صالح القلاب
حتى لا تختلط الألوان وتتداخل الأمور وتضيع الحقيقة لابد من التفريق بين إيران كدولة ، لها مصالحها ومخططاتها وتطلعاتها الإقليمية ونزعتها الإمبراطورية وأحلامها القومية الفارسية الشوفينية ، وبين الشيعة وبخاصة الشيعة العرب في العراق ولبنان والخليج وفي كل مكان فهؤلاء شيء وأولئك شيء آخر والتشيع للإمام علي بن أبي طالب وعترته بدأ عربيا والدولة الإيرانية بقيت دولة سنية الى ان قامت الدولة الصفوية .
كل الذين يخبطون الآن خبط عشواء ويضعون الشيعة كلهم في سلة واحدة ويحشرونهم حشرا في مسار المشروع القومي الفارسي المتجدد ، والذي جددته الثورة الخمينية وللأسف ، ربما لا يعرفون أنهم يصبون الحب في طاحونة القوميين الفرس الذين يتطلعون الى هذه المنطقة من زاوية واقع ما قبل الإسلام العظيم والذين لا يسعدهم أكثر من أن تحشر الطائفة الشيعية حشرا في زاوية ضيقة حتى تصبح مجبرة ، تحت الضغط وتحت الترهيب من جهة والترغيب من جهة أخرى ، على اللجوء الى إيران والإحتماء بالمظلة الإيرانية .
إن أخطر ما يمكن ان تواجهه هذه المنطقة ولسنوات مقبلة طويلة هو ان يصاب أهلها بعمى الألوان وهو أن تنقسم الى معسكرين متناحرين ومتذابحين على أسس مذهبية وطائفية هما المعسكر السني والمعسكر الشيعي فهذه هي أم الكبائر وهذا هو الذي يقدم خدمة جليلة لأصحاب المشروع الإمبراطوري الفارسي الذين من أجل مشروعهم هذا يريدون ان يكون الفرز على أساس ان هناك معسكر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأبي موسى الأشعري ومعسكر معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص .
لا مشكلة بين العرب والإيرانيين من الناحية الطائفية والمذهبية فالتشيع كان عربيا قبل أكثر من ألف عام من ان يصبح مذهب الدولة الإيرانية وأئمة السنة الأربعة ، أبو حنيفة النعمان وأنس بن مالك وأحمد بن حنبل والشافعي ، رضي الله عنهم ، كلهم وقفوا ضد إضطهاد العباسيين لآل البيت من نسل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبعضهم جلد وسجن وعـــذب بتهمة التشيع للشجرة العلوية .
إن المشكلة مع إيران ، التي هي دولة جارة حتى عندما كانت إمبراطورية فارسية بين العرب وبينها معركة ذي قار ومعركة القادسية ، هي أن بعض تياراتها بقيت أسيرة هذه الأحلام الإمبراطورية التي من المفترض أن الإسلام جبها وأرسى مكانها قيما ومفاهيم جديدة وهي أن بعض هذه التيارات تمكنت من إستخدام زخم الثورة الخمينية ، التي من المفترض أنها لكل المسلمين في كل أقطارهم بدون التفريق بين شيعة وسنة ، وبدأت تتصرف بعقلية الماضي وبدوافع ثأرية قومية شوفينية .
يجب عدم الوقوع في المطب الذي يريد هؤلاء أن يقع العرب فيه فما يجري في العراق ليس قتالا بين معسكر علي ومعسكر معاوية إنه قتال بين الأطماع الإمبراطورية الفارسية وبين الذين يريدون لهذا البلد العربي ان يبقى عربيا بسنته وشيعته وهذا ينطبق على لبنان إذ أن المشكلة مع حزب الله بقيادة حسن نصرالله ليست مشكلة شيعة وسنة إنها مشكلة التطلعات الإقليمية الإيرانية ومشكلة الذين وضعوا أنفسهم في قطار هذه التطلعات سواء كانوا شيعة أم سنة !! .
هناك الآن موجة طائفية عاتية وخطيرة وهي موجة لا يستفيد منها إلا أصحاب مشاريع تفتيت هذه المنطقة وتقسيمها على أسس مذهبية ودينية وفي مقدمة هؤلاء القوميون الإيرانيون الذين يحاولون إسترجاع أمجاد الإمبراطورية الفارسية والذين من أجل هذا الهدف ، الذي فشل من سبقهم في تحقيقه ، يريدون ألا يكون الفــرز لا قوميا ولا إجتماعيا ولا سياسيا وإنما وفقا لمحكمة صفين الشهيرة..
التعليقات