الجمعة: 2006.09.29

سعد محيو


ثمة ldquo;هوايةrdquo; مميزة لدى الأمريكيين: ldquo;الوضوح الغامضrdquo;، الذي ربما نشأ من معارضتهم المبكرة لrdquo;الغموض الغامضrdquo; الذي اتسم به أسلافهم الأوروبيون.

ما يريده الأمريكيون يضعونه بتعابير واضحة، ولكن بصيغ غامضة. ويبقى على الآخرين أن يقرروا ما إذا كان هذا الفهم حقيقة أم فخاً.

صدام حسين، مثلاً، استمع بتركيز شديد إلى الجملة الواضحة الغامضة التي نطقت بها السفيرة إبريل غلاسبي عن عدم نية أمريكا التدخل في ldquo;الشؤون العربية الداخليةrdquo; بين العراق والكويت، فوقع في الفخ القاتل. وقبل صدام بأربعين سنة، كان اليابانيون يقعون في حفرة مماثلة حين فسّروا البيانات الغامضة الأمريكية حول عدم التدخل في الباسيفيك، على أنها إشارة واضحة لهم كي يدخلوا هم إليه.

لائحة ضحايا الوضوح الغامض تكاد لا تنتهي: جمال عبد الناصر عشية حرب 1967. صدام (مجدداً) عشية الحرب العراقية ldquo;الإيرانية. حافظ الأسد قبيل حرب 1982. رفيق الحريري قبل أشهر من اغتياله.. ألخ.

والآن، جاء دور كوندوليزا رايس لتمارس مع المنطقة هذه الهواية الخطرة.

فهي قبل أيام أوحت للسوريين والإيرانيين أن واشنطن لا تنوي الذهاب معهم إلى أبعد من بعض العقوبات الاقتصادية، في حال فشلت المحادثات السرية التي يقال إنها تجري الآن على قدم وساق. كما أنها وضعت الصراع في/وعلى لبنان في إطار مريح نسبياً لهم: ldquo;جولة لنا، وجولة لكم، من دون أن يؤدي النزاع إلى موت أحدrdquo;.

هذه كانت الرسائل الواضحة التي أدلت بها كوندي لثلاث صحف أمريكية دفعة واحدة. وإذا ما أخذ السوريون والإيرانيون هذه الإشارات على عواهنها، سيتابعون ألعابهم السياسية باطمئنان في منطقتي الهلال الخصيب والخليج.

لكن أي تفكيك للرموز الغامضة لهذه التصريحات الواضحة، قد تقودنا إلى خريطة طريق مختلفة تماماً يمكن رسم معالمها كالآتي:

واشنطن ربما تخطط لتشجيع تفجير الوضع اللبناني ldquo;الهش للغايةrdquo;، كما وصفته رايس، والذي قد يتعرض فيه بعض قادة 14 آذار/ مارس إلى الاغتيال، كما قالت أيضاً. وبالطبع، أي تفجير من هذا النوع ستلقى مسؤوليته فوراً على أكتاف دمشق.

هذا التفجير المتدرج قد يسير بوتائر تصاعدية حتى أواخر العام الحالي، حيث ينتظر أن يتوّج بجلب قادة سوريين إلى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وحينها، سيكون الخناق أحكم تماماً حول رقبة دمشق.

في هذه الأثناء، تكون المفاوضات الدبلوماسية مع إيران وصلت إلى خواتيم غير مرضية لا للولايات المتحدة ولا للأطراف الأوروبية التي كانت متحمسة للحلول السلمية. وهذا سيمكّن واشنطن من وضع كل خياراتها العسكرية ضد إيران على الطاولة، تساوقاً مع خيارات الضغط المنوعة الاخرى على سوريا. وكل هذا قبيل الانتخابات التشريعية الأمريكية.

سيناريو خيالي؟

ربما. لكن الأمر لن يكون كذلك، حين ندقق في ما بين سطور بيانات ومقابلات رايس الأخيرة. حينها سنكتشف سريعاً أنه حين تتحدث هذه الأخيرة بغموض عن ldquo;حدود اللعبة والصراعrdquo; المقبل في لبنان والمنطقة بين ldquo;التطرف والاعتدالrdquo;، فإنها تطلق في الحقيقة إشارات واضحة عن لعبة بلا حدود، وصراع بلا قواعد.

هواية الوضوح الغامض هي نفسها هنا، بالمناسبة، هواية التدمير الخلاّق التي طبقتها إدارة بوش، ولا تزال، في الشرق الأوسط منذ العام 2000. والأشهر الثلاثة المقبلة ستقدم، على الأرجح، عيّنة أخرى عن هذه الهواية القاتلة!