جهاد الخازن

يفترض ان تلتقي المجموعة الرباعية في واشنطن اليوم لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، في وقت تبدو الادارة الأميركية مصرّة على انتزاع نجاح سياسي لجورج بوش في سنتيه الأخيرتين في البيت الأبيض يغطي على ركام كل سياسة أخرى في السنوات الست الماضية.

وكنتُ في دافوس اجتمعت مع الصحافي الأميركي المشهور ديفيد اغناشيوس، الذي أثق به تماماً، وهو حدّثني عن جلسة طويلة له قبل ذلك مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تحدثت فيها عن اعادة ترتيب الادوار مع الدول العربية المعتدلة التي تريد احتواء ايران، ويقلقها نفوذها مع أطراف عربية مثل سورية و laquo;حزب اللهraquo; و laquo;حماسraquo;.

طبعاً الولايات المتحدة تدرك انها لن تستطيع كسب الدول العربية المعتدلة الى صفها من دون ان تقدم شيئاً في المقابل، وديفيد اغناشيوس كتب في laquo;واشنطن بوستraquo; مقالاً عن حديثه مع الدكتورة رايس ربطت فيه بين إعادة ترتيب الادوار، وتشجيع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني على بدء مفاوضات على الوضع الأخير، مثل الحدود والقدس وحق العودة، ليتجاوزا بذلك خريطة الطريق المجمدة. هل الادارة الأميركية صادقة في توجهها الجديد هذا، أو انها تستغل القضية الفلسطينية مرة أخرى؟ بدل إبداء رأي، أقدم للقارئ ما عندي من معلومات.

كنتُ في دافوس استمعت الى مسؤولين عرب كبار قابلوا الدكتورة رايس في الأسابيع الأخيرة، وبعضهم كشف لي ان الوزيرة طلبت في اجتماع الدول الست زائد اثنتين في الكويت ان تؤيد هذه الدول المبادرة الأميركية التي أصبحت تهدف الى مفاوضات على الوضع النهائي، وليس دولة بحدود موقتة، كما كان الاقتراح السابق.

بعض دول الخليج، وأيضاً مصر والمملكة العربية السعودية طلب ان تسعى الولايات المتحدة الى إشراك سورية في العملية السلمية، الا ان الادارة لا تزال تعارض أي اتصال، أو تواصل، مع دمشق قبل ان تنفذ هذه طلبات أميركية معلنة، يقدر كل خبراء المنطقة ان سورية لن تنفذها مجاناً.

الجانب السوري ليس كافياً بذاته لإحباط الجهد الأميركي الجديد، اذا صدقت المعلومات المتطابقة عن النيات الأميركية، غير ان هناك عناصر أخرى كل منها محدود الأهمية الا ان مجموعها يعمل ضد النجاح.

اذا استثنينا دولة او اثنتين فالدول العربية مستاءة من علاقة laquo;حماسraquo; بإيران، غير ان الرئيس محمود عباس أثار استياءها بدوره عندما طلبت منه في اجتماع عمان عدم الذهاب الى سورية ومقابلة الأخ خالد مشعل، وأصر على الذهاب بحجة ان هناك حوالى 400 ألف فلسطيني في لبنان، وهو يريد حمايتهم.

اجتماع عمان، بحسب رواية أحد المشاركين، لم يقتصر على وزراء خارجية فقط، فقد غاب بعض هؤلاء، وحضره من دون اعلان رؤساء أجهزة استخبارات. وكانت النصيحة الأخيرة للرئيس الفلسطيني اذا أصرّ على زيارة دمشق ان يقابل الرئيس بشار الأسد ويبتعد عن السيد مشعل. غير انه زار الاثنين وفشل اجتماعه مع رئيس laquo;حماسraquo;، وهو زار قبل يومين مصر واجتمع مع الرئيس حسني مبارك، لطي الموضوع والتنسيق والاتفاق على الخطوات المقبلة.

الوضع الفلسطيني أكثر سلبية من مجرد الاستياء من موقف لحماس أو فتح، فالاقتتال الفلسطيني كان كارثة، ووقف اطلاق النار (بين الفلسطينيين لا مع اسرائيل) دخل يومه الخامس مع انتهاكات قليلة، غير انه لم يتحقق الا بعد ان قتلت الفتنة منذ بداية السنة 63 فلسطينياً، بينهم ثمانية أطفال، وتركت 306 جرحى، بينهم 73 طفلاً، مع احتجاز أو خطف 99 شخصاً. وأرقامي هذه من مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة الذي يقوم بجهد مشكور يوازي جهد جماعة laquo;بتسلمraquo; الاسرائيلية.

هذا على الجانب الفلسطيني، أما على الجانب الاسرائيلي فالمشاكل تختلف تماماً فهي من نوع قبلة وتحرش وقضايا فساد تركت الحكومة الاسرائيلية على كف عفريت، ووزير العدل حاييم رامون انتهى سياسياً بعد ان دانته محكمة بتقبيل مجنّدة، أما الرئيس موشى كاتساف فترك مقر الرئيس فيما يواجه تحقيقاً في تهم تحرّش، وسمعنا روايات من البنت laquo;ألفraquo; في مقر الرئيس والبنت laquo;ألفraquo; في وزارة السياحة وكيف حاول الرئيس الأنيس تجريدهن من الثياب. أما الفساد فطاول مسؤولين سابقين، والحكومة حتى رئيس الوزراء ايهود أولمرت، وهناك ست قضايا أخذت ملاحظات عنها من قراءتي الصحف الاسرائيلية، الا انني أرجح ان العدد أكبر من ذلك.

وهكذا فالفلسطينيون مشغولون بالقتل أو منعه، والاسرائيليون مشغولون بالقُبل والفساد، والأميركيون مشغولون بإيران، والعرب مشغولون بأميركا وإيران معاً، ثم يتحدث الجميع عن استراتيجية جديدة لادارة أميركية فشلت حتى الآن كل استراتيجية سابقة لها.

مع ذلك أريد تغليب التفاؤل، فاجتماعات اللجنة الرباعية في واشنطن اليوم ستتبعها يوم الاثنين المقبل محادثات مع مجموعة الدول الأربع العربية، ولعلّ مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة تجترح معجزة على طريق الحل على رغم المناخ السياسي المحبط من أميركا الى الشرق الأوسط وبالعكس.