البلد وأنّ اليمن مقبلة على تطورات مهمة بعدما أكتشف كلّ حزب أن في أستطاعته الوصول ألى الرئاسة، عبر مرشّحه، متى قدّم برنامجاً يقبل به الشعب ويقتنع به الشعب ويجد فيه الشعب أنّه يحقق له طموحاته وآماله.
منذ تحقيق الوحدة اليمنية، جرت ثلاث تجارب أنتخابية على المستوى التشريعي. وربّما كانت أنتخابات العام 1997 الأهمّ بين التجارب الثلاث، ذلك أنها جرت بعد حرب الأنفصال صيف العام 1994 ، وكانت دليلاً ساطعاً على أن لا رغبة في العودة عن التجربة الديموقراطية في أي شكل من الأشكال وأن اليمن الموحد بلد ديموقراطي قبل أي شيء آخر. كان أجراء هذه الأنتخابات على الرغم من وجود منتصر ومهزوم في الحرب التي فشلت في شرذمة اليمن، دليلاً على أن القرار اليمني واضح وهو أنّ لا عودة عن تجربة الديموقراطية ولا عودة عن تجربة التعددية الحزبية ولا عودة ألى نظام شمولي على غرار ما كانت عليه الحال في الشطر الجنوبي من البلد قبل الوحدة.
ما يبدو مطلوباً الآن هو أثبات أن لا عودة ألى خلف وأن التجربة الديموقراطية ممستمرة في التطور وأن اليمن كلّه أعتمد هذه التجربة وأنّه قادر على التكيف معها نظراً ألى أنّه يتطلع ألى المستقبل وليس ألى الماضي. أن اليمن يرفض بكل بساطة أن يكون أسير الماضي وعقده. أنه يتطلع ألى أمام ، ألى اليوم الذي لا تعود فيه مشكلة في أن يتسلّم أي شخص من أي حزب كان الرئاسة شرط أن يحظى هذا الشعب بالثقة الشعبية عبر أنتخابات حرّة ونزيهة كما حصل يوم العشرين من أيلول الجاري.
اليمن ألى أين؟ ألى مزيد من الديموقراطية وألى مزيد من التنافس بين البرامج التي تطرحها الأحزاب. وما لا بدّ من ألأشارة أليه هنا هو أن اليمنيين جدّدوا ثقتهم بعلي عبدالله صالح لأنّ لديه برنامجاً واضحاً يحدد فيه ما الذي سيفعله في المستقبل. أنّه برنامج واقعي أوّلاً وأخيراً يرفض خضوع البلد للأرهاب والغوغاء ولأي نفوذ خارجي مهما كان هذا النفوذ قويّاً. وكان السبب الأول لخسارة منافسيه تلك الغوغائية التي أعتمدوها. وبكلام أوضح، أن الشعب اليمني يعرف جيّداً من هو الصادق ومن هو غير الصادق. يعرف جيّداً أن للأنتهازية حدوداً وأن لا شيء يجمع بين الحزب الأشتراكي والتجمّع اليمني للأصلاح من حيث المبدأ. الأكيد أن العداء لشخص الرئيس ليس سبباً كافياً للألتقاء حول برنامج لا علاقة له بالواقع بمقدار ما أنّه محاولة لبيع الأوهام والأحلام.
في القرن الحادي والعشرين لا مكان لا للأوهام ولا للأحلام. هناك لغة الأرقام التي تتكلّم وقد فاز من أعتمد هذه اللغة التي يفهمها الشعب. هذا الشعب الراغب في أن يكون لديه مستقبل أفضل يستند ألى ما تحقق في السنوات الأخيرة على كلّ الصعد بدءاً بالطرقات وأنتهاء بالمدارس والسدود. الشعب اليمني ليس غبيّاً أنه يفرّق بين من وضع نفسه في خدمته وبين من يحاول المتاجرة به. لا يعني ذلك أن في أستطاعة الرئيس تفادي المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلد وفي مقدّمها الفساد والأنفجار السكّاني والتنمية والبرامج التعليمية التي لا مفرّ من تطويرها. أنها تحديات حقيقية للمرحلة المقبلة لا بدّ لدول الجوار من مساعدة اليمن في مواجهتها. في النهاية، أن كل دول شبه الجزيرة العربية في مركب واحد. والأكيد أن أمن اليمن بكل ما تعني كلمة الأمن من أبعاد جزء لا يتجزّأ من أمنها والعكس صحيح أيضاً.