23 يناير 2007


خيرالله خيرالله


لم يكن برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدّام حسين ملاكاً في أي شكل من الأشكال. لكنّ ذلك يجب ألاّ يحول دون القول أن اعدامه لا يبشّر بالخير. على العكس من ذلك أنّه اشارة واضحة ألى أن الميليشيات الطائفية والمذهبية تحكم العراق وأن حلقة العنف التي بدأت مع الأنقلاب العسكري الذي أستهدف التخلّص من الحكم الملكي مستمرّة. أنها مستمرة في التهام أبناء العراق والعراق منذ ذلك اليوم الأسود من صيف العام 1958 .
منذ يوم الرابع عشر من يوليو- تمّوز 1958تحديداً، والعراق ينتقل من مرحلة سيّئة ألى مرحلة أسوأ منها. ويبدو أن السقوط العراقي لن يتوقف ويبدو أن العراق الجديد الذي وعد به الرئيس بوش الأبن أهل المنطقة ليس أفضل في شيء من عراق quot;المقابر الجماعيّةquot; الذي حكمه صدّام حسين بمشاركة أحمد حسن البكر في البداية، أي في العام 1968 وبمفرده بعد صيف العام1979 حين تخلّص صدّام من البكر ثم من رفاقه البعثيين ليقيم نظاماً عائليّاً- بعثيّا على قياس صدّام.
يمكن فهم الأسباب التي أدّت ألى محاكمة صدّام حسين ومن ثمّ اعدامه، علماً أن المحاكمة لم تكن نزيهة وكانت تنظر في قضيّة ذات طابع ثأري ليس ألاّ مرتبطة تحديداً بحزب quot;الدعوةquot;، الحزب المذهبي الذي حاول أغتيال الرئيس العراقي المخلوع في العام 1982 في سياق الحرب العراقية- الأيرانية. يمكن فهم هذه الأسباب من دون تفهمّها، ذلك أن هناك الف سؤال يفترض أن يجيب عنه صدّام في شأن جرائم كبيرة أرتكبها لا علاقة لها فقط بحزب quot;الدعوةquot; الذي حاول أغتياله وبالنظام الأيراني الذي كان يخوض حرباً مع العراق بهدف أخضاعه ومن ثمّ أخضاع دول الخليج وصولاً ألى لعب دور في المشرق العربي على غرار ما يحصل حالياً في لبنان.
كان مطلوباً محاكمة صدّام في قضيّة الدجيل لسببين واضحين. الأوّل أن لهذه القضية علاقة مباشرة بأيران وبحزب quot;الدعوةquot;. أما السبب الآخر فهو أن محاكمة للرئيس العراقي المخلوع في قضية الدجيل تُعتبر الطريقة الوحيدة للوصول ألى أعدام برزان الذي لكلّ من أيران وquot;الدعوةquot; حساب يريدان تصفيته معه.
بأختصار شديد، يريد النظام الأيراني توجيه رسالة ألى كلّ من يعنيه الأمر فحواها أن الأحتلال الأميركي للعراق كان أنتصاراً تاريخيّاً له وأن مصير صدّام وبرزان مصير كلّ من تجرّأ أو يمكن أن يتجرّأ على الوقوف في وجهه. ولذلك، لم تنفع الجهود التي بذلت من أجل انقاذ برزان من حبل المشنقة. ومن الواضح أن أعدامه بالطريقة الوحشية التي أُعدم بها دليل على أن المطلوب الأنتقام وليس تحقيق العدالة وبناء دولة القانون في العراق. كان مطلوباً أعدام صدّام وبرزان لأسباب أيرانية ولتأكيد واقع لم يعد مفرّ منه فرضه الأحتلال الأميركي يتمثّل في أن الكلمة الأولى والأخيرة في العراق هي للنظام الأيراني وذلك بغض النظر عن شخص رئيس الوزراء العراقي. كلّهم أيرانيون وأدوات أيرانية، لا فارق بين المالكي العربي والجعفري ذي الأصول الأفغانية أو الباكستانية أو أي شيء آخر من دون أن يعني ذلك أيّ نوع من العنصرية في حق أي أنتماء ألى أيّ أصول كانت... صار الأنتماء المذهبي فوق أيّ أعتبار آخر للأسف الشديد!
كان في الأمكان مثول صدّام أمام محكمة محترمة تضمّ قضاة على علاقة من قريب أو بعيد بالقانون على أن تنظر المحكمة في مجمل الجرائم التي أرتكبها الرجل في حق العراقيين أوّلاً وفي حق أيران وجيرانه على رأسهم الكويت، البلد العربي المسالم الذي أراد وضع اليد عليه وعلى ثرواته وتشريد شعبه. كان في الأمكان أيضاً محاكمة صدّام على الكوارث التي ألحقها بالمنطقة خصوصاً بالعرب. لكن الأصرار على محاكمته وأعدامه بسبب الدجيل، القضيّة الوحيدة القابلة للأخذ والرد، يظهر أن ثمة من يريد أخفاء الحقائق عن العراقيين وألاّ تسود في البلد سوى لغة واحدة هي لغة الأنتقام مع الأصرار المسبق على الحؤول دون وضع نهاية لحلقة العنف المستمرة منذ العام 1958 والتي عمل البعث الجاهل بأفكاره المتخلّفة على ترسيخها.
