سميح صعب

هل ما يطلبه الرئيس الاميركي جورج بوش من الحكومة العراقية على صعيد التصدي لايران امر ممكن تحقيقه؟ اي هل من الممكن واقعيا وسياسيا ان تتخلى حكومة نور المالكي عن ايران والالتحاق بركب الدول التي تعدها الولايات المتحدة لمقاومة التمدد الايراني من افغانستان الى الخليج فالى قطاع غزة مرورا بلبنان (لن نتحدث عن التمدد في اميركا اللاتينية)؟
يبدو ان بوش يجهل تماما الروابط التي كانت تجمع بين من هم بالحكم في العراق اليوم وايران ابان فترة حكم البعث.

الى ذلك تعتقد ادارة بوش ان مفتاح الاستقرار في العراق هو في التصدي للنفوذ الايراني اكثر منه في مواجهة الهجمات اليومية على المدنيين، او في الصراع المذهبي الذي يحصد عشرات العراقيين يوميا. وللتدليل على مدى جدية بوش في التصدي لايران في اطار استراتيجيته الجديدة، اقدمت القوات الاميركية على اعتقال خمسة ايرانيين من مكتب ارتباط في اربيل.

وحتى لا يضيّع بوش الهدف أوفد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الى الشرق الاوسط في مهمة مقايضة بين المساهمة الاميركية في تحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني، والحصول على وعد قاطع من الدول العربية ولا سيما مصر والاردن ودول مجلس التعاون الخليجي بالتصدي للتمدد الايراني ومن خلفه سوريا وquot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot;.
وفي اشارة لها مغزاها، تجاهلت رايس العراق في جولتها كي تزيد الضغوط على حكومة المالكي في الوقت الذي كان بوش يفتح النار على هذه الحكومة ويصفها بانها غير ناضجة، في انتقاد من الطريقة التي نفذت بها حكم الاعدام في حق صدام حسين. ولان المالكي بدأ يضيق ذرعا بالضغوط الاميركية، فقد اضطر الى الدفاع عن نفسه واصفا بوش بانه بات رئيسا ضعيفا بعدما خسر حزبه الجمهوري مجلس الكونغرس في الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني الماضي.

الحرب الكلامية بين بوش والمالكي هي تعبير واضح عن عمق المأزق الاميركي في العراق. بوش يريد نجاحا من خلال الحكومة العراقية كي يصير في امكانه القول بعد فترة ان استراتيجيته الجديدة في العراق هي استراتيجية ناجحة، من دون الحاجة الى الاخذ ببند واحد من البنود الـ79 الواردة في تقرير بايكر ndash; هاميلتون.
ويلقي بوش بكل ثقل في الخطة الجديدة على حكومة المالكي المطلوب منها تحقيق الامن بضرب ميليشيا quot;جيش المهديquot; ووقف العنف المذهبي، والتصدي للنفوذ الايراني والسوري، وتأمين الخدمات للمواطنين، والنهوض بالاقتصاد، واجراء توزيع عادل للثروة النفطية، وتعديل الدستور لارضاء السنة. كل هذا مطلوب الآن من الحكومة العراقية.
وعندما تزداد الضغوط على بوش في الداخل، سواء من الديموقراطيين او حتى من حزبه الجمهوري، فان الرئيس الاميركي يتوجه باللوم الى حكومة المالكي التي يتهمها تارة بالضعف والتردد، وطورا بعدم النضج.

لكن بوش لن ييأس على ما يبدو من الطموح الى الامور غير القابلة للتحقق على ارض الواقع منذ اتخاذه قرار الغزو. لذلك فان الاستراتيجية المقبلة لبوش في العراق هي العمل على الاتيان بحكومة تقبل بالعمل لتنفيذ هذه المطالب، من دون الاخذ في الاعتبار ما يمكن تحقيقه فعلا.

لكن رأس المطالب هو التصدي لايران، وليس ابلغ من مدى الانشغال الاميركي بالملف الايراني سوى التهرب من الانهماك فعليا في تحريك العملية السلمية في الشرق الاوسط. حتى ان اجتماع اللجنة الرباعية الذي حدد في الاول من شباط لم يكن في الامكان التوصل اليه لولا الضغط الاوروبي وتحديدا الالماني. فعنوان المواجهة اميركيا الآن هو ايران. لكن السؤال الذي يجب ان يطرح هو: من الذي ساهم في جعل ايران قوة اقليمية بهذا الحجم؟