يشير أعدام برزان التكريتي ومعه عوّاد البندر، القاضي الذي نظر في قضية الدجيل، ألى وجود رغبة في السير في طريق مدرسة صدّام ألى النهاية وكأنّه مكتوب على العراق الأنزلاق ألى جحيم العنف وعمليات التطهير ذات الطابع الطائفي والمذهبي والعرقي. لو لم يكن الأمر على هذا النحو لما كان أعدام صدّام وبرزان وعوّاد البندر أتخذ طابع الأنتقام من السنّة العرب لا أكثر ولا أقل. كان في الأمكان تفادي ذلك في حال كانت هناك من يريد بالفعل بناء عراق ديموقراطي عن طريق محاكمة عادلة لصدّام تختلف عن المحاكمات التي كان يُخضع لها خصومه من السنّة العرب والشيعة العرب وغير العرب والأكراد والتركمان والمسيحيين وكلّ من كان هناك أدنى شكّ في ولائه.
أمّا بالنسبة ألى برزان الذي نُسجت حوله الأساطير، بما في ذلك أنّه كان يدير الشبكات العراقية في أوروبا والعالم أضافة ألى ثروة العائلة التي تقدّر بمليارات الدولارات، فأن الحقيقة أن علاقاته بأخيه كانت شبه مقطوعة منذ اواخر العام 1983 عندما أستقال من مديرية المخابرات أحتجاجاً على تزويج رغد صدام حسين من حسين كامل حسن المجيد. والحقيقة أيضاً أنّه لم تكن هناك عائلة متماسكة حتى يكون حديث عن ثروة للعائلة أو شيء من هذا القبيل. كلّ ما في الأمر أنّ صدّام لم يغفر لبرزان تقديمه أستقالته فأبقاه في عزلة أستمرّت خمس سنوات. وكان أرساله ألى جنيف سفيراً لدى الأمم المتّحدة، التي مقرّها الثاني في تلك المدينة، بمثابة أرسال ألى المنفى. وروى برزان أن المرّة الوحيدة التي أتصّل به صدّام خلال وجوده في جنيف كانت لأبلاغه عن خطوة أحتلال الكويت صبيحة الثاني من أغسطس- آب 1990 . ويقول برزان في هذا المجال أنه عندما وجده صدّام غير متحمّس لتلك الخطوة، أبلغه أنّه سيرسل له خمسين ألف دولار quot;هديةquot; لتمضية عطلة الصيف جنوب فرنسا! لم يكن صدّام حسين يعرف حتى أن مبلغ خمسين ألف دولار أقلّ من تافه بالنسبة ألى عائلة تريد تمضية بعض الوقت في جنوب فرنسا خلال الصيف. ولكن ما العمل مع شخص لا يعرف شيئاً عن العالم وعمّا يدور في العالم!
لماذا ذلك الأصرار على أعدام برزان الذي نفّذ في ما يخص الدجيل الأوامر الصادرة عن صدّام لا أكثر ولا أقلّ؟ لماذا لم يُستمع أليه يروي علاقته بالنظام وبأخيه وبأركان المعارضة من أكراد وغير أكراد؟ هل من تفسير آخر غير الرغبة في الأنتقام والتشفي؟
كان برزان الذي عاد ألى بغداد مضطراً بعدما أنهى صدّام خدمته في جنيف أواخر العام 1998 ، يريد البقاء في الخارج. لكنّ السلطات السويسرية أشترطت عليه طلب اللجوء السياسي. لم يفعل ذلك لأنّه كان يعتبر نفسه معارضاً quot;ولكن على طريقته الخاصةquot;. كانت لديه نظرية تقول أن السمّ تسلّل ألى الجسد العراقي بسسبب quot;غباء صدّامquot; الذي لم يفهم يوماً المعادلات الأقليمية والدولية. هذا quot;الغباءquot;، كان من وجهة نظره، وراء أرتكاب جريمة أحتلال الكويت. في النهاية دفع صدّام ثمن تلك الجريمة الفظيعة التي لا يرتكبها ألاّ شخص متهوّر ومغامر له علاقة بكلّ شيء بأستثناء السياسة. يبدو أن السمّ لا يزال معشعشاً في الجسد العراقي في عهد الحكّام الجدد الذين يبدون الأستعداد للتفوق على صدّام معتقدين أن الأنتقام يمكن أن يكون سياسة. منذ متى الأنتقام سياسة؟ منذ متى تُبنى الدول عن طريق الأنتقام بدل العدل والعدالة... ألاّ أذا كان المطلوب أثارة الغرائز المرتبطة بالحساسيات المذهبية والطائفية لبناء دولة العدل والعدالة حسب مفهوم هذا الحزب المذهبي أو ذاك... هل في الأمكان التوفيق بين العدل والعدالة وبناء مؤسسات لدولة حديثة من جهة والغرائز المذهبية من جهة أخرى مع عمل كل شيء يمكن عمله من أجل أثارتها في الوقت ذاته؟